بدأ العلاقة بين الأردن وصندوق النقد الدولي منذ عام 1989، أي قبل نحو 29 عاماً، وهو العام الذي حصل فيه الانهيار الكبير بالدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي الذي تعتمده الأردن ودول أخرى كثيرة حول العالم في قياس مدى قوتها وقيمتها بالأسواق العالمية. لكن احتجاجات الشعب الأردني الرافضة للضرائب الجديدة المفروضة أثرت على صفو العلاقات بعد 3 عقود.
فقبل عام 1989، كان الدينار الأردني يساوي نحو 3 دولارات في مطلع عام 1988، ليصل في عام 1990 إلى دولار ونصف، في ظل انفجار قيمة الدَّين العام وعدم القدرة على الوفاء بالتزامات الديون الخارجية للدول المانحة، وهو الأمر الذي استمر طيلة العقود الثلاثة التي تلت هذه الأزمة، ليصل الدولار إلى 0.71 مقابل الدينار.
منذ تلك اللحظة، بدأ الأردن برامج الإصلاح الاقتصادي، وتعددت أسماء هذه البرامج، لنصل في الوقت الحالي إلى برنامج الإصلاح الائتماني الممدَّد للسنوات 2016-2019، وهو استكمال لبرنامج الإصلاح الائتماني الذي استمر 3 سنوات قبلها، في وقت يشهد فيه الدينار الأردني ثباتاً في سعر الصرف أمام الدولار أكثر من 10 سنوات.
مشروع ضريبة هاني الملقي أشعل احتجاجات شعبية ستعكّر صفو العلاقة
كان الأردن يسير وفقاً لإرشادات صندوق النقد، دون أي مشاكل حتى صيف عام 2018، عندما أعلنت حكومة الدكتور هاني الملقي طرح مشروع جديد لضريبة الدخل، وسّع من شريحة المكلَّفين دفع الضريبة؛ الأمر الذي تسبب في احتجاجات من النقابات المهنية والمواطنين، استمرت نحو أسبوع بالدوار الرابع، مقر رئاسة الحكومة، خلال شهر رمضان الماضي.
إذ شاركت أعداد كبيرة في هذه الاعتصامات التي اتسمت بالسلمية، وانتهت بإقالة الملك عبد الله الثاني حكومة الملقي، وسحب الحكومة مشروع القانون.
ولكن صندوق النقد كان يؤيد خطة الحكومة قبل إقالتها
قبل إقالة الحكومة، كانت بعثة صندوق النقد الدولي في الأردن، وأبدت ارتياحها لأداء الحكومة رغم الاحتجاجات في الشارع.
إذ اعتبرت البعثة، التي ترأسها مارتن سيرسولا، بعد تدقيق الأرقام الحكومية، أن الأردن ملتزم بتحقيق كل المؤشرات التي تعهد بها، وبالبرنامج الإصلاحي، ولا سيما ما يتعلق بمؤشرات العجز والدين وتسديد المتأخرات، فضلاً عن التزامه بإعداد مشروع قانون ضريبة الدخل، وكان من المفترض أن يُصدر الصندوق تقريره عن أداء الاقتصاد الأردني، خلال فترة قريبة.
ثم بدأت الخلافات، وحتى الآن لم يُصدر الصندوق تقريره المعتاد
من هنا بدأت الخلافات بين الصندوق والأردن، فبعد أي مراجعة يُصدر صندوق النقد تقريراً رسمياً سريعاً في وقت لا يتجاوز الأسبوع حول أداء الاقتصاد الأردني، ويحدد فيه آلية العمل، وما هو المطلوب من الحكومة من إصلاحات تؤهلها لاستكمال الإصلاحات والحصول على تمويلات إضافية تتضمن قروضاً ومِنحاً.
لكن الصندوق إلى الآن لم يصدر التقرير، في وقت أشارت فيه مصادر حكومية مطلعة لـ"عربي بوست"، إلى أن هذا التأخير مرتبط بسحب الحكومة مشروع القانون السابق، الذي كان يُفترض أن يوفر نحو 300 مليون إيرادات إضافية للخزينة العامة.
والأردن ما زال ينتظر 732 مليون دولار لسد العجز
صندوق النقد سجَّل عتباً غير معلن على الأردن، في ظل ارتباط الطرفين باتفاق يسمح للأردن بالحصول على تمويل بـ723 مليون دولار أميركي بموجب "تسهيل الصندوق الممدَّد"، وهو الأمر الذي يساعد على سد الفجوة بين الصادرات والمستوردات؛ ولكنه يميل لصالح المستوردات، ويزيد من حجم عجز الميزان التجاري، وأيضاً يدعم الاحتياطيات الأجنبية التي تمول مشتريات الحكومة من البضائع والسلع المستوردة، ودعم تنفيذ برنامج السلطات للإصلاح الاقتصادي والمالي؛ إذ التزم الأردن للصندوق بخفض الدين العام من 94% من الناتج المحلي إلى 77% بحلول عام 2021.
ويرتكز هذا البرنامج على إطار السياسات الاقتصادية والاجتماعية الذي وضعه الأردن (رؤية 2025)، ويهدف إلى دفع عملية الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق بما يهيئ ظروفاً أفضل لتحقيق النمو لشرائح أوسع من السكان مع توفير الحماية للفقراء.
ثم يصدر صندوق النقد تصريحاً: "لم نوصِ بما قررته الحكومة من رفع الدعم عن الخبز"
خلافات الأردن مع الصندوق طفت على السطح مع تنصُّل الصندوق، في تصريحات رسمية، من قرارات الحكومة السابقة برفع الدعم عن الخبز أو زيادة الضرائب على الأدوية، وقال: "الصندوق لم يوصِ بما قررته الحكومة من رفع الدعم عن الخبز أو زيادة الضرائب على الأدوية، وقد أعلنّا معارضتنا رفع الدعم عن الخبز. ونحن نرى أن السياسات والإصلاحات يجب ألا تكون عبئاً على شرائح المجتمع الفقيرة، وألا تتسبب في رفع سعر السلع الأولية الضرورية كالخبز والأدوية".
في حين تؤكد الحكومة أن الإجراءات تطبيق للتعهدات مع الصندوق!
يأتي ذلك في ظل تصريحات وزراء المالية في الحكومات الأردنية المتعاقبة، بأن الإجراءات الإصلاحية التي يتخذونها والتي قد تؤثر على المواطن تكون تطبيقاً للتعهدات التي أطلقها الأردن لبرامج الإصلاحات مع الصندوق.
ونشر صندوق النقد الدولي على موقعه الإلكتروني تعليقاً على احتجاجات رمضان 2018: "تؤكد الأحداث الأخيرة الأهمية البالغة لإجراء إصلاحات جريئة لمعالجة البطالة المرتفعة، وخاصة بين الشباب والنساء، وتنشيط النمو الاقتصادي على نحو لا يهدد استقرار الاقتصاد الكلي الأردني الذي تحقق بصعوبة بالغة. وفي هذا السياق، تضمنت مناقشاتنا إصلاحات ضريبية تهدف إلى تأمين الموارد اللازمة لتلبية احتياجات الإنفاق العاجلة -كالإنفاق على الأمن والصحة والتعليم- مع ضمان العدالة في تقاسم أعباء التصحيح. وينبغي أن ينصبَّ التركيز في المرحلة المقبلة على ضريبة الدخل، وخاصة على الأغنياء، بدلاً من الضرائب على الاستهلاك، التي غالباً ما تُحْدِث آثاراً سلبية أكبر نسبياً على الفقراء".
وعود من جديد بمبالغ دعم
وقال الصندوق: "نرحب بدعوة الملك عبد الله الثاني إلى إجراء حوار وطني كخطوة إيجابية للغاية إلى الأمام. والبرنامج الجاري مع الأردن الذي يدعمه صندوق النقد الدولي يهدف إلى وضع ركيزة للأولويات الاقتصادية للحكومة. وكان فريق خبراء صندوق النقد الدولي الذي زار عمَّان مؤخراً، قد عقد مناقشات مثمرة مع السلطات، وتحقق تقدُّم كبير بشأن رفع توصية إلى مجلسنا التنفيذي باستكمال المراجعة الثانية للبرنامج الذي يدعمه الصندوق.
وبهذا سيتاح للأردن الحصول على نحو 70 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى مبلغ يقارب 1.2 مليار دولار، حصل عليه بالفعل منذ عام 2012″.
ولكن لم يدخل دولار واحد بعدُ الخزينةَ الأردنيةَ!
لكن، ما حدث على أرض الواقع أن مساعدات صندوق النقد الدولي لم تصل بعد.
إذ لا يزال التقرير في أدراج مكاتب الصندوق، بانتظار إقرار حكومة الدكتور عمر الرزاز قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي لم تقره الحكومة بعد.
وتحصل الحكومة بموجب القانون الجديد على 100 مليون دينار من فرض المزيد من الضرائب على المواطنين، ما بين ضرائب دخل وضرائب على السلع والخدمات فقط بدلاً من 300 مليون.
وكان من المقرر نشر القرار بعد اجتماع حكومي استثنائي يوم السبت 1 سبتمبر/أيلول 2018، حتى يتم إقراره في دورة النواب الاستثنائية مطلع سبتمبر/أيلول 2018، لكن تأجَّل نشره إلى إشعار آخر، لأسباب تتعلق بآلية نشره وتطبيقه، وفقاً لمصدر حكومي في تصريحات خاصة بـ"عربي بوست".
اقرأ أيضاً