بالقرب من الحدود المغربية، وتحديداً في محافظة بشار جنوب غربي الجزائر، أنهى رئيس أركان الجيش الجزائري ونائب وزير الدفاع الوطني، الفريق أحمد قايد صالح، الإشراف على إحدى أكبر المناورات العسكرية الجزائرية "اكتساح 2018".
وسائل الإعلام والصحافة الجزائرية، نقلت تفاصيل كشفت عنها وزارة الدفاع الجزائرية، تؤكد أن المناورات نُفّذت بالذخيرة الحيّة تحت مسمى "مجموعة القوات الأولى في الهجوم من التّماس المباشر مع العدو".
وشاركت في المناورات الوحدات التابعة للقطاع العملياتي الجنوبي في تندوف، الذي يهدف إلى اختبار الجاهزية القتالية لوحدات القطاع، فضلاً عن تدريب القادة والأركان على قيادة العمليات، وتطوير معارفهم في التخطيط والتحضير والتنظيم والتنفيذ، ووضعهم في جو المعركة الحقيقية.
هذه المناورات الجزائرية، تحمل في طيّاتها رسائل إلى المغرب كما يرى العديد من المراقبين، خصوصاً أنها أجريت جنوبي تندوف، حيث تتمركز ميليشيات جبهة البوليساريو الانفصالية، التي توظفها الجزائر ضد المغرب في قضية الصحراء، بحسب ما تدعي الرباط.
رسائل مشفرة إلى المغرب
يرى محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش (جنوب)، المتخصص في الشؤون الصحراوية، أنها "ليست المرة الأولى التي تقوم بها الجزائر بمناورات عسكرية في منطقة تندوف، القريبة جداً من المنظومة الدفاعية المغربية".
من هذا المنطلق، يعتبر الزهراوي في تصريحه لـ "عربي بوست"، أن "المعني بالدرجة الأولى هو المغرب، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار توقيت مناورات الجيش الجزائري، ثم السياق الدولي والإقليمي والداخلي الجزائري، والأسلحة المتطورة جداً المستعملة في هذه المناورات".
كما تتجلى أيضاً الرسائل المشفرة التي ترسلها المؤسسة العسكرية الجزائرية للمغرب، في "حضور ميلشيات البوليساريو وما يسمى بوزير دفاعها، بالإضافة طبعاً إلى الزيادة التي خصصتها موازنة 2018 الجزائرية لميزانية التسلح أو المنظومة الدفاعية التي بلغت ما يقارب مليار دولار"، على حد تعبير الزهراوي.
استعراض للعضلات كالعادة
لكن محمد أكضيض، الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، يعتبر مناورات اكتساح 2018 "استعراضاً للعضلات الذي عودتنا عليه الجزائر، التي تريد أن تظهر كأول قوة عسكرية واقتصادية في شمال إفريقيا".
في حديثه لـ "عربي بوست"، لا يستبعد أكضيض، أن تكون المناورات أيضاً رداً على صفقات السلاح الأخيرة للمغرب، خصوصاً بعد "وصول دبابات متطورة من نوع أبرامس ميناء الدار البيضاء، بناء على زيارة سابقة للمفتش العام للقوات المسلحة الملكية إلى الولايات المتحدة الأميركية، مع وفد عسكري من الخبراء، مباشرة بعد انتهاء مناورات عسكرية أفريكوم".
كل هذا "راقبته الجزائر باهتمام، ما يعني أن المناورات الجزائرية الآن هي جواب للجزائر على كل ما سبق، خصوصاً أنها ما زالت متشبثة بعقيدة الحرب الباردة"، يقول الخبير الأمني والاستراتيجي.
تصدير الأزمة الداخلية
يشير محمد أكضيض، الخبير الأمني والاستراتيجي، إلى أن "القيادة العسكرية هي صاحبة السلطة رقم واحد في الجزائر، وبالتالي فالمناورات عمل استعراضي كذلك للداخل الجزائري، وشغل الرأي الجزائري بهذه المناورات وإذكاء الحماس الوطني لثورة مليون شهيد جزائري".
بدوره يعتبر محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص بالشؤون الصحراوية، أن لهذه المناورات "رسالة قوية أيضاً من القايد صالح للداخل الجزائري، خاصة بعد إقالة عدة جنرالات عسكريين، بأن المؤسسة العسكرية ما زالت لها اليد الطُّولى في الإدارة وفي التحكم في الشؤون الداخلية الجزائرية".
هدوء مغربي وردّ قريب
لذلك، فالمؤسسة العسكرية الجزائرية "تبحث عن عدو وهمي، لكي تصدّر الأزمة الداخلية في الجزائر، وتشرعن به تواجدها، وتعيد رسم خريطة التحالفات داخل البلاد"، يوضح الزهراوي.
أمام هذا الأمر، يبرز محمد أكضيض، الخبير الأمني والاستراتيجي، أن المغرب "عودنا الهدوء وعدم الانفعال العسكري ولا السياسي تجاه الجزائر ولا جبهة البوليساريو، وبقي واضح المعالم من أجل تكامل اقتصادي وأمني حتى مع الجارة الشرقية".
كما يؤكد محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الصحراوية، أن المغرب "يتفادى قدر الإمكان أن يعطي للمؤسسة العسكرية الجزائرية، ورقة تشرعن بها تدخلاتها أو تلاعباتها في الشأن الداخلي".
هذا لا يعني أن الرباط لن تتفاعل مع الرسائل الجزائرية، إذ يتوقع محمد الزهراوي، أن "يقوم المغرب بمناورات عسكرية في الصحراء، وسيثبت أن جيشه في كامل جاهزيته، وقادر على الدفاع على الوحدة الترابية والحدود الوطنية".