السؤال الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الصراع الاستخباراتي المصري الإسرائيلي هو: هل كان أشرف مروان عميلاً مصرياً أم إسرائيلياً؟
عاد هذا السؤال للسطح مؤخراً بعدما صدر فيلم "الملاك" المقتبس عن الكتاب الصادر بنفس الاسم، الذي كتبه الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية حالياً، يوري بار جوزيف، ويعد الكتاب أهم وأشمل ما صدر في مسألة أشرف مروان بشكل عام، ومن جهة الرواية الإسرائيلية بشكل خاص، حيث أنه يعتمد على المئات من وثائق الموساد وشهادات ضباطه وقادة إسرائيل إبان حرب أكتوبر، وكذلك اللقاءات التلفزيونية والحوارات الصحافية لشخصيات مصرية وإسرائيلية.
لا نسعى في هذا التقرير لإثبات صدق أو كذب الرواية الإسرائيلية، حيث أن هذا الإثبات يلزمه توفر الرواية المصرية في المقابل والمقارنة الموضوعية بين الروايتين، بينما لا يتوفر لنا من الرواية المصرية إلا تصريحات مقتضبة للرئيس الأسبق حسني مبارك وبعض رموز النظام عن أن مروان كان وطنياً مخلصاً، وجزءاً من خطة الخداع لإسرائيل.
لكننا سنتتبع في هذا التقرير الأخطاء التاريخية التي وقع فيها فيلم "الملاك"، بمقارنته بالرواية الإسرائيلية نفسها والكتاب الذي صدر بنفس الاسم وتم اقتباس الفيلم منه، لنوضح كيف كان الفيلم بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها.
في نهاية الأمر، لك أن تعلم أنه حتى قادة إسرائيل نفسها ليسوا متفقين حول الرواية الإسرائيلية، وكذلك قادة مصر ليسوا متفقين حول الرواية المصرية، ففي إسرائيل يقسم اللواء إيلي زعيرا، الذي كان رئيساً للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إبان حرب أكتوبر، بأن أشرف مروان كان أكبر خدعة مصرية لإسرائيل، وفي مصر يجزم اللواء محمد رشاد، الذي كان وكيلاً للمخابرات العامة وتولى ملف الشؤون الإسرائيلية مدة 11 عاماً، أن مروان كان عميلاً إسرائيلياً تماماً، وربما لم يعلم أحدٌ بحقيقة مروان إلا مروان نفسه، ربما تلاعب الرجل بالدولتين وسعى لاستغلال مكانته لدى كل منهما وسط الصراع الدائر بينهما لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية وحسب.
متى بدأ عمل مروان مع الإسرائيليين؟
يبدو في فيلم الملاك أن قرار أشرف مروان الاتصالَ بالسفارة الإسرائيلية كان قراراً انفعالياً لحظياً لم يدرسه قبل اتخاذه، وهو ما يتعارض مع طبيعة شخصية مروان الحذرة، وخطورة المهمة التي كان بصددها، إذ إنه وفقاً للفيلم قرر فجأة أثناء جلوسه على أحد مقاهي لندن، بينما يجتر غضبه من رجال سامي شرف الذين يرصدون تحركاته لعبدالناصر، حينما لمح كابينة هاتف حمراء، أن يدخلها ويتناول دليل الهاتف ليستخرج رقم السفارة الإسرائيلية ويجري الاتصال.
كما أن بداية الأحداث في الفيلم تعرضت لتأجيل زمني، ففي الكتاب تجد أن مروان بعد محاولة الاتصال الفاشلة في منتصف 1970، أجرى محاولته الناجحة وبدأ العمل مع الإسرائيليين في نهاية نفس العام، وذلك قبل حوالي 6 أشهر من ثورة التصحيح في مصر التي انقلب فيها السادات على رجال عبدالناصر في النظام ووضعهم في السجن، بمن فيهم سامي شرف.
في الفيلم يظهر مروان بعد فشل الاتصال الأول وقد تناسى مسألة الإسرائيليين تماماً حتى فاجأوه هم بمعاودة الاتصال به قبيل منتصف العام اللاحق، بعد أحداث ثورة التصحيح، وقد يبدو هذا الفارق الزمني غير مؤثر، إلا أن الفيلم بدا وكأنه يسعى من خلال تأجيل الأحداث لسد ثغرة منطقية يثيرها سؤال: "كيف نجح أشرف مروان في الاجتماع مع الإسرائيليين وهو تحت رقابة رجال سامي شرف؟"، فحتى بعد وفاة عبدالناصر ظل شرف ممسكاً بخيوط شبكة المعلومات الضخمة التي تصب في مكتب الرئاسة، والذي كان شرف يتولى إدارته حتى أطاحت به ثورة التصحيح، بل إن الفيلم يروي أن مروان ظل تحت أعين رجال سامي شرف وكانت أخباره تصل للأخير، بما في ذلك لقاؤه بالإسرائيليين، بينما كان الرجل في زنزانته.
ويكتسب هذا التأجيل الزمني دلالة أهم، حينما نقارنه بالنسخة الأولى من الرواية الإسرائيلية حول أشرف مروان، التي ذكرت أن مروان تواصل مع الإسرائيليين بشكل ناجح عام 1969، حيث زار بنفسه سفارتهم في لندن، ورغم أن كتاب "الملاك" استند إلى مصادر أكثر رسمية ووثائق أعلى مصداقية، ما يجعل موقفه أقوى حينما نحاول تفسير التضارب في الروايات، لكن لا يمكن إغفال أيضاً أن النسخة الأولى واجهت سيلاً من أسئلة "كيف نجح مروان في زيارة السفارة الإسرائيلية بينما كان عبد الناصر يفرض رقابة شديدة على كل تحركاته في لندن؟ فضلاً عن مراقبة المخابرات لأي سفارة إسرائيلية في أوروبا!"، ليكون سد تلك الثغرة تفسيراً محتملاً للتأجيل الزمني وتعديل وسيلة الاتصال إلى الهاتف بدلاً من زيارة السفارة في الرواية الثانية، وذلك قبل تأجيل الأحداث مرة ثانية في الفيلم، وبافتراض صحة هذا الاحتمال نلاحظ أيضاً أن الرواية الإسرائيلية في النسخ الثلاث حرصت على بدء اتصال مروان بالإسرائيليين قبل وفاة عبد الناصر وذلك لإثبات فرضيتين؛ أن أشرف مروان لم يكن جزءاً من خداع السادات لإسرائيل، وأن سوء معاملة عبد الناصر له كانت دافعاً رئيسياً لاتصاله بالموساد، ومع الوقت حاولت الرواية الإسرائيلية سد ثغرات بدء الأحداث في عهد عبد الناصر.
كيف تم إحباط عملية "أيلول الأسود"؟
وفقاً لما يرويه الكتاب، فقد اتفق النظام المصري مع النظام الليبي على التعاون لإسقاط طائرة ركاب إسرائيلية، رداً على إسقاط الإسرائيليين لطائرة ركاب ليبية دخلت بالخطأ إلى المجال الجوي لسيناء الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، وسيتولى تنفيذ العملية فدائيون فلسطينيون من حركة "أيلول الأسود"، وكان ذلك قبل حرب أكتوبر بشهرٍ واحد فقط.
يذكر الكتاب بعض الملابسات التي أحاطت بهذه العملية، والتي لم تخل من المنطق، فقد استجاب السادات رغماً عنه لمطالب القذافي بتنفيذ هذه العملية بعد إصرار من الأخير، وبعد محاولة منه للانتقام دون علم السادات إلا أن المعلومة وصلته وأحبط المحاولة، وكذلك بعد مظاهرات الليبيين أمام السفارة المصرية لمطالبة النظام المصري بالرد، وكان دافع السادات في رفض هذا الانتقام -وفقاً للكتاب أيضاً- هو خشيته من اشتعال حرب عربية إسرائيلية جديدة تفسد عليه الهجوم المفاجئ الذي يستعد لشنه على إسرائيل.
أبلغ مروان الإسرائيليين بهذه العملية، في نفس الوقت الذي كان يتولى فيه التنسيق مع الليبيين ممثلاً عن النظام المصري، كما أنه تولى توصيل الصواريخ بنفسه للفدائيين الفلسطينيين، وتم إحباط العملية بما يتفق مع رغبة السادات لكن دون علمه، ولذلك فرغم ارتياح السادات لفشل العملية إلا أن علاقته بمروان تأثرت لفشله في المهمة كما يشير الكتاب.
عرض الفيلم رواية مختلفة تماماً للعملية، فالسادات لم يوافق على إسقاط الطائرة، ليس خوفاً من إشعال حرب تفقده عامل المفاجأة، وإنما "حتى لا يكتب اسمه على صاروخ يقتل مدنيين أبرياء"، في محاولة غير واقعية لتلميع السادات كرجل سلام، وفي النهاية أقنعه مروان بالموافقة، على أن يتولى هو بالتنسيق مع المخابرات الإيطالية إفشال العملية، لم يتوقف السادات في الفيلم أمام تصريح مروان عن علاقته بالمخابرات الإيطالية، وإنما منحه الموافقة، وأصبح إفشال العملية هنا قرار السادات دون أي تدخل إسرائيلي، وعند تنفيذ العملية أعطى مروان للفلسطينيين أسلحة فاسدة فشلوا في استخدامها حتى داهمتهم الشرطة الإيطالية في موقع العملية وأردتهم قتلى.
تبرز هنا اختلافات أخرى بين رواية الفيلم والكتاب، ففي الواقع داهمت الشرطة الإيطالية الشقة التي أقام بها الفلسطينيون -بناءً على بلاغ من الموساد الذي حصل على المعلومة من مروان- لتعتقلهم وتصادر الأسلحة، قبل أن تفرج عنهم وتسمح لهم بمغادرة البلاد خوفاً من رد فعل منظمة "أيلول الأسود".
الاختلاف الأخير في هذه الحادثة بين الفيلم والرواية، هو أن عدد ركاب الطائرة في الفيلم كانوا 120 بينما يذكر الكتاب أنهم كانوا 400، ولا يبدو أن هذه النقطة ذات أهمية إلا أن يكون الفيلم يحاول التقليل من حجم الخسارة التي أنقذ مروان الإسرائيليين منها.
المبالغة في دور أشرف مروان في مصر
يحاول الفيلم أن يجعل الدور الذي اضطلع به مروان في النظام المصري أكبر من دوره الحقيقي، وكأن كونه مديراً لمكتب رئيس الجمهورية ومبعوثه الخاص للدول العربية ليس مهماً بما يكفي لتفتخر به الرواية الإسرائيلية، لكن الحقيقة أن الأدوار الإضافية التي منحها الفيلم لمروان منحت -عن غير قصد- مصداقية للرواية المصرية، أو أشارت ببساطة إلى أن أشرف مروان كان يتلاعب بالإسرائيليين.
ففي الفيلم يظهر لنا أن مروان هو الذي اقترح يوم المعركة في السادس من أكتوبر، ما يعني بديهياً أنه كان على علمٍ بموعد المعركة قبلها بوقت كافٍ لإبلاغ الإسرائيليين، وعلى الرغم من ذلك فهو يبلغ الموساد بموعد المعركة فقط يوم الخامس من أكتوبر، ويؤكد لهم أنه لم يعلم به إلا في الرابع من أكتوبر.
في الفيلم وفي الكتاب أيضاً، أبلغ مروان الإسرائيليين بأكثر من موعد للحرب قبل موعدها الحقيقي؛ لأن السادات كان يقرر ذلك ثم يغيّر رأيه، وفي إحدى المرات أدى هذا التحذير لأن تحشد إسرائيل جيشها على الضفة وتستدعي قوات الاحتياط استعداداً للهجوم المصري، ما أدى لتصعيد التوتر على ضفتي قناة السويس، قبل أن يتبين للإسرائيليين خطأ المعلومة التي حصلوا عليها، هذا الخطأ الكارثي الذي كلف إسرائيل ملايين الدولارات هزّ ثقتهم بمروان ودعاهم للشك في إخلاصه لهم، كل ذلك محل اتفاق بين الفيلم والكتاب، إلا أن الفيلم يضيف قبيل نهايته مشهداً لمروان وهو يقترح على السادات أن يخدع الإسرائيليين بإجراء ألعاب حرب على ضفة القناة أكثر من مرة، حتى يظن الإسرائيليون أن الجيش المصري سيهجم، ثم يدركون هذا الخطأ، ومع تكرار الخدعة، لن يفطن الإسرائيليون حين يستعد المصريون للهجوم الحقيقي.
الزعم بأن مروان كان صاحب خطة ألعاب الحرب والاستعداد الوهمي للهجوم، بعد القول بأنه كان يبلغ الإسرائيليين بالمواعيد المزيفة ظناً منه أن المصريين سيهجمون بالفعل، بدلاً من إخبارهم بأن المصريين لا يمارسون إلا ألعاباً مخادعة، يخبرنا شيئاً واحداً، كان مروان يخدع الإسرائيليين بادعاء أنه يعتقد أن المصريين سيهجمون بالفعل، ليسهم ذلك في إرباكهم عند اللحظة الحاسمة.
واحد من الأدوار الإضافية التي منحها الفيلم لمروان عن غير استحقاق، هو أنه يجعل مروان الذي يقترح على السادات أن يهزم إسرائيل هزيمة جزئية وليست كلية "فنحن لا نريد تدمير إسرائيل"، وذلك حتى يجبرهم على الدخول في مفاوضات، والواقع أن تغيير الخطة المصرية من اجتياح سيناء كلياً إلى اجتياحها جزئياً كان بناءً على خطة الفريق سعد الدين الشاذلي، وكان ذلك بهدف ألا تخرج القوات من مظلة مضادات الطيران المصرية، ولم يكن الهدف هو "عدم تدمير إسرائيل".
لماذا إذاً أخبر مروان الإسرائيليين بالموعد الحقيقي في نهاية الأمر؟
إذا كان مروان قد خدع الإسرائيليين، فلماذا أبلغهم في نهاية الأمر بالموعد الحقيقي للحرب؟
حسناً، لا نجزم هنا بأن مروان خدع الإسرائيليين بالفعل، ولكن دعنا نتطرق لإحدى الشخصيات التي تجاهلها الفيلم تماماً، والذي كان واحداً من أهم الأشخاص في قصة أشرف مروان، وهو اللواء إيلي زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إبان حرب أكتوبر، وهو أهم المخالفين للرواية الإسرائيلية الرسمية والمدافعين عن فكرة أن مروان كان عميلاً مصرياً خدع إسرائيل.
كان زعيرا يعتقد أن مروان أبلغ الإسرائيليين بالموعد الحقيقي حتى يحافظ على مصداقيته لديهم، لكنه اختار أيضاً أن يفعل ذلك قبيل المعركة بوقت قصير، وتحديداً ليلة الهجوم، حتى لا يكون لدى الإسرائيليين وقت كافٍ لدراسة صحة الإنذار هذه المرة والاستعداد له.
وكان مروان قد اتفق مع الإسرائيليين أنه حين يهاتفهم للتحذير من الحرب سيشير إليها بوصفها "مواد كيميائية"، وحينما تكون الحرب وشيكة سيستخدم كلمة "بوتاسيوم"، وفي الفيلم يتصل مروان بمشرفه الإسرائيلي ليحذره من "شحنة بوتاسيوم"، ويركز الفيلم على استخدام مروان لهذا اللفظ لأول مرة كدلالة على جدية مروان وصدق محاولته لتحذير إسرائيل، لكن الواقع أن الكتاب يذكر أولاً أن مروان استخدم لفظ "بوتاسيوم" في أحد الإنذارات الكاذبة، وثانياً أنه استخدم في هذا الاتصال لفظ "المواد الكيميائية"، ويؤكد الكتاب هذه المعلومة، حيث إن التحذير بهذه الصيغة قد أثار جدلاً لدى القيادات الإسرائيلية وأوحى لرئيس الموساد بأن الخطر الحقيقي ليس وشيكاً بعد.
أجرى مروان هذا الاتصال بالإسرائيليين في الرابع من أكتوبر، طالباً الاجتماع مع رئيس الموساد في اليوم التالي، وهنا حاول الفيلم سد ثغرة منطقية أخرى ظهرت في كتاب الملاك، أثناء محاولة الكتاب تفسير تأخر مروان في تحذير الإسرائيليين حتى الخامس من أكتوبر.
ففي الكتاب أن مروان – رغم اتصاله يوم 4 أكتوبر – لم يعلم بموعد المعركة إلا في الخامس من أكتوبر عن طريق الصدفة، وذلك حينما زاره في لندن صديقه محمد نصير، الذي أخبره بأنه التقى مدير مصر للطيران في لندن، وقد أخبر الأخير نصير بأنه تلقى أمراً من وزارة الطيران بتحويل مسار الطائرات إلى مطار طرابلس بدلاً من مطار القاهرة، إلا أن الوزارة عادت وألغت هذا الأمر، وفقط حينما سمع مروان بهذه المعلومة علم أن مصر ستشن هجومها، لأن خطة الحرب كانت تتضمن تحويل مسار الطائرات المدنية لحمايتها من اعتداء إسرائيل.
يسوق الكتاب هذه القصة، التي رواها محمد نصير نفسه، لإثبات أن مروان لم يعلم بموعد المعركة إلا قبلها بيوم واحد، وأن السادات أخفى المعلومة حتى عن المقربين منه مثل مروان، أما الفيلم فيتعرض لها بشكل مختلف، حيث يقول مروان للإسرائيليين، كدليل على صدق تحذيره لهم، إن ما عليهم إلا التأكد من شركة مصر للطيران التي ستغير مسار طائراتها.
هدف مروان من العمل مع الإسرائيليين
يرى كتاب "الملاك" أن أشرف مروان كان ملاكاً بالنسبة لإسرائيل فحسب، وذلك لأنه أنقذها حقاً ولولا تحذيراته لمُنيت إسرائيل بهزيمة كاسحة على الجبهتين المصرية والسورية، بدلاً من هزيمة جزئية على الجبهة المصرية وانتصار على الجبهة السورية.
وبخلاف ذلك فالكتاب يصوّر أشرف مروان بصورة واقعية، فهو شخص غارق حتى أذنيه في الفساد سواء من خلال منصبه الحكومي أو من خلال صفقاته المشبوهة كرجل أعمال في لندن، واختار العمل مع الإسرائيليين لعدة دوافع أبرزها أنه كان يريد العمل إلى جانب الطرف الرابح، وأنه يهوى المخاطرة، بالإضافة لطموحاته المادية، وكراهيته لعبدالناصر الذي وقف حاجزاً أمام هذه الطموحات ودأب على التقليل من شأن صهره.
أما فيلم "الملاك" فهو يحاول إضفاء صورة ملائكية أكثر من اللازم على مروان، فهو يعمل مع إسرائيل "حتى لا يموت الكثير من الأبرياء على الجانبين"، وفي هذا السياق لا يجيب الفيلم عن سؤالٍ يبدو بديهياً، فحينما تستعد إسرائيل للحرب بناءً على تحذير مروان، هل سيقلل ذلك من الضحايا الأبرياء أم أنه سيزيدهم؟ وسيزيدهم تحديداً في صفوف المصريين من بني وطنه، هذا بالطبع فضلاً عن تجاهل حقيقة أن هذا الملاك، الذي يضحي بحياته لأجل الأبرياء من الجانبين، قد جنى جلّ ثروته من تجارة السلاح.
يلجأ الفيلم أيضاً لهذه الصورة الملائكية حينما يخبر الضابط الإسرائيلي مروان بعد مرور سنوات على حرب أكتوبر، أن إسرائيل شكلت لجنة للتحقيق في أمره، وهي لجنة أغرانات التي حققت بالفعل في أسباب هزيمة إسرائيل، ويرد مروان على مشرفه الإسرائيلي بأنه لو كان هناك لسأل اللجنة: "هل صارت إسرائيل أفضل حالاً بعد اتفاقية السلام مع مصر؟"، ثم يجيب: "إذاً فقد أديّنا خدمة جليلة لوطنيّنا"، لم يسأل مروان عما إذا كانت مصر أيضاً قد أصبحت أفضل حالاً بعد اتفاقية السلام، ربما لأن غالبية المصريين يعتقدون أن الاتفاقية كانت النهاية الفعلية لآمال العرب بإمكانية القضاء على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وبدلاً من ذلك يعتبر مروان أن تحسن حال إسرائيل بفضله دليلاً على إخلاصه لوطنه أيضاً!
يختتم الفيلم بذكر مقتضب للنهاية الغامضة لأشرف مروان بسقوطه من شرفته في لندن، دون إشارة لاتهام مصر بقتله بعد انكشاف عمالته لإسرائيل، ويستمر في محاولة إضفاء المثالية على مروان من خلال ذكره أن هو الوحيد الذي يعتبر بطلاً قومياً في كل من مصر وإسرائيل، باعتبار أن ما ورد في الفيلم هو قصته الحقيقية، لكن الحقيقة التي تجاهلها صُناع الفيلم هو أن كلتا الدولتين تعتبران مروان بطلاً قومياً لأنهما تؤمنان ببساطة بأنه عمل لصالحها، وحينما تتضح الحقيقة في هذه القضية، فسيفاجأ صُناع الفيلم بكمِّ اللعنات التي ستُصبّ على رأس مروان، إما من هذا الطرف أو ذاك.