وجد مقاتلون في المعارضة السورية أنفسهم أمام خيارات صعبة، بينها أنهم خُيروا بين قتال ميؤوس منه، أو أن يُنفوا، أو الانضمام إلى نظام بشار الأسد والقتال مع قواته، التي كانت يوماً ما تقصف مناطق المعارضة بما فيها من مدنيين وعسكريين.
واختار بعض مقاتلي المعارضة البقاء في مناطقهم والعمل مع قوات الأسد، كما حصل للمقاتل محمد المقداد الذي قاتل بصفوف المعارضة قبل أن يدخل مع آخرين في "مصالحات" مع النظام، بحسب ما ذكره تقرير لصحيفة The Times البريطانية، اليوم الجمعة 17 أغسطس/آب 2018.
ويشير المقداد إلى أن أمنه الشخصي يعتمد الآن على الجيش الروسي الذي قصفه سابقاً، لكنَّه الآن "يضمن له أنَّ النظام لن يحاول الثأر منه"، بحسب قوله، ويضيف: "كان ذاك السبيل الوحيد لحَقن الدماء وتجنُّب وقوع المزيد من الدمار. لو كنَّا قد رفضنا، لكانت المنطقة سُحِقَت".
وبرر المقداد قبوله العمل مع قوات النظام، بقوله إن "سير الأحداث كان خارجاً عن سيطرته، وأن نهاية النزاع السوري اتُخذ بقرار دولي"، في إشارةٍ لقرار واشنطن سحب دعمها للمعارضة السورية، وذلك قبل هجوم النظام الأخير على محافظة درعا مسقط رأس المقاتل المقداد.
وفيما أعاد الأسد السيطرة على سوريا، سلَّم عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة مواقِعهم قبل أن يُنقلوا إلى إدلب شمال غربي سوريا، وهي أكبر معقلٍ صامد للمعارضة، وفي المقابل، اختار عشرات الآلاف غيرهم، شأنهم شأن المقداد، حلاً بديلاً وهو "اتفاق مصالحة"، يُسمَح لهم بموجبه ترك أسلحتهم والعودة للعيش في قُراهم المُتهدِّمة.
وتكمن المشكلة الرئيسية في المصالحات مع النظام، أن مَن هو في سنِّ الخدمة العسكرية، عليه الموافقة على أن يُجنَّد في جيش النظام.
القتال إلى جانب النظام
وفي العديد من الحالات، يُمنَح هؤلاء مهلة تبلغ ستة أشهر قبل الالتحاق بجيش النظام، مع أنَّه لا يجري الالتزام بهذه المهلة دوماً. وفي حالاتٍ أخرى، وافقت وحداتٌ كاملة من المعارضة السورية على الاندماج مع عدة تشكيلات عسكرية موالية للنظام. وبفِعلهم ذلك، ينتهي بهم الأمر بالقتال جنباً إلى جنب مع الرجال الذين قضوا سبعة أعوام يحاولون قتلهم.
كانت وحدة المقداد المُعارِضة واحدة من تلك الوحدات. وفي غضون أسابيع من استسلامهم في شهر يونيو/حزيران الماضي، جُنِّد هو ورفاقه في الفرقة الخامسة التابعة لقوات النظام.
وقال المقداد، وهو في أواخر عشرينياته الآن، إنَّه "وُعِد بأنَّه سيتمكَّن من البقاء في درعا ولن يُرغَم على القتال ضد رِفاقه السابقين في إدلب".
وأكَّد عدة مقاتلين سابقين في صفوف المعارضة على دور روسيا في "المصالحات"، وبرغم ما يردّده قادة روسيا السياسيون علانيةً، فإنَّ جيشها يعي جيداً سُمعة نظام الأسد في ما يتعلَّق بوحشيَّته ونزعته الانتقامية، بحسب ما ذكرته الصحيفة البريطانية.
وأشرف جنودٌ روس على إجراءاتٍ لـ"بناء الثقة"، وفيها أدارت قوَّات من المعارضة والنظام معاً نقاطاً للتفتيش. ومنحت روسيا قوَّات المعارضة السابقة وثائق تضمن سلامتهم، وأصرَّت أن يحترمها النظام.
وقال محمد الدمشقي، وهو مقاتلٌ من الغوطة خارج دمشق، إنَّه قضى أربعة أشهر في معسكر احتجاز "مروِّع" فيما كان النظام يحقق في صحة ارتكابه ما عدَّها النظام جرائم.
أُطلِق سراح الدمشقي في النهاية، لكنَّ آخرين كانوا أقل حظاً؛ فهؤلاء الذين تبيَّن أنَّهم ارتكبوا "جرائم" لم يُرَوا من حينها. وفي ما يتعلَّق بإعادة تجنيده في صفوف جيش النظام، قال الدمشقي إنَّه في ذلك أيضاً عومِل بإنصاف. فكان تقريرٌ من طبيب يؤكِّد أنَّه تعرَّض لإصابة بالغة في ركبته كافياً لحصوله على إعفاءٍ من الخدمة العسكرية. وقال: "في المجمل، خاض النظام اللعبة بمهارة".
كان العامل الثاني في قرار عدم ذهاب بعض مقاتلي المعارضة إلى إدلب والاستمرار بالقتال هوَ خيبة أملهم. فقال الدمشقي إنَّه بعد أن سقطت الغوطة في أبريل/نيسان الماضي، تملَّك العديد من مقاتلي المعارضة شعورٌ قويٌ بعدم جدوى الحرب، خاصةً عندما رأوا الحياة الطبيعية التي يعيشها الناس في دمشق.
ومع ذلك، قال البعض إنَّ لا شيء نهائي. فقال المقداد: "الثورة مستمرة، حتى تحقِّق أهدافها، وإطلاق سراح المحتجَزين، وإسقاط الأسد، وبناء سوريا مستقلة وديمقراطية". وفي المقابل، قال قائدٌ من قوات المعارضة في إدلب، يُدعى عبد السلام عبد الرزاق، إنَّ رجاله هُم "نُخبة مقاتلي الثورة، هؤلاء الذين رفضوا التحالف مع المجرمين". وأضاف أنَّ الرجال أمثال المقداد "لطالما كانوا خونة".