قال توماس فريدمان الكاتب الصحفي الأميركي إن اختطاف جمال خاشقجي أو قتله على يدِ عملاءٍ للحكومة السعودية، ستكون "كارثةً بالنسبة إلى محمد بن سلمان ومأساة للمملكة السعودية و دول الخليج العربي" .
وأضاف الكاتب الأميركي الشهير في تقرير نشره الاثنين 8 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بصحيفة The New York Times الأميركية، أن كلُّ بلدٍ يحتاج إلى منتقديه البنَّائين. وأوضح أن الدواء الذي يُقدِّمونه كَرِيهٌ بالنسبة لمعظم القادة، لكنَّه غالباً ما يجعلهم أكثر صحة في نهاية المطاف. ويجب أن يصلي محمد بن سلمان من أجله أيضاً.
لماذا لم أندهش لخبر اختطاف جمال خاشقجي ؟
في 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، كتبت توماس فريدمان عموداً في صحيفة The New York Times الأميركية، عن وليّ العهد السعودي الجديد محمد بن سلمان. انتهى المقال على النحو التالي: "كما قال لي صحافي سعودي مخضرم عن محمد بن سلمان: هذا الرجل أنقذ المملكة العربية السعودية من الموت البطيء، لكنَّه يحتاج إلى توسيع قاعدته. من الجيد أنَّه يُحرِّر بيت آل سعود من نفوذ رجال الدين، لكنَّه أيضاً لا يسمح بأيِّ رأي ثانٍ لقراراته السياسية والاقتصادية".
ويقول فريدمان: "لا أعتقد أنَّ الصحافي السعودي، الذي كان صديقاً أيضاً، سَيُمانع إذا كشفتُ عن هويته الآن. كان اسمه جمال خاشقجي".
يقول الصحافي الأميركي: "أنا صُدِمت -لكن لم أندهش– عند التقاط الصحيفة وقراءة أنَّ المملكة السعودية مُتَّهمةٌ بخطف أو قتل جمال خاشقجي أثناء زيارته للقنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على بعض الأوراق المطلوبة للزواج". ما زلنا بحاجةٍ لأن نرى أدلةً دامغة على صحة هذه المزاعم. آمل حقاً ألا يكونوا فعلوا ذلك. لكن الشبهات تحوم حول السعودية بشدة، والأمر يتناسب مع اتجاه حكومي سعودي يزداد سوءاً.
وإذا اختُطِفَ جمال أو قُتِل على يدِ عملاءٍ للحكومة السعودية، ستكون كارثةً بالنسبة لمحمد بن سلمان ومأساة للمملكة السعودية وجميع دول الخليج العربي.
سيكون انتهاكاً غير مفهوم إطلاقاً لمعايير اللياقة الإنسانية، بل وأسوأ حتى من حرب اليمن، ليس من حيث الأرقام لكن من حيث المبدأ. ماذا سيريد زعيمٌ غربي، وكم عدد المستثمرين الغربيين، ليقف إلى جانب محمد بن سلمان إذا ثَبُت أنَّ حكومته اختطفت أو قتلت جمال خاشقجي؟ (وستظهر الحقيقة).
الرجل كان يحب بلاده ويريد أن يراها تنجح
جاء جمال خاشقجي إلى مكتبي قبل بضعة أيام لإجراء حديث طويل حول المملكة السعودية ومحمد بن سلمان. آرائي حول السعودية كانت خاصةً بي، لكن جمال كان له تأثيرٌ كبيرٌ عليها. كان خاشقجي داخل الحكومة. لقد فهم أنَّ الكَمال لم يكن قط موجوداً على القائمة هناك، كان عليك العمل مع ما لديك. كان يحب بلاده ويريد أن يراها تنجح، واعتَقَد أنَّ ولي العهد يستطيع تحريك الأمور الراكدة ويُنفِّذ الإصلاحات الجذرية اللازمة، لكنَّه كان يعتقد أيضاً أنَّ محمد بن سلمان يحتاج إلى الكثير من التدريب لأنَّ لديه جانباً مظلماً وكان معزولاً للغاية داخل دائرة حاكمة صغيرة.
مع مرور السنة، أدرك جمال خاشقجي أنَّ الجانب المظلم لمحمد بن سلمان كان حبُّ السيطرة الكاملة. عندما تحدَّثنا آخر مرة في أغسطس/آب -بفضل فرصة لقاء في شارعي 17 و K بواشنطن- أخبرني بأنَّه سيتزوج من امرأةٍ تركية ولم يتمكَّن من العودة إلى السعودية في الوقت الحالي، وأنَّني يجب أنَّ أدق جرس الإنذار بشأن حملات القمع القاسية التي يشنُّها محمد بن سلمان بشكلٍ متزايد واعتقاله للمنتقدين -من مختلف التيارات السياسية، اليسار واليمين والوسط- في المملكة السعودية.
كما أن محمد بن سلمان الوحيد في عائلته الذي كان سيبدأ في تنفيذ الإصلاحات
في 4 سبتمبر/أيلول، كتب فريدمان عموداً واصل فيه التمسُّك بوجهة نظره حول السعودية ومحمد بن سلمان، تلك التي كان يعرضها على مدى العام الماضي.
قال توماس فريدمان في المقال: "ليس لديّ شكٌّ كبير في أنَّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان كان الوحيد في عائلته الذي كان سيبدأ في تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية والدينية والاقتصادية الضرورية التي تجرَّأ على القيام بها دفعة واحدة.
وأنَّه الوحيد أيضاً في تلك العائلة الذي سَيُقدِم على مبادرات السياسة الخارجية المتنمِّرة وتغييرات السلطة المحلية، والانشغال بعمليات الشراء الشخصية المفرطة التي تجرأ على القيام بها دفعة واحدة.
هذان هما شطرا شخصية محمد بن سلمان نفسها. وبحسب ما ذكرت، إنَّ مهمتنا هي المساعدة في الحدِّ من دوافعه السيئة وتغذية جهوده الطيبة. لكن دونالد ترمب -الذي لا يزال ليس لديه سفيرٌ في المملكة السعودية- غير مدرك لكل هذا".
الديمقراطية لم تكن موجودة على جدول أعمال ولي العهد -لم يكن يحاول إنشاء الدنمارك- لكن تلك الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، والأهم، الدينية كانت موجودة. كانت الأخيرة بالنسبة لي هي الأهم، لكن هذا اعتمد على أول خطوتين للأمام.
بالنظر إلى الدور المُدمِّر الهائل الذي لعبته المملكة السعودية في العالم العربي الإسلامي عندما بدأت في فترة ما بعد عام 1979 في نشر نسختها المتشددة للإسلام -التي ساعدت في غرس بذور أحداث 11 سبتمبر/أيلول- وفكرة أنَّ المملكة قد يكون لها قائدٌ اليوم يبدأ في تحويل نسخة الإسلام السني السعودي إلى مسار أكثر انفتاحاً وشمولاً، قائد يستطيع عزل الإسلاميين الأصوليين وتعزيز المعتدلين في كلِّ مكان، كانت مصلحة أميركية حيوية.
كان عليها أن تبدأ في المملكة السعودية، موطن مكة والمدينة.
لكنه بدأ بخطوات غير مدروسة كانت "تضر بالجميع"
وأضاف توماس فريدمان أنه على الرغم من ذلك، كان من الواضح أنَّ ابن سلمان قد نفَّذ في الأشهر الأخيرة سلسلةً من الخطوات غير المدروسة التي كانت تضر به وبالسعودية وبنا.
شرح توماس فريدمان أنَّ محمد بن سلمان كان لديه بعض المستشارين المتشددين الذين كانوا يحثّونه على اتباع "النموذج الصيني". إذ أخبره هؤلاء المستشارون بما حدث عندما ثبَّتَت الصين وجودها في بحر الصين الجنوبي: بعد أن استولت على عدة جزر هناك.
اشتكى العالم، لكن عندما ردت الصين بـ"اغربوا عن وجهي"، تراجع المجتمع الدولي. لذا، عندما انتقدت كندا انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية بطريقةٍ معتدلة، اتَّبع محمد بن سلمان نهج الصين، فاستجاب بطريقةٍ عاصفة وقطع العلاقات فعلياً.
وأشرتُ حينها إلى أنَّ ذلك كان ردَّ فعلٍ سخيفاً مُبالَغاً فيه. السعودية ليست الصين. إنَّها تحتاج إلى أصدقاء. يجب أن تتبع نهج دبي أكثر من شنغهاي، قوة أنعم وأقل تنمُّراً.
وأضاف توماس فريدمان أنَّه أياً كانت النية الحسنة التي يملكها محمد بن سلمان لتمكين النساء من قيادة السيارات في بداية شهر يونيو/حزيران، فإنها قد قوِّضَت جراء اعتقاله ناشطات يقدن السيارات بتهمة الارتباط ببعض الجماعات المناهضة للسعودية في لندن.
وتساءلت جدياً: "هل السعودية مُهدَّدة حقاً من جانب ناشطاتٍ يقدن السيارة؟". كذلك فسدت الحرب السعودية-الإماراتية في اليمن بشكل سيئ للغاية لدرجة أنَّ السعوديين متَّهمين بارتكاب جرائم حرب مُحتَمَلَة، رغم أنَّ إيران والحوثيين قد ساهموا أيضاً بقوةٍ في تدمير اليمن.
خاصة أن استقرار الملكية في السعودية والخليج يعتمد على نجاح عملية الإصلاح
يعتمد الاستقرار المستقبلي للمملكة السعودية ومنطقة الخليج العربي برمتها على نجاح عملية الإصلاح في السعودية، التي لا يمكن أن تنجح دون استثماراتٍ أجنبية وسعودية كبيرة لخلق قطاع خاص أكثر حيوية وتنوُّعاً يستطيع توفير فرص عمل لائقة لجميع الشباب السعودي والرجال والنساء، الذين يتخرَّجون في الجامعات بالداخل والخارج.
لا يزال محمد بن سلمان يتمتَّع بشعبيةٍ بين الكثيرين منهم، لكن إذا لم يستطيعوا العثور على وظائف، سيجد المُتطرِّفون الدينيون في السعودية العديد من المُجنَّدين فيهم.
لكن أصبح المستثمرون السعوديون والأجانب يشعرون بالقلق
هم رأوا على مدى الأشهر الستة الأخيرة بشكلٍ خاص -كما لاحظتُ- نمطاً متزايداً لمحمد بن سلمان، بناءً على نصيحة المُتشدِّدين حوله، لتغليب قضايا "أمنية" على الحاجة لجذب المستثمرين والمواهب والوزراء المستعدين لأخذ فرص وإخباره بالحقيقة. كان المال يتدفَّق إلى خارج المملكة ليس إلى داخلها.
قد تكون كل إجراءات ولي العهد -أنا استخلصت- "مُبررة بشكل فردي، لكن بجمعها معاً تشير إلى أنَّه فقد حبكة إدارة الأحداث، فهو يخلق حالة من عدم اليقين أكثر من الاحترام".
لا يفهم الرئيس ترمب وفريقه أنَّ "الولايات المتحدة لا تستطيع التعاقد من الباطن في عملية صنع الأوامر في الشرق الأوسط مع إسرائيل وروسيا والسعودية ومنحهم تفويضاً كاملاً.
يحتاج قادتهم حقاً أن نرسم لهم خطوط حمراء أيضاً، حتى يتمكَّنوا من أن يقولوا للمُتهوِّرين والمُتطرِّفين في بلادهم: مهلاً، نحن معكم، لكن الأميركيين لن يسمحوا لنا بالقيام بذلك".
بالنسبة إلى توماس فريدمان فإن هذه النقطة حول "النموذج الصيني" سُرِّبَت لي خلال الصيف من أشخاصٍ مُقرَّبين من وليّ العهد السعودي، الذين أصبحوا قلقين بشكل متزايد.
ولهذا يرى توماس فريدمان أن على بن سلمان الصلاة من أجل خاشقجي
أولئك الأميركيون الذين كانوا مستعدين لرؤية إيجابيات وسلبيات مبادرات محمد بن سلمان -وأرادوا بإخلاص نجاح إصلاحاته لأن نتائجها الإيجابية، إذا تحقَّقت، ستكون لها أهميةٌ استراتيجية كبيرة لمستقبل العالم العربي الإسلامي بأسره- سيخلصون إلى أنَّ السلبيات طغت على الإيجابيات وأنَّ هذا النظام السعودي أصبح يُشكِّل تهديداً للتحوُّل المطلوب في المملكة وليس مُحرِّكاً له.
لذلك أنا أصلّي من أجل جمال خاشقجي. كلُّ بلدٍ يحتاج إلى منتقديه البنَّائين. إنَّ الدواء الذي يُقدِّمونه كَرِيهٌ بالنسبة لمعظم القادة، لكنَّه غالباً ما يجعلهم أكثر صحة في نهاية المطاف. ويجب أن يصلي محمد بن سلمان من أجله أيضاً.