ضجة كبيرة أعقبت إعلان السعودية، يوم الثلاثاء 4 سبتمبر/ أيلول، محاكمة الداعية سلمان العودة ، الأمين العام المساعد لما يسمى بـ "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، المصنف كياناً إرهابياً في السعودية، وطلب النيابة توقيع حكم الإعدام عليه. الضجة المتداولة حالياً كان في محورها سؤال أساسي: هل يمكن أن تتجه السلطات بالفعل إلى إعدام الداعية؟
وتنوعت الآراء في هذه النقطة بين مَن لا يستبعد إيقاع العقوبة بالفعل، ومَن يرى أن هذا المشهد غرضه "الترهيب"، وبين مَن يرى أن القضاء السعودي مستقل وسيحكم بما بين يديه من أدلة قاطعة.
ويعتبر العودة أحد رموز التجديد في العالمين العربي والإسلامي، والذي تحمّل بسبب جرأة مواقفه، الكثير من حياته، ودخل السجن. وطالبت النيابة العامة السعودية بإعدامه في بداية محاكمته بالرياض، بعدما وجَّهت له 37 تهمة، حسبما أفادت وسائل إعلام محلية.
وتصاعد الجدل حول مصير الرجل وما يمكن أن يحدث إذا ما أقدمت المملكة على هذا. فهل من الممكن أن تسهم مثل هذه الخطوة – إذا ما تمَّت المصادقة عليها – في تأليب الرأي العام وتعمل على إحداث بلبلة داخل الشارع السعودي؟ وعلى أثر ذلك هل يمكن للسعودية أن تأخذ مثل هذا الأمر بعين الاعتبار بعض النظر عن توجهات وأفكار الشيخ المعارضة للتوجهات الرسمية السعودية؟
"عربي بوست" توجهت بهذه الأسئلة إلى مجموعة من النخب الفكرية والدينية في السعودية.
يهدف لجسّ النبض لرؤية رد الفعل المتوقع
الداعية السعودي المقيم في لندن سعيد بن ناصر الغامدي، قال في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست" إنّ إعلان السعودية عبر المحكمة الجزائية النظر في الدعوى المقامة من النيابة العامة بقتل العودة تعزيراً، له عدة أغراض، يأتي على رأسها "إشاعة المزيد من التخويف والإرهاب لعموم الناس وللعلماء والدعاة والمصلحين والناصحين وحتى أفراد الأسرة الحاكمة".
وأكد أن هذا الإعلان يهدف إلى جسّ النبض لرؤية رد الفعل المتوقع، ثمّ "التحرك للمزيد من القمع بناء على المعطيات"، على حد تعبيره.
ويرى الغامدي أنّه قد يكون الهدف من هذا الإعلان شخصاً آخر ممن اعتقلوا فيتم التمهيد بذلك لتخفيف الصدمة، مبدياً عدم استبعاده أن يكون الهدف هو التمهيد لأحكام طويلة ضد الشيخ وأمثاله؛ ليظهر على أنّه زعيم "المافيا الحكومية"، إذ من الممكن أن تسفر فيما بعد عن تخفيف الأحكام من القتل للسجن من عشرة إلى عشرين عاماً.
لكنّ الغامدي لم يستبعد إنزال عقوبة الإعدام بحق العودة، قائلاً: "لا يستبعد أن يتهوروا فيقتلوا الشيخ تحت شعار متوارث ومعروف عندهم (رأس تقطعه ما جاك فازع)، أي أن من تقتله من رؤوس الناس المشهورين بسمعة جيدة من شيوخ العلم أو القبائل فسوف يتم إسكات أمثاله وأتباعه".
اقرأ أيضاً
النيابة العامة السعودية تطالب بـ إعدام سلمان العودة تعزيراً وتوجه له 37 تهمة
وأشار إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الدور الذي قام به الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومستشاره غاريد كوشنر في السعودية والمنطقة، وذلك تحت دعم من اللوبي الصهيوني في أميركا، مؤكداً أنّه من المتوقع أن تقدم السعودية على كثير ممن وصفها بـ"المفاجآت" و"البشاعات" إرضاء لحليفتها أميركا، حسب وصفه.
واستدل البعض بأن إمكانية تنفيذ حكم الإعدام بحق العودة تعززها حوادث متفرقة، جاء على رأسها إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر تعزيراً بعد الحكم بإدانته بالإرهاب من المحكمة الجزائية، في يناير/كانون الثاني 2016.
وتم توجيه 37 تهمة بحق العودة، من ضمنها دعوته للتغيير داخل الحكومة السعودية، والدعوة للخلافة في الوطن العربي، إضافة إلى دعوته وتحريضه للزج بالسعودية في الثورات الداخلية، ودعمه الثورات في البلاد العربية، والانضمام لتجمعات واتحادات علمية دينية تصنف لدى الرياض على أنّها قائمة على أسس زعزعة الأمن في البلاد والوطن العربي، ودعم الثورات والانشقاقات، في إشارة واضحة إلى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي يرأسه الداعية يوسف القرضاوي، بينما يتولى العودة منصب الأمين المساعد.
أنظمة القضاء السعودي قائمة على أسس العدالة والحياد
لكن على الجانب الآخر، فقد أكد مدير عام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة سابقاً، في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، أنّ السعودية "تحكّم الشريعة الإسلامية، وأنظمة القضاء لديها مقامة على أسس العدالة، وصحة وسلامة الإجراءات، والحياد، وضمان الحقوق العامة والخاصة"، على حد تعبيره.
وأضاف أنّ القضاء في السعودية مستقل، وسيبحث دعوى النيابة العامة وأدلتها، وسيتيح المجال أيضاً لسماع دفاع المدعى عليه، موضحاً أنّ الدعوى ستأخذ مجراها بالشكل القانوني الصحيح الذي يضمن فيه الحفاظ على حقوق المتهم وعلى العدالة.
وأكد أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ومتى ما ثبتت إدانته فإنّه ينظر في الحكم عليه بحسب ما تقضي به نصوص الشريعة الصحيحة والقوانين المستمدة منها، بكل حياد ونزاهة واستقلالية، مضيفاً أنّ القضاء في السعودية لا ينظر لما ليس له علاقة بموضوع الاتهام وأدلته والدفاع فيه.
وأوضح في نفس السياق أنّ السعودية لا تنظر إلى مواطنيها من جوانب مذهبية ولا طائفية، بل يستوي الجميع لديها في الحقوق والمواطنة وواجباتها، والامتثال للقوانين والأنظمة، ولذلك يؤكدّ الغامدي أهمية عدم استباق أحداث القضاء، وما تنتهي إليه.
وحول ردود الفعل المتوقعة إذا ما تمّ التصديق من قبَل السعودية على إعدام العودة، يرى الغامدي أنّ الحكومة السعودية ليس لها مواقف شخصية مع أي مواطن أو مقيم "وهي حريصة دوماً على أمن واستقرار الجميع، وحريصة على درء الفتن والشرور، وهذا هدف الجميع حكومة وشعباً"، مستبعداً أنّ يكون هناك ما يثير الرأي العام في العمل بأحكام الشريعة الإسلامية، وفِي ظل توجه القيادة الرامي لتجنيب السعودية الفتن والقلاقل والفساد، وزعزعة الاستقرار.
ربما يكون العودة قد توفِّي
وفي سياق متصل، شكّك العضو بمنظمة العفو الدولية مشاري السند، بإجراءات المحكمة المخصصة لسلمان العودة، معبراً عن اعتقاده في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، عن أنّ العودة قد توفّي منذ أكثر من شهر، وذلك نتيجة التعذيب الذي مورس بحقه أثناء التحقيقات معه، بحسب بعض المصادر.
واشار إلى أنّ الإعلام السعودي ذكر أنّه ستتم دراسة تنفيذ حكم الإعدام بحق العودة، والذي سيكون حكماً سرياً وليس علنياً إذا ما نفّذ، مشيراً إلى أنّ الحكم إذا لم ينفذ علناً فهو يعني مؤشراً كبيراً على أنّه قد توفي نتيجة التعذيب الجسدي والنفسي منذ اعتقاله قبل حوالي عام.
ويستبعد السند حدوث أي بلبلة داخل الشارع السعودي، إذا ما تمّ التصديق فعلياً على حكم إعدام العودة أو الإعلان عنه، مشيراً إلى أنّ الرأي العام السعودي مدرك لأهمية استمرار الاستقرار والأمن في بلاده، وهو أمر لا يمكن المساومة عليه، وتسعى إليه جميع فئات ومكونات المجتمع السعودي بلا استثناء قيادةً وشعباً، أو سواء كانوا من عامة الشعب أو خاصته.
الجدير ذكره أنّ سلمان العودة هو داعية إسلامي، وأستاذ جامعي، ومقدم برامج تلفزيونية، حاصل على ماجستير في السّنّة في موضوع "الغربة وأحكامها"، ودكتوراه في السّنّة في شرح بلوغ المرام – كتاب الطهارة، ويشغل منصب الأمين المساعد في "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي تأسس عام 2004 في لندن، ويرأسه يوسف القرضاوي، الموجود في دولة قطر حالياً، حيث أعلنت كل من مصر والإمارات والسعودية والبحرين، نهاية 2017، ضم "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" إلى قائمة الإرهابيين المتورطين في أعمال تخريبية وأنشطة إرهابية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد هذه الدول.