سامي، أو ساجدة، أو مبروك، وأيضاً فوزان، ليست أسماء لشخصيات عربية، وإنما هي ألقاب خيول عربية بربرية كانت هدايا للرؤساء الفرنسيين من رؤساء عرب وأجانب، إثر زيارات رسمية أدوها إلى هذه البلدان الأجنبية. وتعد هذه الهدايا النبيلة ذات طابع فريد من نوعه، وتتميز برمزيتها.
وقد قضت معظم هذه الخيول حياتها بمربط بومبادور الرسمي في كوريز الفرنسية، يوضح تقرير لصحيفة La montagne الفرنسية.
خيول عربية بربرية هدية عبد العزيز بوتفليقة لفرانسوا هولاند
يظهر الحصان "سامي" بزي رمادي مرقَّط، ونظرة حادة، وقوام مثالي، يرافقه مدير مربط الخيول، أوليفييه ليغوا، خلال خروجه من إسطبلات التدريب إلى وسط قلعة بومبادور.
وقد أُهدي هذا الحصان البربري، البالغ من العمر 8 أعوام، إلى فرانسوا هولاند إثر زيارته الأولى للجزائر في ديسمبر/كانون الأول من عام 2012. لكن، لم تكن هدية عبد العزيز بوتفليقة، أحد رؤساء العرب الذي تعود على تقديم هدايا للرؤساء الفرنسيين ، مقتصرة على حصان واحد؛ بل تمثلت في زوج من الأحصنة.
وأشار ليغوا إلى أن "(ساجدة) هي فرس بربرية وصلت إلى بومبادور بعد عدة أسابيع من وصول الحصان (سامي) إلى هذا المكان. وقد نشأت هذه الفرس هدية الجزائر للرؤساء الفرنسيين رفقة فروس المربط في منطقة شينياك التي لا تبعد كثيراً عن بومبادور.
وقد جاء هذان الحصانان من مربط تيارت، الواقع غرب الجزائر. ويحمل الحصان (سامي) خصالاً جينية عالية". وخلال عام 2016، تزاوج الحصان "سامي" والفرس "ساجدة" ليُولَد مهر صغير مُنح اسم "جيمي بومبادور"؛ وهو الاسم الذي يطلقه "فرانسوا هولاند على المرابط الوطنية الفرنسية".
على الرغم من أن الرئيس الفرنسي السابق لم يكن من محبي الخيول، وهو الأمر الذي أكده بنفسه، فإنه كان على وعي بالخصال الجينية التي يتميز بها الحصان سامي. لهذا السبب، قبِل هولاند أن تُمنح 10 خيول في العام إلى الجمعية الوطنية للخيول البربرية، التي تهتم بتربية الخيول في فرنسا.
وبشأن الحصان "سامي"، يقول هولاند مازحاً: "أتذكر جيداً تلك الزيارة للجزائر. لقد كانت المرة الأولى لي كرئيس للجمهورية الفرنسية. وعندما زرت بومبادور التي تحتضن خيول عربية بربرية ، قمت بمعاينة الحصان، وتأكدت من أنه تتم معاملته بشكل جيد؛ الأمر الذي لم ينطبق على جميع الحيوانات التي أُهديت لي. لقد تلقيت في السابق هدية في مالي تمثلت بجَمل، َلم يكن مصيره مثل مصير الحصان".
ويقال إن الجمل انتهى به المطاف في أطباق عائلة ماليَّة.
وقبله خيل عربي-بربري أهداه الرئيس الجزائري لجاك شيراك
يجاور الحصان "سامي" حصان آخر مرموق، وهو "مبروك"؛ من بين خيول عربية بربرية الذي أهداه الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، إلى الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك. وأشار ليغوا إلى أن "الحصان (مبروك) يبلغ من العمر 23 عاماً اليوم. وعلى الرغم من كبر سنّه، فإنه ما زال بصحة جيدة؛ إذ إنه يواظب على التنزه كل يوم. في المقابل، لم يسهم هذا الحصان في تكاثر فصيلته".
عادة ما تتمثل وجهة غالبية الخيول المهداة إلى الرؤساء الفرنسيين في المرابط الوطنية الفرنسية، وتبقى بخدمة الدولة مدى حياتها. وتُمنح هذه الخيول إلى المعاهد الفرنسية للأحصنة، وتكون من مرافقي الرئيس. وبالنسبة لفرانسوا هولاند وجاك شيراك، أصيلي مدينة كوريز، يعد النهوض بمرابط بومبادور أمراً لا مفر منه.
وحتى إن الرئيس الأرجنتيني ذا الأصول العربية لم يخالف التقاليد
نفق حصانان من فصيلة كريولو، اشتهرا بممارستهما لعبة البولو، سبق أن أهداهما الرئيس الأرجنتيني، كارلوس منعم، إلى جاك شيراك، لأسباب طبيعية عام 2016، بعد أن قضيا حياتهما في مربط بومبادور. وأفاد ليغوا بأن "(منعم) قد أدّى زيارة لجاك شيراك حين كان هذا الفرنسي يشغل منصب رئيس بلدية باريس. كما أهداه مهمازين من الفضة، قائلاً له: "حين تصبح رئيساً سأهديك الخيول"، وقد وفَّى "منعم" بوعده حقاً.
حصل شيراك على فحل (ذكر حصان لم يتم إخصاؤه) آخر كهدية. وأورد ليغوا أنه "أُطلق على هذا الحصان اسم سوسكا. وتم استغلاله من أجل إخصاب إناث خيول هذا المربط. وفي الحقيقة، كان هذا الدور مضنياً، ذلك أنه يتطلب التعرف على الإناث الجاهزات للتزاوج".
"فوزان".. هدية الرئيس المصري أنور السادات لجيسكار ديستان
قضى "فوزان"، الحصان العربي الأصيل الذي أهداه الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى الرئيس فاليري جيسكار ديستان، هو الآخر حياته في بومبادور. وما زالت صورة هذا الحيوان و"بطاقة هويته" المكتوبة باللغة العربية تَظهران على السرج الشرفي. وتطرق ليغوا إلى أن "(فوزان) أسهم بشكل كبير في تطوير تربية الخيول بفرنسا، فضلاً عن فصائلها". في ذلك الوقت، كان هذا المربط يَعِدُّ نحو مئات الفحول الموزعة على محطات عديدة لركوب الخيل.
دبلوماسية الجياد هدايا للرؤساء الفرنسيين ليست حكرا على الرؤساء العرب
وفقاً لجان بول بانكراشيو، أستاذ القانون ومؤلف قاموس Dictionnaire de la diplomatie، تعتمد البلدان على دبلوماسية الجياد هدايا للرؤساء الفرنسيين من أجل إبراز مدى جودة تربيتها للخيول. وأفاد بانكراشيو بأنه "حين أهدى إيمانويل ماكرون حصاناً تابعاً للحرس الجمهوري للرئيس شي جين بينغ، كان ينوي توجيه رسالة اقتصادية له، تتمثل في تشجيع الصينيين على المجيء لشراء أحصنة إنكليزية لم تتعد عمر العامين، من فرنسا.
ويُعد الحصان هدية مذهلة ونبيلة جداً، كما أنها غير مكلفة. ولطالما شكّل هذا الحيوان هدية تتبادلها الدول منذ قرون. وعُرف حكام المشرق بإهداء الكثير من الأحصنة، خلافاً لنظرائهم من الأوروبيين على سبيل المثال، الذين اعتادوا تقديم صور بورتريه كهدية".
في عام 2014، في أثناء زيارة رسمية لباريس، اصطُحب الرئيس الصيني من ليزانفاليد إلى الإليزيه بواسطة 104 فرسان من الحرس الجمهوري. حينها، انبهر شي جين بينغ بهذه المهارات.
وما زال إيمانويل ماكرون، الذي لم يتولَّ رئاسة فرنسا في ذلك الوقت بعد، يتذكر هذا الأمر جيداً.
وفي شهر يناير/كانون الثاني 2018، وخلال زيارته بكين، أهدى ماكرون إلى نظيره الصيني جواداً يُدعى فيزوف دو بريكا (يبلغ من العمر 9 أعوام)، كان ينتمي منذ عام 2012 إلى الحرس الجمهوري.
حين يُقدِّم رئيس إحدى الدول حصاناً إلى رئيس آخر، يمنحه أيضاً طقم الحصان الذي يتناسب معه.
وفي هذا الصدد، يقول جان بول بانكراشيو إن "ذلك يُعد طريقة لإظهار حرفية البلد الذي يمنح هذه الهدية. وبالنسبة لفرنسا، يعكس هذا الأمر مدى جودة صناعات الجلد في هذا المجال".
لكن.. ما قصة قضية حصان ميتران "جند جيم"؟
في شهر مايو/أيار 1993، أهدى رئيس تركمانستان حصان "جند جيم"، وهو فحل من فصيلة أخال تيكي، إلى الرئيس فرانسوا ميتران. وبعد 6 أشهر من وصوله إلى البلاد الفرنسية، اختفى هذا الفحل. وقد أجرى المؤرخ جان-لويس غورو أبحاثاً للعثور عليه، لكن دون جدوى.
في وقت لاحق، تصدَّر هذا الموضوع عناوين الصحف. كما توصل المؤرخون في نتائج أبحاثهم إلى أن وجهة هذا الحصان كانت إسطبلات كليربوا، في منطقة رامبويي (إيفلين). ويتلقى الحصان تدريباً على يد كريس دوبوا، وألكسندر غرو أيضاً، المدرب الشخصي لمازارين ميتران بينجو؛ المولعة بالفروسية. وكانت "قضية حصان ميتران" سبباً رئيسياً في اكتشاف الصحافة الحياة الثانية للرئيس ميتران.