قالت صحيفة The Washington Post الأميركية، إن الاحتجاجات العنيفة التي تشهدها مدينة البصرة النفطية وجهت لطمة سياسية لرئيس الوزراء العراقي الموالي لأميركا، حيدر العبادي، وباتت قاب قوسين أو أدنى من الإجهاز على محاولته للبقاء في منصبه لفترة ثانية، ولا سيما وأصابع الاتهام تشير إليه من العدو والصديق لتلومه على الاضطرابات التي تشهدها المدينة.
وزار العبادي البصرة، أمس الاثنين 10 سبتمبر/أيلول 2018، بعد أسبوع من التظاهرات التي أسفرت عن مقتل 15 شخصاً على الأقل، فضلاً عن إشعال النار في مقرات حكومية وحزبية، وفي القنصلية الإيرانية. واكتشف رئيس الوزراء العراقي أنَّ الهدوء الحذر قد عاد إلى المدينة طوال عطلة نهاية الأسبوع، غير أنه اكتشف أيضاً أنّ مستقبله السياسيّ بات على المحك أكثر فأكثر.
بقاؤه في المنصب خيار مستحيل
وألقى المحتجون بأسباب الإحباط الذي ينتابهم على كاهل النخبة السياسية العراقية كلها، وهتفوا بشعارات ضد الحكومة والأحزاب والميليشيات المؤيدة لطهران. لكنّ منافسي العبادي على منصب رئيس الوزراء كانوا أكثر منه فطنة في التعامل مع الموقف؛ إذ استغلوا الغضب الشعبي، ليجعلوا من بقائه في المنصب خياراً مستحيلاً.
قال محللون إنَّ الولايات المتحدة، التي لم تعدّ الكثير من البدائل للعبادي لشغل المنصب، تجد نفسها أقل نفوذاً فيما يتعلق بشكل الحكومة الجديدة في العراق.
وقال المرجع الشيعي الأعلى في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني، في بيان له، إنَّ الأزمة في البصرة أكدت الحاجة إلى نهج جديد للتعامل مع المشكلات العديدة التي يواجهها العراق، وإنه لن يؤيد أي شخص لمنصب رئيس الوزراء إذا كان شغل من قبل أي منصب قيادي.
وطالب ساسة من القائمتين الانتخابيتين اللتين حصلتا على أعلى الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي عُقدت في مايو/أيار الماضي باستقالة العبادي بعد جلسة برلمانية مثيرة للجدل شهدت تلاسناً بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة.
وقال مصدرٌ مقرَّب من المفاوضات التي تدور حول اختيار رئيس الوزراء القادم، رفض الإفصاح عن هويته لحساسية النقاش: "فرصة العبادي في اللحظة الراهنة للبقاء في المنصب معدومة".
صفعة مزدوجة تلقاها العبادي
وتشكل الصفعة المزدوجة التي وجهها آية الله السيستاني صاحب الكلمة المسموعة في العراق والائتلافات السياسية الصاعدة في المشهد السياسي العراقي توبيخاً غير مسبوق للعبادي، بعد أن حاز دعم الولايات المتحدة لتولي المنصب لمدة ثانية بعد قيادة بلاده لتحقيق انتصار على تنظيم الدولة الإسلامية، واجتياز أزمة اقتصادية أثارها انخفاض أسعار النفط.
وقال كيرك سويل، المحلل المقيم في الأردن الذي يعد نشرة إخبارية بعنوان Inside Iraqi Politics: "الآن أصبحت فرص إعادة انتخاب العبادي منعدمة، والولايات المتحدة ليس لديها أي خيارات جيدة؛ فقد ركزَّت جهودها على إعادة انتخابه".
وكان كبير المبعوثين الأميركيين إلى العراق، بريت ماكغورك، في زيارة قام بها مؤخراً إلى العراق بهدف حشد الدعم للعبادي في صفوف السنة والأكراد، ضمن جهود لبناء أغلبية برلمانية تصوِّت لإعادة انتخابه.
وأشار سويل إلى أنَّ العبادي كان يفقد فعلياً الدعم قبل أن تشتد حركة الاحتجاجات في البصرة وتنفجر لتصبح أعمال شغب واسعة النطاق الأسبوع الماضي.
حتى الصدر تخلّى عن العبادي
وكان العبادي قد توصل على مضِّض لاتفاق مع رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، الذي فاز حزبه بأغلبية المقاعد البرلمانية في انتخابات مايو/أيار، لكنَّ النواب الذين خاضوا الانتخابات ضمن قائمة العبادي بدأوا في الإسراع بالقفز من سفينته في الأسابيع الأخيرة.
حتى إنَّ الصدر نفسه تخلى عن العبادي يوم السبت، بعد جلسة برلمانية طارئة دعا إليها الصدر لمناقشة أزمة البصرة. تعرض العبادي لانتقادات شديدة خلال الجلسة، لدرجة أنه في مرحلة منها طلب من محافظ البصرة بغضب -وهو عضو في حزبه- أن يغادر الجلسة.
كان للجلسة البرلمانية أثر فوري، فقد طالب حزب الصدر باستقالة العبادي، وطالبه بالاستقالة كذلك منافسوه الرئيسيون؛ وهم ائتلاف يضم هادي العامري، زعيم ميليشيا موالية لإيران، ونوري المالكي، رئيس الوزراء السابق.
الأمر المشترك بين الصدر والعامري والمالكي هو معاداتهم للنفوذ الأميركي في البلاد، لكنّ مساحة الاختلاف بينهم فيما يتعلق بالدور الإيراني في العراق واسعة جداً. ورغم أنَّ الصدر يتمتع بعلاقات ودية مع طهران، فقد وجّه أيضاً انتقادات لتدخلها في الشأن العراقي وفي أماكن أخرى بالمنطقة، لا سيما في سوريا. وعلى النقيض من ذلك، يحتفظ العامري والمالكي بعلاقات وثيقة مع إيران، ويعتبرانها حصناً ضد المصالح الأميركية في العراق.
بيد أن معارضتهم المشتركة للعبادي لا تعني احتمالية تكوينهم ائتلافاً حكومياً جديداً، وفقاً لما ذكره المصدر المقرَّب من المفاوضات. إذ يحاول كل طرف استمالة أعضاء برلمانيين من قائمة العبادي، وفي الوقت نفسه يحشد الدعم من الكتل الصغيرة من الشيعة والسنة والأكراد.
ومما يعكس تراجع مكانة العبادي، أنّ المحتجين خرجوا إلى الشوارع مساء الإثنين -بعد اجتماعاته التي عقدها مع مسؤولين ورموز المجتمع المدني بالمحافظة- مطالبين بمغادرته البصرة.