تواجه شخصيات إعلامية لعبت دوراً محورياً في دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موقفاً صعباً، بعد إبعادهم فجأة عن الشاشة في الأسابيع الأخيرة.
تكهنات عدة انتشرت حول أسباب تخلي القنوات التلفزيونية عن مذيعي البرامج الحوارية الذين كانوا أيقونات مميزة لها على مدار أعوام، وطالما روَّجوا لسياسات السلطة.
ذكر موقع The Middle East Eye البريطاني أنَّ العديد من نجوم التلفاز نُقِلوا إلى قنوات أخرى دون سابق إنذار، وفي بعض الأحيان دون موافقتهم. ومَن ظلَّ في منصبه هرع إلى الشاشة ليبوح بما يحدث.
وهذه قصة الهيكلة التي تمت في الإعلام المصري خلال الأيام الماضية
إعادة الهيكلة المفاجئة، جاءت بعد أشهر من انتشار تقارير تفيد بأن جهاز المخابرات العامة اشترى أسهماً، أو سيطر بالكامل على العديد من محطات التلفزيون والإذاعة الخاصة.
بعد سنوات ثبات ملامح القنوات الفضائية الخاصة المملوكة لرجال أعمال، جرت أخيراً تغييرات متلاحقة بالإدارات والوجوه الإعلامية، وإطلاق قنوات جديدة، وإغلاق أخرى، وظهور مذيعين واختفاء آخرين، بلا أسباب واضحة.
استحوذت مجموعة "إعلام المصريين"، المملوكة لشركة "إيغل كابيتال للاستثمارات"، على مجموعة "فيوتشر ميديا" المالكة لشبكة قنوات CBC، ورغم عدم إصدار بيان رسمي عن الصفقة؛ فإن العاملين بالقناة أكدوا لـ"الشرق الأوسط"، أن رجل الأعمال المصري محمد الأمين باع أسهمه بالكامل لـ"إعلام المصريين".
بموجب الصفقة، تنضم شبكة قنوات CBC إلى ممتلكات شركة "إعلام المصريين" التي يرأس مجلس إدارتها تامر مرسي، وتتضمن شبكتي قنوات "أون"، و"الحياة"، و"راديو النيل"، وصحيفة "اليوم السابع"، وتم تعيين ياسر سليم نائباً لرئيس مجلس إدارة الشركة.
كانت "إعلام المصريين" مملوكة لرجل الأعمال المصري أحمد أبو هشيمة، قبل أن تستحوذ "إيغل كابيتال"، برئاسة وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد، على أسهمه في نهاية عام 2017.
وبالتزامن مع الصفقة، بدأت شركة "دي ميديا"، المالكة لمجوعة قنوات DMC، ويرأس مجلس إدارتها رجل الأعمال طارق إسماعيل، التفاوض للحصول على الوكالة الإعلانية الخاصة بشبكة قنوات CBC. و"دي ميديا" تمتلك الوكالة الإعلانية لشبكة قنوات DMC، و"الحياة"، وONTV، ما يعني أن جميع الفضائيات الآن تتبع إدارة واحدة، على الأقل اقتصادياً.
ولكن تجب الإشارة إلى أن هذه الهيكلة تعود لصراع داخلي بين الأجهزة الأمنية
بعض المراقبين أرجعوا هذه التغييرات الطائشة إلى وجود معركة داخلية بين الأجهزة الأمنية ، أو فسروها على أنها محاولة لإسكات أحاديث السياسة في وسائل الإعلام.
لكن مديري الشبكات الإعلامية لم يصرحوا سوى بتفسيرات مبهمة، وفي مثل هذه الأجواء يزدهر القيل والقال، بالإضافة إلى انتشار القلق بين نجوم الإعلام الذين ما زالوا مستمرين في الظهور على الشاشة.
مصطفى بكري، النائب البرلماني المؤيِّد للسيسي، حذَّر من هذه التغييرات، ببرنامجه التلفزيوني على قناة "صدى البلد" في بداية هذا الأسبوع.
قال بكري في خطبة عاطفية استمرت دقيقتين: "يجب ألا يعني اختلافنا على شيء أن أجلس في المنزل اليوم التالي. هذا ليس صحيحاً. رجاءً، رجاءً، نريد أن تقف بلادنا على أقدامها، وسوف ندعمها كلنا. كلنا اخترنا الرئيس السيسي. لا أحد يمكنه التشكيك والمزايدة على وطنيتنا".
صرخ قائلاً: "لدينا الحق في أن نتنفس، أن نتحدث، أن نتكلم. الإعلاميون الجالسون في بيوتهم الآن، لماذا يحدث هذا؟! سيصبحون قنابل موقوتة. سيقفون ضد الدولة. عددهم 600 أو 700 شخص. ما الذي يحدث؟".
ذكر من ضمن أسماء نجوم البرامج الحوارية البارزين، لميس الحديدي ووائل الإبراشي كمثالين للمشاهير الذين ما زالت مصائرهم مجهولة بعد استبدالهم أو إيقافهم.
ولا يجب إنكار موقف المخابرات العامة من عملية الهيكلة الدائرة الآن
يحوم شبح جهاز المخابرات العامة حول تغير وجه الإعلام بمصر. ففي شهر ديسمبر/كانون الأول 2017، استحوذت شركة "إيغل كابيتال للاستثمارات المالية ش.م.م" -التي تفيد التقارير بأنَّها مملوكة لجهاز المخابرات العامة- على أسهم رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة في شركة "إعلام المصريين"، حسب موقع مدى مصر.
أدت هذه الصفقة إلى أن أصبحت "إيغل كابيتال" المالك الوحيد لمجموعة "إعلام المصريين"، التي تمتلك قناة ONtv و6 صحف ومواقع أخرى، أشهرها صحيفة "اليوم السابع" الخاصة وموقعها.
من الممكن أن تكون هناك عمليات استحواذ مشابهة في طريقها للتنفيذ، كما لمح أحمد بهجت، مؤسس ومالك أول شبكة فضائية مصرية خاصة "قنوات دريم"، بقوَّة، في حوار له يوم الثلاثاء 11 سبتمبر/أيلول 2018.
قال بهجت: "من الواضح أنَّ وجهة نظر الدولة، فيما يتعلق بمسألة الإعلام، هي ألا يغرِّد أحد خارج السرب. هذا هو الواضح؛ لذلك هناك شراكات مع القطاع الخاص".
بالسؤال عن مستقبل شبكة دريم التي يملكها، ردَّ بهجت قائلاً: "الآن، نحن في مباحثات لعقد نوع من الشراكة مع جهات من الدولة".
ردَّ المحاور قائلاً: "كنتَ آخر شخص نراهن عليه في البقاء مستقلاً".
بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أرجع هذه التغيرات إلى وجود "انشقاق داخلي بين أجهزة السيسي الأمنية ومستشاريه".
A new peak 2 the internal strife between Sisi's security agencies & advisors, marking a large round of purges! Mostafa Bakry, a media/security figure laments the fate of 600 pro Sisi media figures that were dismissed without prior notice or later explanation! Who is next?! #Egypt https://t.co/abNvfc2Vyd
— Bahey eldin Hassan (@BaheyHassan) September 11, 2018
بهي الدين حسن علق مغرداً: "احتدم الانشقاق الداخلي مجدداً بين أجهزة السيسي الأمنية ومستشاريه، معلناً بداية شوط كبير من التصفية! مصطفى بكري الإعلامي الأمنجي ينحب مصير 600 شخصية إعلامية من مؤيدي السيسي الذين نُبِذوا دون سابق إنذار أو حتى تفسير لاحق! مَن التالي؟! ".
وبُعيد الانقلاب حاولت السلطات تثبيت وضعية المشهد الإعلامي وعاقبت المغردين خارج السرب
حيث شهد المشهد الإعلامي المصري فترة من الاستقرار منذ انقلاب 2013، عندما أغلقت الحكومة، بدعم القوات المسلحة، عشرات المنافذ الإعلامية المعارضة، معظمها مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين، وسمحت للأصوات المؤيدة للسلطة وحدها بالظهور في منافذ الإعلام المنتشرة.
منذ ذلك الحين، عوقب القليل ممن عبَّروا عن رأيهم خارج إطار تأييد الحكومة.
في أبريل/نيسان 2018، أقالت صحيفة "المصري اليوم"، أكثر الصحف اليومية شعبية في البلاد، رئيس التحرير؛ بسبب تغطية الصحيفة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي كان فيها تقرير يتهم الدولة بالتأثير على الناخبين وحشدهم عن طريق دفع مكافآت لمن يدلون بأصواتهم.
موقع "مدى مصر نشر " تقريراً في يوم 3 سبتمبر/أيلول 2018، يفيد بأنَّ لميس الحديدي، التي تقدم برنامجاً حوارياً مشهوراً على قناة CBC الفضائية، رفضت الانتقال إلى قناة ONtv، وحلَّ محلها مذيع أخبار آخر قبل الخروج على الهواء بدقائق.
أفاد الموقع الإخباري بأنّ مصادر في CBC تقول إنّ لميس الحديدي سيُسمح لها بـ"مواصلة البث على قناة CBC بشرط أن برنامجها سيكون مسجلاً وليس مباشراً". وقال الموقع إن لميس الحديدي "سيُسمح لها باستضافة برنامج أسبوعي فني واجتماعي مسجَّل، دون الاقتراب من الحديث عن الأخبار أو السياسة".
مررت الدولة، في الأشهر الأخيرة، الكثير من القوانين التي تُحكم قبضتها على المنافذ الإعلامية، ومن بينها قيود غير مسبوقة على شبكات التواصل الاجتماعي. وجاء تصنيف لجنة حماية الصحافيين لمصر كواحدة من بين الدول الثلاث الأسوأ في اعتقال الصحافيين.