سافر مرشد دريدي، من البلدة التي يسكن بها –أولاد أيعيش- بولاية البليدة 70 كلم جنوب العاصمة إلى مدينة الجزائر، عله يتمكن من مقابلة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أثناء الزيارة التي تقوم بها إلى البلاد في 17 سبتمبر/أيلول 2017، ليشكو إليها قضيته التي شغلت الرأي العام في الجزائر وألمانيا نهاية السنة الماضية.
لكن آمال الشاب الجزائري تبددت حينما رأى أن الحالة بشارع موريس أودان، وليس بعيداً عن البريد المركزي بالعاصمة، لم تكن توحي تماماً بنزول المستشارة إلى الشارع ولقائها المواطنين، فالشارع كما قال دريدي لعربي بوست "كان مفعماً بالحركة اليومية ومن دون حواجز أمنية ولا حديدية، عكس ما كان في زيارة الرئيسين الفرنسي والتركي".
وقتها تأكد مرشد دريدي بأنه لن يتمكن من بلوغ هدفه في إيصال انشغاله للمستشارة الألمانية، وبالتالي استمرار حلقات إبعاده عن زوجته الألمانية، بداعي الهجرة غير الشرعية، وشكوك الانتماء لداعش.
وتكللت زيارة المستشارة الألمانية إلى الجزائر، بنجاحها في ملف المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين في ألمانيا، وذلك بالاتفاق مع السلطات المحلية على إعادة الآلاف منهم ممن لم تقبل طلبات لجوئهم.
انتهت قصة الحب بالترحيل
في الثالث من سبتمبر/أيلول 2017، يجلس دريدي مرشد رفقة زوجته الألمانية جوليانا بولينا، بعدما دخلت الإسلام ولبست الحجاب، وتزوجا بقراءة فاتحة القرآن بأحد مساجد هامبورغ، يجلسان بإحدى الحدائق يتأملان المناظر الطبيعية الجميلة ويتبادلان الغزل.
لم يدم الغزل سوى لحظات قليلة، كما يحكي مرشد لـ"عربي بوست"، قبل أن يقترب منهما شرطيان، ويطلبا الهوية والوثائق من الشاب الذي لم يكن يتوفر عليها باعتباره مقيماً في المدينة منذ سنة بطريقة غير شرعية.
مرشد دريد كان قد دخل ألمانيا بداية عام 2015، قادماً إليها من إسبانيا حيث يعمل والده كتاجر، قاصداً بيت شقيقه الأكبر، باعتباره يعيش بطريقة قانونية في ألمانيا منذ 2010، ليتعلم اللغة الألمانية ويعمل بمطاعم هامبورغ.
تغيرت حياة الشاب بعد تعرفه على جوليانا، من أم مسيحية وأب بلا دين، وارتقى حبهما إلى درجة اعتناق الشابة البالغة من العمر 16 الديانة الإسلامية، ولبست الحجاب، وقبلت الزواج في المسجد رغم رفض الوالدين، فإمام مسجد المدينة كما قال دريدي "اعتبر نفسه ولي جوليانا بعد سماعه للقصة الكاملة".
قصة الحب انتهت بعثور الشرطيين على جواز سفر مرشد داخل حافظة جوليانا، ليقتاد إلى السجن بتهمة الهجرة غير الشرعية، حيث قضى شهراً كاملاً قبل ترحيله إلى الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2017.
لم تيئس ولحقت به حتى الجزائر
بعد ترحيله أصبح تطبيق "واتساب" الملاذ الوحيد للتواصل بين مرشد مع جوليانا، وكلاهما يلعنان إجراءات الحكومة الألمانية في معاقبة المهاجرين غير الشرعيين والهاربين من واقع بلدانهم الاقتصادي والاجتماعي الصعب.
قررت جوليانا استغلال فرصة أعياد الميلاد في يناير 2018، لدخول المغرب وزيارة صديقة لها هناك، ليلتحق بها مرشد ويقضيا قرابة 20 يوماً في بيت تم استئجاره.
بعدها كان لزاماً على الشاب العودة إلى الجزائر لظروف عائلية، وكانت جوليانا متحمسة لمرافقته إلى بلده والعيش هناك، لكنه أخبرها أن السفر صعب، خاصة بعدما تداول الإعلام الألماني خبر اختفائها، بتبليغ رسمي من والدها.
جوليانا لم تستسلم، وواصلت البحث عن طريقة لدخول الجزائر، وبالفعل تمكنت بمساعدة صديقتها المغربية، والتي أوصلتها إلى مدينة وجدة الحدودية مع الجزائر، ومن ثم ساعدتها عائلة جزائرية أن تعبر الحدود البرية بطرق سرية مقابل أموال.
وصلت الفتاة الألمانية إلى مدينة وهران الجزائرية في 11 يناير/كانون الثاني 2018، وتنقلت إلى البليدة على متن القطار، ومن ثم إلى بيت مرشد بأولاد أيعيش على متن سيارة أجرة. الأسرة ورغم أنها كانت ضد زواج ابنهم بتلك الطريقة كما قال مرشد، إلا أنها استقبلت الفتاة، واحتوتها بكل حب، بل ونظمت حفلاً بسيطاً كإعلان رسمي لزواجهما.
داعش تدخل على الخط
قصد والد مرشد محكمة أولاد أيعيش بالبليدة، لمعرفة الطرق القانونية لتسوية وضعية الفتاة، ليتم إخباره بأنه ملزم بتبليغ سفارة ألمانيا في الجزائر بالموضوع، وهناك كانت المفاجأة.
فالإعلام الألماني كما قال دريدي روج على أن الفتاة جوليانا بولينا، هربت من ألمانيا بعد دخولها الإسلام عن طريق شاب جزائري، وهي الآن متوجهة نحو سوريا للالتحاق بتنظيم "داعش".
ويضيف "هذه كلها كانت تلفيقات، فجوليانا أصلاً أحبت الإسلام عن قناعة، ولا تملك أية ميول إلى مثل تلك التنظيمات، بل وتكرهها لتشددها".
والدا جوليانا رفقة شرطة هامبورغ، لم يصدقا خبر العثور على الفتاة، إلا بعد اتصال هاتفي عن طريق الواتساب، الذي أظهر الفتاة بصحة جيدة، ومن ثم تم ترحيلها إلى ألمانيا، عن طريق التمثيل الدبلوماسي الألماني بالجزائر.
وكان الإعلام المحلي في الجزائر، قد تطرق الى نهاية قصة مرشد وجوليانا وترحيلها إلى بلدها عن طريق السفارة الألمانية في الجزائر.
"والدها من بلغ عني واختلق قصة داعش"
الترحيل من ألمانيا كما يراه دريدي مرشد صاحب الـ19 ربيعاً، كان بإيعاز من والد جوليانا، الذي يرفض فكرة ارتباط ابنته، بأي شاب عربي مسلم.
ويقول دريدي في هذا الشأن "والد بولينا كما صرحت مراراً وتكراراً، يكره كل اللاجئين في ألمانيا، خاصة من العرب والمسلمين، لأنه يرى في الإسلام دين الإرهاب والقتل والتفجيرات".
ويصر مرشد، بأن والد جوليانا هو من أبلغ عنه لدى شرطة هامبورغ، وهو من افتعل قصة داعش للإعلام الألماني من أجل تشويه الإسلام والمسلمين، والتأثير على ملف المهاجرين واللاجئين في ألمانيا.
مشيراً إلى أن العنصرية ستكون سبباً في ترحيل الآلاف من العرب والمسلمين بما فيهم الجزائريون من ألمانيا.
مرشد دريدي كان ينوي اعتراض طريق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لو برمجت جولة بشوارع العاصمة، وذلك من أجل تبرئة نفسه وزوجته، والمطالبة بإنصافهما.
فالسعي كما قال دريدي "لم يكن من أجل وثائق الزوجة، أو الاستقرار في ألمانيا كما يروج إليه البعض، لأنني وزوجتي مستعدان للاستقرار في الجزائر بشكل نهائي، فقط تتم تسوية وضع جوليانا القانوني لدخول الجزائر".
كما أنني يضيف "كنت أود أن تعلم بعنصرية البعض من شعبها، الذي يكره كل عربي ومسلم، وأن تهمة فرار جوليانا والتحاقها بداعش، ما كان إلا لتشويه اللاجئين، وتلطيخ الإسلام".
وأمام كل ذلك يردف "أردت أن تعلم بأن الديمقراطية في بلدها باتت هشة، وأن ملف الهجرة واللاجئين، جاء ليزيد من كراهية شعبها للمسلمين والعرب، وتزيد من غطرسة العنصريين وحقدهم".
5000 جزائري سيلقون مصير مرشد
ومنذ وصول نحو مليون شخص من الساعين للجوء إلى ألمانيا عام 2015 تسعى حكومة ميركل إلى إيجاد سبل للإسراع بترحيل من رفضت السلطات طلبات لجوئهم.
ولدى سؤالها عن مسألة ترحيل الجزائريين المقيمين في ألمانيا بطريقة غير شرعية قالت ميركل "تحدثنا عن كيفية جعل ترحيل من لا يحق لهم البقاء (في ألمانيا) أكثر فاعلية".
وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن عدد الجزائريين الذين رفضت السلطات طلبات لجوئهم ورحلتهم بلغ 504 أشخاص خلال عام 2017 مقابل 57 فحسب في 2015.
ويقول الإعلامي الجزائري ياسين بودهان لعربي بوست، "إن عدد اللاجئين الجزائريين المقيمين في ألمانيا بطريقة غير شرعية، قد يتجاوز 5 آلاف شخص، وكلهم معنيون بالترحيل وفق الاتفاق الجزائري الألماني".
وصعوبات تعترض ترحيلهم
يؤكد الإعلامي الجزائري ياسين بودهان، بأن قضية الترحيل التي تكلمت عنها ميركل في زيارتها الأخيرة، ستفشل كما فشلت قبلها عدة اتفاقيات، فمن جملة آلاف المهاجرين لم تتمكن ألمانيا من ترحيل سوى بعض الأفراد المرفوضة ملفات لجوئهم.
ويضيف أن الاتفاق الألماني الجزائري بترحيل المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين من ألمانيا ليس الأول حيث تجمع بين البلدين عدة اتفاقيات سابقة آخرها كانت خلال زيارة رئيس الوزراء الجزائري الأسبق عبد المالك سلال لألمانيا في يناير 2016.
لكن هذه الاتفاقات لم تنفذ على أرض الواقع سوى بترحيل البعض القليل، ومرت بفتور قبل أن تتجدد مع تزايد الضغوطات على الحكومة الألمانية بخصوص ملف المهاجرين، وقتها عاد الحديث عن ترحيل الجزائريين مع تصنيف بلادهم كبلد آمن لا يحتاج أبناؤه للجوء.
الاتفاق يصطدم بمجموعة من العراقيل أولها ضرورة تحديد هوية من يتم ترحيلهم خاصة وأن الحكومة الجزائرية وضعت هذا الأمر كشرط لإعادة هؤلاء إلى موطنهم".
لكن بالنظر إلى الواقع فمن الصعب تحديد هوية هؤلاء خاصة وأن الكثير منهم يلجأ إلى إتلاف وثائق هويته بمجرد وصوله لألمانيا بهدف عدم التعرف عليه، وهو ما أكده كذلك المرحل من ألمانيا مرشد دريدي، والذي قال "بأنه لولا جواز سفري الذي كان مخفياً بحافظة زوجتي لما اكتشفوا هويتي".
وأضاف "أغلب الأصدقاء الجزائريين في ألمانيا لا يملكون وثائق، فهم وفي أول خطوة لهم هناك، يقومون بإتلاف وحرق وثائقهم، حتى لا تتمكن السلطات الألمانية من إرجاعهم إلى بلدانهم".
وكان أحمد أويحيى الوزير الأول الجزائري، قد وضع تحديد الهوية كشرط أول لتكملة اتفاق ترحيل الجزائريين المقيمين بطريقة غير شرعية في ألمانيا.
وحتى المنظمات الإنسانية والحقوقية ستتحرك
ملف ترحيل الجزائريين من ألمانيا، لن يمر مرور الكرام بالنسبة للمنظمات الإنسانية والحقوقية، خاصة الفارين من الجزائر لأسباب سياسية.
فالمنظمات الدولية حسب بودهان "تبدي تخوفات كبيرة بشأن إمكانية تعرض هؤلاء السياسيين لمتابعات قضائية وملاحقات أمنية بمجرد عودتهم للجزائر، الأمر الذي قد يثير ردود فعل حقوقية واسعة سواء في ألمانيا أو الجزائر".
ويعتبر بعض الحقوقيين أن ما تقوم به برلين يعد امتداداً لسياسة التهجير القسري الذي يحدث في عدد من الدول الأوروبية ضد الجزائريين والمهاجرين على وجه العموم.
فألمانيا من الدول الأوروبية التي تحتوي عدداً لا بأس به من الجزائريين، الذين دخلوا إليها بسبب تهديدات، ومتابعات وتضييقات، وهي الفئة التي ستعكر صفو الاتفاق الجزائري الألماني.
كما أن حديث ألمانيا المتكرر حول الشبكات الإرهابية، وتورط جزائريين فيها، إضافة إلى نسب بعض صور الفوضى والإجرام لجزائريين مقيمين في البلد، سيجعل الاتفاق شبه هش بين البلدين أو كما قال ياسين بودهان.
وحذرت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، من الإجراءات التي تتبعها الحكومة الألمانية في ترحيل المهاجرين الجزائريين، وطالبت من الحكومة الجزائرية الوقوف ضد الترحيل غير الإنساني.
ويؤكد هواري قدور رئيس الرابطة في حديث لعربي بوست "المحادثات الأخيرة بين الحكومة الجزائرية والألمانية، تعني إعطاء الضوء الأخضر رسمياً للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتهجير القسري لأزيد من 5000 شخص من طالبي اللجوء الجزائريين في ألمانيا".
الممارسة الحالية التي تتبعها وزارة الداخلية الألمانية من خلال احتجاز طالبي اللجوء في مراكز الاحتجاز بغرض الترحيل السريع للرعايا الجزائريين في نظر هواري "سياسة غير قانونية ومنافية للحق الدستوري الألماني، وتتناقض مع سياسة الأذرع المفتوحة وحسن الجوار".
ويضيف "ما تقوم به ميركل وحزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي تجاه الجزائريين من تهجير قسري على أساس الجنسية بهدف إخلاء أراض ألمانية من أي جزائري أو مغربي، نعتبره نوعاً من أنواع العقاب ومنافياً لحقوق الإنسان.
وعن إدراج برلين للجزائر ضمن قائمة "الدول الآمنة" فذلك في نظر هواري يأتي "حتى تكتمل عملية تهجير قسري بعد الموافقة التي قدمها السيد عبد المالك سلال، في برلين، في يوم 12 يناير/كانون الثاني 2016، وجدده أحمد أويحيى في 17 سبتمبر/أيلول 2018".