مجاملات بومبيو للسعوديين لا تعكس وجود أزمة.. Washington Post: الضغط الأميركي يبدو باتجاه «لملمة» الموضوع بدلاً من الكشف والمحاسبة

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/17 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/17 الساعة 17:52 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية السعودي ونظيره الأميركي /رويترز

على الرغم مما قيل عن ضغط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على الرياض لإجراء "تحقيق شامل وشفاف وبوقتٍ محدد" حول اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، فإن أفضل تعبير مجازي لوصف دبلوماسية بومبيو هو ما شاهده الصحافيون خارج القنصلية السعودية في إسطنبول: فريق نظافة ودِلاء، ومماسح، وسوائل تنظيف.

إذ بدا بومبيو، الذي ابتسم ووجَّه التحية إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أقل رغبة في الوصول إلى الحقيقة، وأكثر رغبة في مساعدة الحاكم الفعلي للسعودية على الهروب من الأزمة التي أثارها.

السعوديون يحضّرون لرواية تشتت اللوم عن محمد بن سلمان

وذكر موقع The Daily Beast الأميركي أن السعوديين يجهزون رواية للتغطية على ما حدث، على أن تشير إلى أن مقتل خاشقجي جاء بسبب تجاوزات الفريق المُكلَّف التحقيق معه.

يمكن أن تُشتت تلك الرواية اللومَ الموجه إلى ولي العهد، الذي يُعتقد في واقع الأمر أنه هو من أمر بالعملية وأشرف عليها.

والتحقيقات في تركيا تصطدم بإخفاء الأدلة داخل القنصلية

وفي إسطنبول، بدت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان أكثر جدية في محاولة اكتشاف الحقيقة.

غير أن تحقيقها واجه عقبات كبيرة؛ إذ أخبر أردوغان الصحافيين بأن المحققين الذين سُمح لهم أخيراً بالدخول إلى القنصلية وجدوا أمامهم حوائط مطليةً حديثاً.

وأخبرت مصادر تركية وكالة The Associated Press للأنباء، بأنهم وجدوا مزيداً من الأدلة التي تؤيد مزاعمهم بأن خاشقجي اغتيل وقُطّعت جثته بعد مدةٍ وجيزة من دخول القنصلية.

لكنَّ الأتراك، الذين أوضحوا أن لديهم تسجيلاً صوتياً لعملية الاغتيال، لم يعرضوا الأدلة التي لديهم علناً.

وكلما أطالوا في إبداء الشفافية، بدوا أكثر اهتماماً بما يمكن أن يجنوه أو يخسروه من هذه القضية.

مستجدات دفعت البعض وعائلة خاشقجي إلى المطالبة بتحقيق دولي

يؤكد كل هذا حجةً أُشير إليها في مقال رأي منشور بصحيفة The Washington Post، كتبه مسؤولان بارزان في الأمم المتحدة، تقول إن الطريقة الوحيدة لمعرفة حقيقة ما حدث لخاشقجي لن تكون إلا بتشكيل لجنة دولية مستقلة.

إذ كتب ديفيد كاي، المقرر الخاص لحماية حق حرية التعبير؛ وأغنيس كالامارد، المُقررة المعنيَّة بشؤون الإعدامات: "السعوديون لا يمكنهم التحقيق بأنفسهم".

وقالا إن تركيا لا ينبغي لها أن ترأس التحقيقات؛ لأن أي تحقيق سيسفر عن اتهامات بالقتل يمكن عرقلته بالضغط الدبلوماسي على أنقرة.

وطالبت عائلة خاشقجي كذلك بإجراء تحقيق مستقل. يمكن أن يجري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثل هذا التحقيق، عن طريق توجيه الأمين العام بتشكيل لجنة يرأسها قاضٍ أو مدعٍ عام يحظى بالاحترام.

أو بدلاً من ذلك، يمكن أن يرسل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعثةً لأداء هذه المهمة.

ضغطُ وزير الخارجية الأميركي على الرياض غير كافٍ

وفي كلتا الحالتين، ينبغي ممارسة الضغط على تركيا والسعودية من أجل تسليم الأدلة التي لديهما، والتي يمكن أن تؤدي إلى التوصل بسرعة إلى ما حدث وهوية المسؤول عنه.

واعتبرت صحيفة The Washington Post أنه من غير المقبول اضطلاع إدارة ترمب بعملية تنظيف دبلوماسية من أجل نظامٍ وحاكمٍ تساهلت معه تساهلاً كبيراً، على الرغم من التجاوزات المتزايدة داخل بلاده وخارجها.

ودعوات إلى مقاطعة الشركات الأميركية كل ما له علاقة بالسعودية

وحتى تتكشف الحقيقة الكاملة حول ما حدث لخاشقجي، دعت الصحيفة الشركات الأميركية إلى تجنب التعامل مع النظام السعودي، وأن يحظر الكونغرس جميع مبيعات السلاح إلى المملكة.

بومبيو، الذي زار السعودية لتسليط الضوء على المخاوف الأميركية حول مصير جمال خاشقجي، لم ينطق اسمه علناً منذ وصوله إلى المملكة.

أجرى محادثات مع 3 مسؤولين سعوديين، هم الملك سلمان وابنه ووزير الخارجية عادل الجبير.

ووصفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، المحادثات بأنها "مباشرة وصريحة" حول الحاجة إلى إجراء تحقيق فيما حدث.

لكن محادثات زيارة بومبيو لا توحي بوجود أزمة بين البلدين

لكنَّ الكاميرات، التي التقطت المحادثات البسيطة بين المسؤولين الثلاثاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قبل الاجتماعات الخاصة، سجلت ابتسامات ومجاملات بينهم، ما لا يوحي بأن العلاقات بين البلدين تواجه أزمة بشأن اختفاء خاشقجي.

إذ قال ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لبومبيو قبل إخراج الصحافيين من مكان الاجتماع: "إننا حلفاء أقوياء وقدامى. نواجه تحدياتنا معاً؛ في الماضي والحاضر والمستقبل".

فردَّ بومبيو على كلمات ولي العهد بحماسة، قائلاً: "بكل تأكيد".

وعندما رحب الملك سلمان بوزير الخارجية، قائلاً: "أتمنى أن تكون مرتاحاً هنا"، ردَّ بومبيو بأنه مرتاحٌ، وأضاف: "شكراً لكم لقبول زيارتي نيابة عن الرئيس ترمب".

أكدت هذه المجاملات المتبادلة المعضلة التي تواجهها الإدارة الأميركية بشأن اتخاذ قرار حول كيفية الرد إذا ثبت أن أحد أفراد العائلة الملكية في السعودية وافق على إيذاء خاشقجي، وفق ما نشرته صحيفة The Washington Post الأميركية.

تركيا تحقق، والسعودية تتعهد بالشفافية، والكونغرس يلوح بعقوبات.. ولكن ضد من؟

وتتهم تركيا السعودية بإرسال فريق مكوَّن من 15 شخصاً لنصب شَرَكٍ لخاشقجي بالقنصلية وتعذيبه وقتله في النهاية. وهي اتهامات دفعت الكونغرس الأميركي إلى التلويح بفرض عقوباتٍ على قادة المملكة.

وتعهد ترمب بـ "عقوبات قاسية" على أي جهة تثبُت مسؤوليتها، لكنه تحدَّث بإطراءٍ أيضاً عن صفقات السلاح مع السعودية والوظائف التي توفرها.

وتعهدت السعودية، التي أنكرت تورطها في إيذاء خاشقجي، بالرد على أي عقوبات ضدها.

في السعودية احتفاء بالمشاركة في التحقيقات

وبالتزامن مع زيارة بومبيو، ركزت وسائل الإعلام المحلية بالسعودية، في الأيام الأخيرة، على العناصر الإيجابية للمملكة في القضية، ومن ضمنها "الاحتفاء" بعرض الرياض التعاون في التحقيقات المشتركة مع تركيا.

وثمة القليل من المبالاة بالتدهور السريع في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة، أو الضرر الذي لحق بسمعتها وتجلَّى في انسحاب العديد من أبرز المديرين التنفيذيين من مؤتمر استثماري دولي سيُعقد في الرياض؛ على خلفية قضية خاشقجي.

وكان ترمب أمر، مساء الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وزير خارجيته، بومبيو، بالتوجه إلى السعودية للحديث مباشرة مع القادة السعوديين حول الأزمة. وقالت وزارة الخارجية إن الولايات المتحدة تستهدف "سبر أغوار" ما حدث.

وحتى مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018، لم تكن هناك أي إشارات تدل على أن بومبيو اقترب من التوصل إلى حلٍ للغزِ اختفاء خاشقجي.

وإذا كان هناك أي مواجهة، فقد حدثت خلف الأبواب الخشبية العملاقة المطليَّة بالذهب في القصر الملكي الذي اجتمع فيه بومبيو والملك سلمان وابنه.

مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية أصروا على أن المحادثات الخاصة مع القادة السعوديين ركَّزت كلها تقريباً على قضية خاشقجي.

وتحدث بومبيو إلى ترمب ومستشار الأمن القومي جون بولتون بعد الاجتماع؛ لإطلاعهما على مستجدات الوضع.

كما كان من المقرر أن يتناول بومبيو العشاء، مساء الثلاثاء، مع ولي العهد.

وفي أثناء رحلة بومبيو الأولى بعد تعيينه وزيراً لخارجية بلاده في أبريل/نيسان 2018، جعله ولي العهد ينتظر ساعات قبل لقائه؛ لأنه كان يرأس مراسم وضع حجر الأساس لمركز ترفيهي سعودي.

والثلاثاء 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، عاد بومبيو إلى الفندق وانتظر ساعةً، في حين كان مساعدوه ينتظرون مكالمةً تفيد بأن محمد بن سلمان مستعدٌ لرؤيته.

ابتسم بومبيو عندما جلس بجوار محمد بن سلمان، الذي سأله: "كيف كانت رحلتك؟ أتمنى ألا تكون مصاباً بإرهاق السفر".

وتوقع بومبيو أنه سيشعر بفارق التوقيت بعد مدةٍ قصيرة، وعبَّر عن امتنانه لهذه المقابلة، قائلاً: "شكراً لاستضافتي".

وبومبيو يؤكد التزام السعودية بمحاسبة كبار القادة.. إذا ثبت تورطهم

وفي نهاية اليوم، أصدر بومبيو بياناً، قال فيه إن ترمب وجَّهه "نحو إقناع القيادة السعودية بضرورة تحديد ما حدث لجمال خاشقجي. اليوم، التقيت الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان ووزير الخارجية الجبير فقط".

وقال بومبيو إن ولي العهد طمأنه بأن هناك تحقيقات جارية بالفعل، وأن "العمل الذي يضطلع به النائب العام السعودي سوف يسفر عن نتيجة كاملة شاملة بكل شفافية، لكي يراها العالم".

وأضاف بومبيو: "إن تقييمي لهذه الاجتماعات هو أن هناك التزاماً جاداً بتحديد الحقائق وضمان المحاسبة، وضمن ذلك محاسبة كبار القادة وكبار المسؤولين في السعودية".

تحميل المزيد