تساءل موقع شبكة CNN الأميركية عن تأثير مزاعم قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وتقطيع أوصاله في قنصلية السعودية في إسطنبول على الاقتصاد السعودي خلال الأسابيع المقبلة.
التقرير الذي نشرته الشبكة الأميركية عرج على ما ينتوي الأمير محمد بن سلمان، عمله بعد أسبوعين من الآن، وقال إن ولي العهد السعودي يُعِد لاستضافة مستثمرين أجانب في مؤتمر ضخم أُطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء". وسيعرض محمد بن سلمان في هذا المؤتمر خطته لرؤية السعودية 2030 ويقدم للعالم رؤيته حول مستقبل المملكة العربية السعودية الحديثة ويُغري المستثمرين الدوليين لدعم خططه.
أثار اختفاء جمال خاشقجي الصحافي السعودي في المنفى قلق أصدقاء المملكة في وقت تعد المملكة فيه في حاجة ماسّة لهم.
يبدو أن مؤتمر محمد بن سلمان المُنظم خصيصاً لتسليط الضوء على التغير الذي حدث في السعودية أصبح أقل أهمية؛ إذ يخشى المستثمرون ورواد الأعمال، الذين أخذوا في الانسحاب، مما حدث في الأسبوع الماضي. فهل أساء محمد بن سلمان التقدير فيما يتعلق بمدى استعداد العالم لعزله؟
قال وزير خارجية بريطانيا جيريمي هنت إنّ الدول تتحالف في حالة واحدة وهي الاعتماد على قيم مشتركة. وهو ما يبدو أنه وجهة نظر معظم الدول الأوروبية.
يتمتع الأمير محمد بن سلمان بعلاقات قوية مع صهر ترمب وكبير مستشاريه كوشنر
لكن تحت ظل حكم الرئيس الأميركي دونالد ترمب حظي السعوديون بتقارب غير مسبوق في العلاقات مع الإدارة الأميركية. وعلى وجه الخصوص نجح محمد بن سلمان، وهو ابن الملك، في تكوين علاقة وطيدة مع صهر ترمب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر.
حتى الآن، ما زال انتقاد البيت الأبيض خافتاً، بسبب ترمب، رغم الضغوط الداخلية الحزبية القوية مما يدل دلالة واضحة أنَّ الصفقات التجارية ستستمر كالعادة، حتى أنه قال إنه سيمضي قُدُماً في صفقة الأسلحة الضخمة مع المملكة التي تُقدر بأكثر من 100 مليار دولار.
لكن هل ستكفي الصداقة مع أميركا لإنقاذ محمد بن سلمان من تهشّم صورته أمام الدول الأخرى؟
وما قضية خاشقجي إلا أحدث واقعة دفعت المراقبين الدوليين إلى التشكيك في اتزان ولي العهد، الذي لاقت صورته كمصلح في البداية استحساناً دولياً وأخفت وحشيته المتزايدة لبعض الوقت.
على سبيل المثال: كان هناك خلاف مع كندا وصل إلى حد أن استدعت السعودية كافة دبلوماسييها هناك.
بدأ الخلاف عندما انتقد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو السعودية بسبب إلقاء القبض على ناشطة في مجال حقوق المرأة، وهو أمر غريب في حد ذاته، لأنه أُثير بعد فترة وجيزة من التغير المفاجئ في توجه المملكة بإصدار رُخص قيادة للسيدات للمرة الأولى.
ومُنْذُ عَهْدٍ قَرِيب، رأى محمد بن سلمان أنه ينبغي احتجاز أفراد من أسرته الملكية بسبب تهم فساد. فاحتُجز مئات الأثرياء السعوديين في فندق ريتز كارلتون في العاصمة السعودية الرياض.
مما دفع أبرز رجال الأعمال في العالم لمواجهة محمد بن سلمان في منتدى دافوس الاقتصادي في مطلع العام التالي لتوجيه رسالة تخص الشؤون الداخلية مفادها أنَّ اعتقال رجال الأعمال البارزين لا يوفر بيئة يختار المستثمرون العمل فيها.
ما يهم الآن حقاً هو كيفية إدارة السعوديين لهذه الأزمة. هل سيتبعون نهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويستمرون في إنكار المزاعم بشكل قاطع، أم سيواجهون الأزمة ويحاولون حلها وتحمل مسؤولية ما تصفه تركيا بأنه قتل وحشي؟
والسبب الذي جعل بوتين ينجح في التملص من كل الجرائم المتهم بها رغم وجود الكثير من الأدلة المقنعة على جرائمه المزعومة المتعددة، هو عدم وجود دليل دامغ على أيّ منها.
ولا يوجد فيديو يصور عملاء المخابرات الروسية متلبسين بمادة "نوفيتشوك"، (أثناء قتل الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وابنته). ولا يوجد أي تسجيل صوتي له يؤكد أنه أمر بقرصنة الانتخابات الأميركية عام 2016.
لكن في ملف خاشقجي، الأزمة الحقيقية في الأدلة التي تمتلكها تركيا بخصوص عملية القتل
المشكلة التي تواجه السعودية هي زعم تركيا أنها تمتلك دليلاً من هذا القبيل، وأنها ستقدمه إلى حلفائها بكل سرور.
وفي حين أنّ ذلك لن يوقف الولايات المتحدة وبعض الشركاء الاستراتيجيين من التعامل مع السعودية على المستوى الدبلوماسي أو تمنع هذه الدول من بيع الأسلحة إلى السعودية، إلا أن هذا الحد من التسامح لن يمتد إلى شركات القطاع الخاص.
إن ولي العهد محمد بن سلمان يحتاج بشدة إلى استثمارات هذه الشركات إذا أراد تنفيذ مشروعه التطويري المتعلق برؤية 2030. فخطته للاقتراض بضمان الثروة الوطنية الهائلة للمملكة العربية السعودية لجعل اقتصادها منفتحاً والعبور بأمته إلى حداثة القرن الحادي والعشرين تبدو وكأنها تتلاشى أمام عينيه.
وهذا الأمر ربما يُغرق محمد بن سلمان. ففي حين أنه ولي العهد حالياً وفي طريقه لتولي الحكم فإنّ شؤون السياسة في السعودية يمكن أن تتخذ منحنى وحشياً.
هناك الكثير من أفراد العائلة المالكة في الرياض وليس من الصعب تصور أنّ أحدهم أو اثنين منهم تحدث إلى الملك سلمان سراً وأخبره أن ابنه خارج عن السيطرة.
وحسب التقاليد، يحكم الملك المملكة العربية السعودية. لكنه فعل ذلك بمساعدة الديوان الملكي وهو عبارة عن هيئة استشارية تتألف من كبار أفراد العائلة المالكة. وكان حكم المملكة في السابق بالجهود المشتركة.
دمر ولي العهد السعودي هذا التقليد بسجن أفراد العائلة المالكة والاستيلاء على أموالهم والإطاحة بنفوذهم ووضع كل ذلك بيد الموالين له.
وأفصح بعض الوزراء عن أمر استدعائهم في منتصف الليل وجعلهم يقرأون بيانات مطولة حول الأهداف التي يريد منهم تنفيذها.
لقد كوَّن انطباعاً أنه الرجل الذي يبذل قصارى جهده لإدارة الدولة بنفسه بسرعة فائقة بإصدار الأوامر فقط دون الاستماع لأي شخص. وعزل نفسه عندما كسر القواعد التي أبقت السعودية في وضع متزن لعدة عقود.
وختمت الشبكة تقريرها بالقول : إن تدمير صورته هو إحدى العواقب، أما تدمير صورة المملكة العربية السعودية قد تكون القَشة التي قصمت ظهر البعير. فلا يمكن الاستغناء عن أي فرد من أفراد العائلة الحاكمة. والسؤال الأهم الآن هو: هل يدرك محمد بن سلمان ذلك أم أنه غافل لدرجة أنه لم يعد يستطع السيطرة على غروره؟