قالت الكاتبة الأميركية سارة عزيزا إن قصة اختفاء الصحافي السعودي واحتمالية تعرّضه للقتل أثارت انتباه العالم بتفاصيلها المروعة الغامضة، حيث اختفى الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي اتسم بلطف كلماته لكن أيضاً بانتقاداته الحادة، بعد دخوله القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول. ما جعل المستقبل الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية موضع شك.
وتناول مقالها الذي نشرته صحيفة The Intercept الأميركية، كافة الروايات المنشورة حول مصير الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وقالت إنه قد نشأ العديد من النظريات حول حقيقة اختفائه، منها الفكرة المروعة التي تقول إن خاشقجي قد قُتِل، بل وربما عُذِّب وقُطِّعت جثته إرباً على يد الحكومة السعودية، في حين تصر الحكومة السعودية على إنكار هذه الاتهامات.
وإذا ثبتت صحة هذه المزاعم فإنَّ مصير خاشقجي قد يكون له تداعيات هائلة على سمعة وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي ما زال يسعى حتى الآن إلى إثبات كونه نموذجاً للتحديث والإصلاح.
حالة جمال خاشقجي ليست الأولى في استهداف المعارضة السعودية بالخارج
على الرغم من أن البعض يستبعد احتمالية أنَّ تعتزم الحكومة السعودية الأمر باغتيال أحد مواطنيها في الخارج، فإن حالة خاشقجي ليست الأولى، فلطالما سعت السلطات السعودية إلى فرض سيطرتها على شعبها خارج حدودها، وهي ممارسة زادت حدتها في السنوات الأخيرة.
رامي خوري، كبير زملاء السياسة العامة أستاذ الصحافة بالجامعة الأميركية في بيروت، قال: "حالة جمال خاشقجي، للأسف، ليست سوى غيضٍ من فيض. إذا ثبُت أنَّ الحكومة السعودية تقف وراء اختفائه فلن يكون ذلك سوى المثال الأكثر درامية في اتجاهٍ امتد لما لا يقل عن 30 إلى 40 عاماً، لكنَّه تصاعد في ظلِّ محمد بن سلمان".
ازدادت شدة حملة القمع إلى درجة أنَّ العديد من السعوديين الذين يعيشون في الخارج -حتى أولئك الذين ليسوا نشطاءً منفيين- يخشون إمكانية استهدافهم.
تركت قصة خاشقجي، وغيرها من الروايات المشابهة، المواطنين السعوديين يتساءلون عمَّا إذا كان هناك أيُّ مسافةٍ تكفي لحمايتهم من بطش حكومتهم.
قال أحد المواطنين السعوديين الذين يعيشون في منفى اختياري لموقع The Intercept الأميركي في يونيو/حزيران الماضي: "نحن نخشى باستمرار أنَّنا نتعرض للمراقبة. ومع أنَّ الكثيرين منا ليسوا ناشطين، ما زلنا قلقين من احتمالية أنَّ هناك شيئاً نقوله، أو نفعله، أو ننشره عبر الإنترنت، يمكن أنَّ يُعرِّض عائلاتنا للخطر في وطنهم".
ولقد لجأت الرياض لمجموعة من التكتيكات في التعامل مع المعارضين في الخارج
حيث تبدأ الحكومة السعودية بمحاولة إقناع المعارضين في المنفى بوقف انتقاداتهم، أو تطلب عودتهم إلى المملكة لحل المشكلة على الأراضي السعودية. وإذا فشلت هذه الجهود، ربما تنتقل الحكومة حينها إلى نهجٍ أكثر قسراً.
أبلغ النشطاء السعوديون في الخارج عن تلقيهم مكالمات هاتفية من سفاراتهم وقنصلياتهم المحلية تطلب منهم الحضور لأسباب غير محددة.
وقال ناشطٌ سعودي يعيش حالياً في الولايات المتحدة، لموقع The Intercept، قبل عدة أسابيع من اختفاء خاشقجي: "لا يقبل أيٌّ منا في الواقع حضور تلك الاجتماعات. نحن نعرف أنَّه يمكن لأي شيء أن يحدث بداخلها".
استمرت محاولات الحكومة السعودية لإسكات النشطاء المنفيين وغيرهم في الخارج لعقود. أحد أهم الأمثلة المبكرة على ذلك هي الحالة الغامضة لناصر السعيد، الناشط السياسي الذي كان أحد أوائل رموز المعارضة ضد العائلة المالكة في الخمسينيات.
في عام 1979، أشاد السعيد بمجموعةٍ إسلامية مُتطرِّفة اقتحمت الكعبة واستولت عليها. ثم في وقتٍ لاحق من العام نفسه اختفى السعيد أثناء وجوده في لبنان، ويُعتَقَد في أنحاء من مختلفة من العالم أنَّ المملكة السعودية هي السبب في اختفائه.
ومنذ ذلك الحين، استمرت الحكومة في ممارسة سيطرتها على الأصوات المعارضة خارج حدودها، بما في ذلك تلك الموجودة بين صفوف العائلة المالكة. منذ عام 2015، اختفى ثلاثة أمراء في الخارج بعد إعلانهم تبني وجهات نظر تنتقد الحكومة السعودية.
وفي مارس/آذار 2017، أُلقي القبض على الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان، لجين الهذلول، في الإمارات حيث كانت تدرس للحصول على درجة الماجستير. أُجبِرَت على ركوب طائرة خاصة، وعادت إلى المملكة السعودية، وسُجِنَت لفترةٍ وجيزة، ثم خضعت لحظرٍ من السفر (رُحِّل زوجها فهد البطيري كذلك من الأردن ونُقِلَ جواً إلى المملكة). وفي وقتٍ لاحق، في مايو/أيار 2018، اعتقل الأمن السعودي لجين مرة أخرى من منزلها في إطار حملة قمع أوسع نطاقاً ضد النشطاء، ولم يُسمَع عنها منذ ذلك الحين.
ويرغب الأمير محمد بن سلمان من ذلك وقف أي انتقادات تطال سياسات حكمه للمملكة
تعكس جرأة وتوسُّع حملات قمع الحكومة السعودية الأخيرة على مواطنيها في الخارج رغبة محمد بن سلمان القوية في السيطرة على جميع الروايات التي تتناول طريقة حكمه، أياً كان شكلها.
أنفق ولي العهد الملايين ليصدر صورة المصلح، صاحب الرؤية، الهادف إلى ازدهار المملكة والنهوض بها، لكنَّ حكمه غلب عليه نهج استبدادي متزايد، في الداخل والخارج. وقد أدى هذا التحول إلى زيادة عدد طالبي اللجوء السعوديين في الدول الغربية، إضافة إلى آلاف آخرين سعوا، مثل خاشقجي، إلى اتخاذ بلد آخر موطناً لهم بوسائل أخرى.
رامي خوري، كبير زملاء السياسة العامة أستاذ الصحافة في الجامعة الأميركية في بيروت، يؤكد أنَّ التكتيكات الوحشية التي يتبعها ابن سلمان، والتي أكدتها الآن قضية خاشقجي الغامضة، تسببت في نوبة من الفزع بين الشتات السعودي، الأمر الذي قد يكون له تداعيات خطيرة على المنطقة.
ويضيف خوري: "وصل الأمر إلى درجة أنَّ العديد من الناس العاديين -غير الناشطين وغير الصحافيين- يشعرون بالخوف من استخدام عقولهم للتحدث عن آراءٍ من أي نوع. هناك شعور عام بأنَّ الحكومة لن تتسامح مع أي شيء سوى الدعاية المباشرة المؤيدة للحكومة".
كشفت سارة عزيزي عن اتصال بينها وبين خاشقجي قائلة: "حدثني خاشقجي، الصحافي المختفي وسط موجة الغضب الحالية في وقت سابق من هذا الصيف، وكان يعيش آنذاك في منطقة واشنطن العاصمة (غادر المملكة السعودية في عام 2017 رداً على القمع الحكومي المتصاعد للصحافة)، إذ قال: "في ظل حكم محمد بن سلمان، هناك استبداد متزايد، ويزداد الأمر سوءاً مع الوقت. إنَّه يسعى إلى سحق المعارضة قبل أن تبدأ حتى، وإلى إسكات الناس وحبسهم؛ أناس طيبون ومحترمون، لمجرد أنَّه يظن أنَّهم ربما يعارضونه يوماً ما. كنا نشهد بأنفسنا كيف يمكن لأي شيء أن يتحول إلى مسألة ولاء عند محمد بن سلمان. لم أستطع تحمّل كل هذا".
وتابع خاشقجي قائلاً: "كانت الحكومة ترسل رسالة مفادها أنَّك إن لم تكن في صفنا فأنت ضدنا. محمد بن سلمان يريد أن يستأثر بالحكم لنفسه".
وفي أول تصريح رسمي بشأن عملية قتل جمال خاشقجي نفى وزير الداخلية السعودي عبدالعزيز بن سعود بن نايف آل سعود وجود أوامر بقتل خاشقجي، ووصف ما يقال بأنه أكاذيب ومزاعم لا أساس لها من الصحة.
وأضاف في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء السعودية واس، فجر السبت 13 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أن بلاده حريصة على تبيان الحقيقة كاملة في موضوع اختفاء خاشقجي، كما قال إن بلاده حريصة على مواطنيها في الداخل والخارج.
وعبَّر الوزير السعودي عن "شجب المملكة واستنكارها لما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من اتهامات زائفة وتهجم على المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، على خلفية قضية اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي".
ونوّه بالتعاون بين السعودية وتركيا من خلال لجنة التحقيق المشتركة وغيرها من القنوات الرسمية، وشدَّد على "دور وسائل الإعلام في نقل الحقائق، وعدم التأثير على مسارات التحقيق والإجراءات العدلية.
ويأتي بيان وزير الداخلية السعودي -على ما يبدو- تعليقاً على تقارير أوردتها الصحافة الأميركية، بأن الاستخبارات الأميركية اعترضت مراسلات تشير إلى أن ولي العهد أمر باستدراج خاشقجي.