نشر الأرشيف الإسرائيلي، الإثنين 17 سبتمبر/أيلول 2018، مع قرب حلول الذكرى الـ45 من حرب أكتوبر ، محتويات برقية سرية للمرة الأولى، مفادها أن تسيفي زامير، رئيس الموساد إبان الحرب، كان قد اقترح أن يُسرَب لوسائل الإعلام تحذير تلقاه من مسؤولٍ كبيرٍ في الجانب المصري يشي له بنيَّة القاهرة الهجوم على إسرائيل.
وحسب ما نقلته صحيفة Haaretz الإسرائيلية، فقد كان رئيس الموساد زامير أرسل البرقية إلى رئيسة الوزراء آنذاك، غولدا مائير، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، يوم اندلاع الحرب. وتضمنت البرقية تحذيراً صريحاً من أنَّ كلاً من مصر وسوريا على وشك شن هجومٍ مشتركٍ على إسرائيل "قُبيل المساء".
لقاءات رئيس الموساد مع صهر عبد الناصر قبيل حرب أكتوبر
ولخصت البرقية لقاءات زامير، في اليوم السابق مباشرةً بلندن، والتي جمعته بأشرف مروان، الذي نقل له فيها تلك التحذيرات. كان أشرف مروان مقرباً من الرئيس المصري آنذاك محمد أنور السادات، وصهراً لسلفه الرئيس المصري جمال عبد الناصر.
وقد ختم رئيس الموساد برقيته قائلاً: "وفقاً للمصدر، يمكننا إحباط الهجوم بنشر خبرٍ عنه في الإذاعة والصحافة، وهو ما سيُثبت لمصر، والقيادات العسكرية فيها، أنّ إسرائيل على علمٍ بنيّة الهجوم، ومستعدةٌ له… واقترح رئيس الموساد أن يتم النشر من خلال وكالات أنباء في إسرائيل… إذ سيكون لهذا تأثيرٌ في مصر، وفقاً للمصدر".
فقد كان يبحث عن مَخرج من "موقف يائس"
ويرى البروفيسور يوري بار جوزيف، من جامعة حيفا، وصاحب كتاب "The Angel: The Egyptian Spy Who Saved Israel"، أنّه لم تكن هناك أي أهميةٍ للنقاش النظري حول نشر التحذير من عدمه. ويقول: "اعتقادي أنّ زامير، ولأسبابٍ عدةٍ، كان يبحث عن مَخرجٍ من موقفٍ يائسٍ وصعبٍ أُخذنا فيه على حين غرّةٍ. لكن على أرض الواقع، لا أعتقد أنه كان يمكن التعويل على تلك الحركة.. ربما كان ساعدنا أن تنشر إسرائيل خبراً سلفاً، لكنني أجد من الصعب اعتقاد أن تقريراً يُنشر على BBC قد يجعل مصر وسوريا تعدلان جوهرياً عن قرار خوض الحرب".
لكن ما الذي تضمنته البرقية التي بعث بها؟
لقد غيَّرت البرقية، المكونة من 5 صفحاتٍ، تقييم المخابرات للموقف بالكامل. فحتى تلك اللحظة، كان جيش الدفاع الإسرائيلي يعتقد أن هناك "احتمالاً ضئيلاً" لبدء حرب أكتوبر . ولكن بعد الاطلاع على البرقية، بات الجيش على يقين بأنّ حرب أكتوبر ستندلع، وهو ما حدث بالفعل في اليوم التالي. لقد نقل فريدي عيني، مدير مكتب الموساد، البرقية إلى إسرائيل ليور، المستشار العسكري لغولدا مائير، والذي عرضها عليها قُبيل ساعاتٍ من بدء الهجمات.
وقد حوت الصفحة الأولى من البرقية ملحوظةً مكتوبةً بخط اليد، يقول فيها عيني لليور: "إسرائيل ستُخضع المادة للمعالجة، وتوزع للجميع في غضون دقائق. فريدي".
وتحوي الصفحة الثانية ملحوظةً أخرى من مستشار مائير، يقول فيها: "أرجو الانتباه إلى أنّ (المادة) تشير بوضوح إلى المصدر؛ لذا يُرجى الاحتراس".
وكتب رئيس الموساد في النقطة الـ14 من الصفحات التالية للوثيقة: "يقدِّر المصدر أن هناك فرصة بنسبة 99%، لبدء الهجوم في السادس من أكتوبر/تشرين الأول، وترك نسبة 1% لاحتمال أن يغيِّر الرئيس رأيه في آخر لحظة. ووفقاً للمصدر، يظن السادات أنَّ بإمكانه أنّ يفاجئنا. ويعتقد المصدر أنَّ الرئيس قد ذهب إلى أبعد مدى هذه المرة فيما يتعلق بالحرب".
فهو كان يعلم أن مجرد عقد اللقاء "نذير حرب أكتوبر "
وأخبر رئيس الموساد عشية مغادرته لحضور اجتماع مع المصدر في لندن، رئيس المخابرات العسكرية، إيلي زعيرا، بأنَّ عقد الاجتماع يعني في حد ذاته نذير حرب أكتوبر حتى قبل أن يعرف ما سيخبره به المصدر.
ونقلت لجنة أجرانات التي تولت التحقيق في تقصير الجيش في أثناء حرب أكتوبر عن زامير قوله: "هاتفت زعيرا يوم الخميس في الثانية صباحاً، وقلت له إنّني تلقيت معلومات من فريدي هاتفياً بأنّ المصدر يريد أن يقابلني بخصوص (الإشكال)، وهو الرمز الذي كنَّا نستخدمه للحديث عن الحرب".
"هاتفني فريدي، تحدثت إليه وأنا نائم. ذكّرني بأنّ طلب الاجتماع يعد إنذاراً بنشوب حرب أكتوبر ".
وبعد الاجتماع في لندن، أجرى رئيس الموساد عازير مكالمة هاتفية حملت إنذاراً بنشوب الحرب إلى مكتبه باستخدام شيفرة محدَّدة مسبقاً. ثم أرسل أيضاً برقية وصلت إلى زعماء إسرائيل قبل ساعات قليلة من اندلاع الحرب.