لديها بدائل داخل الأسرة السعودية الحاكمة.. مجلة فرنسية تكشف عن خيارات أميركا للتعامل مع أزمة خاشقجي وسر تهديدات الرياض بالانتقام

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/16 الساعة 20:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/16 الساعة 20:31 بتوقيت غرينتش
U.S. President Donald Trump holds a chart of military hardware sales as he welcomes Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman in the Oval Office at the White House in Washington, U.S. March 20, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst

اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي خلط الأوراق وعكَّر تحالفات وترتيبات كانت قد يتم حياكتها منذ تولي ترمب السلطة، وهاهي الآية تنقلب وتتصالح الولايات المتحدة مع أنقرة، بينما تظهر تهديدات الرياض بالانتقام طبيعة الموقف الدقيق الذي أصبحت فيه المملكة.

فقد أحدث أزمة خاشقجي تقلبات في ديناميات السياسة الأميركية السائدة في عهد ترمب، إذ وجه الرئيس الأميركي تهديداً إلى حليفته المفضلة المملكة العربية السعودية، سرعان ما قوبل أيضاً بـ "تهديدات الرياض بالانتقام"، بحسب ما ورد في تقرير لمجلة Causeur الفرنسية.

فالأزمة فتحت الاحتمالات على تغييرات في السياسات الأميركية أو على الأقل إعادة ترتيب الأولويات في علاقة واشنطن مع الحلفاء مثل السعودية وتركيا، وفقاً للمجلة.

هكذا استغلَّ ترمب الأزمة لإنعاش العلاقة مع تركيا

استغل الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، اختفاء خاشقجي لإنعاش العلاقات الأميركية التركية، وذلك دون الذهاب إلى النأي بنفسه عن السعودية.

بالكاد احتفل ترمب باستقبال القس أندرو برونسون في البيت الأبيض، بعد أن تم إطلاق سراحه من قبل تركيا، ليسارع الرئيس الأميركي، على خطى رجب طيب أردوغان، إلى استنكار حادثة اختفاء الكاتب السعودي لصحيفة Washington Post، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول.

ويعد هذان الحدثان الدراميان غير متصلين، وتتناقض طريقة حلِّهما، مع ذلك فهما يتشاركان في أمر واحد، وهو أنهما يساهمان في تطبيع العلاقات بين واشنطن وأنقرة.

فالمصالحة بين البلدين أسبابها أعمق، ولكن الحادثتين توفران الظروف لحفظ ماء وجه الزعيمين

شهدت هذه العلاقات انتعاشة، بعد أن كانت متوترة، وذلك على خلفية توجه الرئيس التركي نحو روسيا وإيران في إثر عملية الانقلاب الفاشلة خلال صيف عام 2016.

لكن يبدو أن الحادثتين الآنف ذكرهما قد ساهما في وضع حد للخلاف بين الطرفين، حيث سرعان ما ظهرت علامات تحيل إلى المصالحة بين ترمب وأردوغان.

لدى الدولتين الكثير من المصالح المشتركة التي تجعلهما لا يفوّتان فرصة الاستفادة من هذه الدراما المزدوجة، لتحقيق التصالح دون أن يفقد كلاهما ماء الوجه.

الأزمة وفرت فرصة لترمب وأردوغان لمصالحة تحفط ماء الوجه/REUTERS
الأزمة وفرت فرصة لترمب وأردوغان لمصالحة تحفط ماء الوجه/REUTERS

وشكر ترمب "نظيره التركي" على تعاونه "وأعرب عن تقديره الكبير له". وواصل ترمب امتنانه قائلاً: "سيفضي بنا الإفراج عن القس إلى إقامة علاقات طيبة وممتازة، بين الولايات المتحدة وتركيا".

ولا يعد تسريع أردوغان لعملية تحرير القس الأميركي لاستغلال فرصة اضطراب العلاقات بين واشنطن والرياض بسبب قضية جمال خاشقجي أمراً مفاجئاً.

وتهديدات الرياض بالانتقام جاءت بعد تصريحات ترمب غير المسبوقة

دخلت العلاقات السعودية الأميركية حالة اضطراب منذ حادثة الاختفاء الغامض للصحافي السعودي العامل بصحيفة Washington Post.

فقد هدد الرئيس الأميركي، الذي يمر بفترة حملة انتخابية قبيل انتخابات التجديد النصفي، بفرض "عقوبات قاسية" على ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي كان ينظر له أن محمي من ترمب نفسه، حسب الصحيفة الفرنسية.

في المقابل، نقلت وكالة الأنباء السعودية SPA عن مسؤول لم يُكشف عن هويته قوله إن "المملكة رفضت تماماً أي تهديدات أو محاولة لإضعافها، سواء من خلال التهديد بفرض عقوبات اقتصادية أو استخدام ورقة الضغط السياسي".

فهي أخفقت في سوريا وغارقة في اليمن

لم تعد المملكة العربية السعودية ممسكة بزمام الأمور، حسبما ترى المجلة الفرنسية.

إذ فقدت السعودية السيطرة على المعارضة التي كانت تدعمها في سوريا، كما أنها لا تزال تغرق في صراع يمني يفوق قدراتها، في الوقت الذي تواصل فيه إمارة قطر تحديها، وفقاً لتعبير المجلة.

أما بالنسبة للوعود التي قدَّمتها السعودية من أجل دعم خطة السلام الأميركية- الإسرائيلية، فتعتبر قضية قديمة بالفعل.

فلم يبق لديها سوى هذين السلاحين للتهديد بهما

إذن ليس أمام المملكة مجال للمناورة إلا عبر اعتماد ورقة النفط وعقود الأسلحة. فهما الوسيلتان المتاحتان بشكل أساسي لتنفيذ تهديدات الرياض بالانتقام.

وقدَّم مقالٌ للكاتب السعودي والمدير العام لقناة "العربية" السعودية الرسمية، تركي الدخيل، لمحةً حول  الخيارات المحتملة لتنفيذ تهديدات الرياض بالانتقام .

إذ قال الدخيل، في مقالِه بصحيفة Arab News السعودية، إنَّ الرياض تدرس 30 إجراء بهدف الضغط على الولايات المتحدة إذا قررت فرض عقوبات على المملكة بسبب قضية جمال خاشقجي، ومزاعم الاختفاء والقتل المُفترض للصحافي السعودي داخل قنصلية المملكة العربية السعودية في إسطنبول.

محمد بن سلمان والإعلامي السعودي تركي الدخيل
محمد بن سلمان والإعلامي السعودي تركي الدخيل

وتشمل هذه الإجراءات خفض إنتاج النفط الذي يمكن أن يدفع الأسعار من حوالي 80 دولاراً للبرميل إلى أكثر من 400 دولار، أي أكثر من ضعف أعلى مستوى وصل له على الإطلاق في عام 2008 عندما بلغ 147.27 دولار.

بالإضافة إلى وقف شراء الرياض الأسلحة من أميركا، فالرياض أهم زبون للشركات الأميركية، حيث تشتري السعودية  10% من مبيعات شركات السلاح في أميركا، و85% من الجيش الأميركي، بالإضافة إلى تصفية أصول واستثمارات الرياض في الحكومة الأميركية والبالغة 800 مليار دولار، حسب الدخيل.

ووصلت تهديدات الدخيل إلى القول إن إيران في هذه الحالة، ستكون أقرب إلى الرياض من واشنطن، وقد يعني ذلك تحول حماس وحزب الله من عدوين إلى صديقين، واقتراب السعودية من روسيا.

ولكن سرعان ما تبرأت المملكة من تهديدات الدخيل

غير أن كبير المستشارين في السفارة السعودية بواشنطن "فيصل بن فرحان"، قال إن المقال الذي كتبه الكاتب السعودي المقرب من دوائر صنع القرار في المملكة "تركي الدخيل"، ونشره في موقع قناة "العربية"، التي يديرها "لا يعكس بأي حال تفكير القيادة السعودية".

وعبر حسابه الرسمي بـ "تويتر"، أعاد "بن فرحان" تغريد انتقاد وجهته "كريستين ديوان"، الباحثة المقيمة بمعهد دول الخليج الفارسي في واشنطن إلى مقال "تركي الدخيل"، قائلاً: "هذا المقال لا يعكس بأي حال تفكير القيادة السعودية".

وفي المقابل فإن أميركا لديها بدائل داخل السعودية وهذا ما يمكن أن تفعله 

 لكن أميركا لديها خيارات وبدائل حتى داخل المملكة العربية السعودية، حسب المجلة الفرنسية.

ففي حال احتدم الوضع أكثر، فربما ستتعقد عملية خلافة الملك سلمان بشكل أكبر، وفقاً للمجلة.

القمة العربية الإسلامية الأميركية مثلت ذروة العلاقات بين ترمب والرياض/REUTERS
القمة العربية الإسلامية الأميركية مثلت ذروة العلاقات بين ترمب والرياض/REUTERS

إذ تقول المجلة الفرنسية إن الولايات المتحدة تمتلك ما يكفي من البدائل في الأسرة السعودية الحاكمة، ما يجعلها قادرةً على التراجع عن دعم عملية انتقال السلطة بين العاهل سلمان ونجله.

ويفسر كل ذلك سبب تهديدات الرياض بالانتقام، بهذه الطريقة غير العادية.

ولكن يبدو أن الولايات المتحدة هدفها تحقيق إعادة توازن بسيطة

غير أن أي انقلاب في العلاقات الأميركية- السعودية، توجه فيه واشنطن أنظارها إلى أنقرة على حساب الرياض، سيكون محفوفاً بالمخاطر من وجهة نظر واشنطن.

ولكن المجلة الفرنسية ترى أن ما تقوم واشنطن حالياً يعد بمثابة عملية إعادة توازن بسيطة.

إذ تتميز العلاقات الأميركية السعودية بأهميتها بالنسبة للطرفين، كما أنها متينة بحيث لا يمكن تفكيكها حتى بعد حادثة مثل اختفاء خاشقجي.

العاهل السعودي في لقاء سابق بالرئيس التركي/REUTERS
العاهل السعودي في لقاء سابق بالرئيس التركي/REUTERS

أما بالنسبة لتركيا، فتعتبر دبلوماسيتها ذكية بما فيه الكفاية، حتى لا تنفصل عن روسيا وإيران (ولا عن السعودية)، حيث تعي أنقرة جيداً أن من مصلحتها الحفاظ على مركزها كمحور استراتيجي أو كنقطة توازن دبلوماسي.

وحيث إن تصالح تركيا مع واشنطن أمر هام بالنسبة لأنقرة لعزل الأكراد وتعزيز مواقعها العسكرية على طول شمالي سوريا، من إدلب إلى جرابلس. ولكن لا يمكن لأنقرة، في المقابل، التخلي عن جيرانها الروس والإيرانيين الذين يسيطرون على نظام دمشق.

أما من جهة الولايات المتحدة، فهي تبذل قصارى جهدها للحفاظ على تركيا في حلف الناتو.

والسيناريو الأميركي المرجح أن واشنطن ستدفع إلى التوفيق بين السعوديين والأتراك

تتعامل الولايات المتحدة مع العديد من السيناريوهات المحتملة في الشرق الأوسط، بما في ذلك السيناريو المحتمل بين تركيا والسعودية.

وبما أن التحالف القائم حالياً بين روسيا وإيران وسوريا يشكل خصمها الاستراتيجي الوحيد، فهناك أسباب وجيهة تدفع وزارة الخارجية الأميركية للتوفيق سراً بين حلفائها الأتراك والسعوديين خلال الأشهر المقبلة.

وبصرف النظر عمَّا قاله ترمب وما أحدثته تهديدات الرياض بالانتقام من جَلَبَة، فإنه يجب انتظار ما ستؤول إليه نتائج انتخابات التجديد النصفي لانتخابات الكونغرس الأميركية، والعثور على مصير لائق لجثة جمال خاشقجي ، حسب المجلة الفرنسية.

تحميل المزيد