بدأت إيران حملة دبلوماسية ضد دول أوروبية وعربية تقول إنَّها تدعم أو تؤوي أشخاصاً لهم صلة بالهجوم الذي استهدف الحرس الثوري الإيراني والذي خلَّف 25 قتيلاً، وفي الوقت ذاته فإن هناك مؤشرات تفيد بأن خصوم نظام الملالي يريدون إثارة عرب إيران ضمن خطة أكبر تضمن بما يوصف إشعال المقاومة الداخلية في إيران، حسب تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأميركية.
وأعلنت حركة النضال العربي لتحرير الأهواز، وهي جماعة انفصالية عربية لها صلات بالمملكة العربية السعودية، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع يوم السبت 22 سبتمبر/أيلول 2018، والذي نفذه أربعة مسلحين على عرضٍ عسكري في مدينة الأهواز جنوب غربيّ إيران.
اللافت أن وكالة أعماق التابعة لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أعلنت أيضاً مسؤولية التنظيم المتشدد عن الهجوم. وقالت الوكالة إن مقاتلين من الدولة الإسلامية نفذوا الهجوم في مدينة الأهواز. ولم يقدم التنظيم دليلاً على ذلك.
وقال مسؤولون إيرانيون إنَّ أطفالاً وصحفيين كانوا من بين القتلى، إلى جانب ثمانية من أعضاء وحدة النخبة في قوات الحرس الثوري الإسلامي.
الإيرانيون وجهوا أصابع الاتهام للسعودية ولكل هذه الدول
ويُحمِّل المسؤولون الإيرانيون السعودية مسؤولية تدريب وتمويل المجموعة الانفصالية. ولم يعلِّق المسؤولون السعوديون على الهجوم، ولم يردّوا على الأسئلة التي تطالبهم بالتعليق، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.
وفي وقتٍ متأخر من يوم السبت، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية سفيري الدنمارك وهولندا، حيث تقول إنَّ أشخاصاً على صلة بالمهاجمين اتخذوا من الدولتين مقراً لهم. واستدعت إيران كذلك القائم بالأعمال البريطاني، وهي الدولة التي منها بثت محطة تلفزيونية يُمولها مستثمرون سعوديون بياناً ألقته حركة النضال العربي لتحرير الأهواز عقب الهجوم.
هي إذن جبهة جديدة في الصراع السعودي الإماراتي الإيراني
وأفادت وسائل الإعلام الرسمية باستدعاء إيران كذلك للقائم بالأعمال لدولة الإمارات العربية المتحدة بسبب تعليقات أدلى بها مسؤول إماراتي لم يُكشَف عن اسمه، دون ذكر تفاصيل.
وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة حليفاً رئيسياً للسعودية، التي ليس لديها ممثلون دبلوماسيون في إيران، وكلتاهما تحاربان المتمردين المدعومين من إيران في اليمن.
وأظهرت الضجة الدبلوماسية كيف أثار الهجوم نقطة اضطراب جديدة بين إيران والمملكة العربية السعودية المتورطتين في صراعٍ قوة دموي، وإن لم يكن في صراع مباشر. وتشعر الرياض بالقلق من التدخلات العسكرية والسياسية المتزايدة لطهران في المنطقة.
وقد يؤدي هجوم يوم السبت وردة فعل إيران تجاهه إلى زيادة تدهور علاقات طهران مع واشنطن، التي تضرَّرت بشدة بعدما سحب الرئيس دونالد ترمب مشاركة الولايات المتحدة في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي الذي اشتركت فيه قوى عالمية. ومنذ ذلك الحين، رفض القادة الإيرانيون عروضاً من ترمب للاجتماع معه، بما في ذلك أثناء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستنعقد هذا الأسبوع.
واتهمت إيران الولايات المتحدة بالتواطؤ في الهجوم. وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم الأحد 23 سبتمبر/أيلول، قبل أن يغادر متجهاً إلى اجتماع الأمم المتحدة، إنَّ الولايات المتحدة "لا تريد لإيران أن تنعم بالأمن، بل تريد إثارة الفوضى وتريد خلق الظروف اللازمة لعودة (أميركا) إلى البلاد يوماً ما وتسيُّد الناس كما حدث في الماضي".
لكن اللافت هو الموقف العربي وخاصة الإماراتيين
غير أنه لم تخرج إدانات كثيرة للهجوم في العالم العربي، حيث تشكّل السعودية والإمارات جبهة لصد النفوذ الإيراني في المنطقة، حسب وصف التقرير.
واعتبر بعض المعلقين الإماراتيين بأنَّ الهجوم لم يكن عملاً إرهابياً لأنَّه استهدف عسكريين.
فقد قال عبد الخالق عبد الله، المحلل الإماراتي البارز الموالي للحكومة، في تغريدةٍ له على حسابه بتويتر: "نقل المعركة إلى العمق الإيراني خيار معلن، وسيزداد خلال المرحلة القادمة".
وردّ وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أمس الأحد 23 سبتمبر/أيلول 2018 على اتهامات إيرانية بتورط الإمارات في هجوم الأهواز، نافياً أي علاقة لبلاده بالحادثة التي هزّت إيران.
واتهم قرقاش إيران بـ"التحريض" ضد بلاده، وبحسب قرقاش فإن "موقف الإمارات التاريخي ضد الإرهاب والعنف واضح واتهامات طهران لا أساس لها".
التحريض الرسمي ضد الإمارات في الداخل الإيراني مؤسف ويتصاعد عقب هجوم الأهواز في محاولة للتنفيس المحلي، موقف الإمارات التاريخي ضد الإرهاب والعنف واضح وإتهامات طهران لا أساس لها.
— د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) September 23, 2018
وهذا التصريح المهم لولي العهد السعودي قبل عام
وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، صرَّح في مقابلة تلفزيونية العام الماضي، في معرض حديثه عن الحرب ضد إيران، قائلاً: "سنعمل جاهدين على نقل المعركة إليهم، داخل إيران، وليس في السعودية".
ولدى الانفصاليين من عرب إيران علاقات معلنة مع السعودية.
وتُظهِر صورٌ نُشِرَت على الشبكات الاجتماعية المتحدث باسمهم، يعقوب التُستَري، وهو يصافح الملك السعودي سلمان أثناء أداء مناسك الحج في عام 2016 بالقرب من مكة، إلى جانب دعوة رسمية مزعومة لأداء فريضة الحج، وفقاً لما ورد في تقرير الصحيفة الأميركية.
ويقول راسموس كريستيان إلينغ، الأستاذ المساعد بجامعة كوبنهاغن الدنماركية ومؤلف كتاب عن الأقليات في إيران: "إنَّهم ينتمون إلى جانب لا يُخفي علاقاته بالسعودية داخل الحركة الانفصالية العربية".
قبل الحادث وبعده يحتج عرب إيران أصلاً على أوضاعهم
ومحافظة خوزستان ( التي يصر النشطاء العرب على أن تسميتها العربية هي الأهواز) هي معقل عرب إيران، وعاصمتها مدينة الأحواز أو الأهواز، ولديها تاريخ طويل من الحركات الانفصالية المناهضة للدولة. وقد اندلعت احتجاجات هذا العام في الأهواز بسبب شح المياه.
وتقع المحافظة بالقرب من الحدود العراقية الطويلة التي يسهل اختراقها، ما يجعلها طريقاً رئيسياً للمهربين ومصدر قلق أمني للسلطات الإيرانية.
كما اندلعت في السنوات الأخيرة اشتباكات بين الانفصاليين والجيش الإيراني، وهاجم الانفصاليون منشآت نفطية.
وينظر النظام الإيراني إلى مجموعات الأقليات بما فيهم عرب إيران باعتبارهم مثيرين محتملين للاضطرابات الداخلية وحلفاء محتملين للقوى الأجنبية التي تحاول الإطاحة بالقيادة في طهران.
على الرغم من أن الغالبية العظمى من أهل الأهواز تحديداً ( المعقل الاهم بالنسبة إلى عرب إيران) هم من الشيعة، يقول البعض إنهم كانوا يتعاطفون مع المتمردين من السنة الذين يقاتلون الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران.
ويمثل عرب إيران نحو 10 % من سكان البلاد وفقاً لبعض التقديرات، ويتركز أغلبهم في منطق الأهواز المتاخمة للعراق.
ويشير المؤرخ الإيراني أحمد كسروي إلى الوجود القديم لـ"عرب إيران" في حيث يتحدث عن أن قبائل بكر بن وائل وبني حنظلة وبني العم، كانت تسيطر على الإقليم قبل مجيء الإسلام.
ويمثل نفط الأهواز شريان الحياة الأساسي والأهم لإيران؛ إذ يصدر الإقليم قرابة 80% من نفط إيران وغازها الطبيعي. وأدى اكتشاف النفط إلى تنافس القوى للسيطرة على المنطقة التي يتركز فيها عرب إيران بعد تفكك الدولة العثمانية.
وقد دعم الأهوازيون الثورة الإيرانية عام 1979م ضد نظام الشاه، ونجحوا في تعطيل كامل الإنتاج النفطي، وإرباك الاقتصاد، وشل حركة البلاد، وكان الشيخ الخاقاني؛ القائد الروحي للأهواز في هذه الفترة، على اتصال بقائد الثورة الخميني قبل مجيئه إلى إيران.