أصبح حديث الناس بتحركاته الداخلية والخارجية وخطواته الجريئة التي اتخذها خلال أربعة أشهر فقط هي عُمر توليه رئاسة الحكومة في بلاده. كما سُلطت عليه آلة إعلامية ضخمة بصورة لم تحدث لأيٍّ من أسلافه من قبل.
هذا هو آبي أحمد علي رئيس الوزراء الإثيوبي الذي صعد إلى المنصب في مطلع أبريل/نيسان الماضي ليصبح أول شخصية من عرقية "الأورومو" تتولى رئاسة الحكومة الإثيوبية بعد استقالةٍ تقدم بها هايلي ماريام ديسالين على خلفية احتجاجاتٍ واسعة في مناطق إقليمي أوروميا وأمهرا.
مهندس الكمبيوتر الذي حمل السلاح ضد الديكتاتور
مهّد انتخاب آبي أحمد رئيساً لحزب "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو" ــ وهو أحد الأحزاب الأربعة المكونة للائتلاف الحاكم في إثيوبيا في مارس/آذار الماضي ــ الطريق أمام الشاب البالغ من العمر 42 عاماً ليكون رئيساً للحكومة الإثيوبية. جدير بالذكر أنه وُلد في منطقة أغارو، قرب مدينة "جِيما" التابعة لإقليم "أوروميا"، والتحق بالكفاح المسلح عام 1990 مع رفاقه ضد حكم نظام الديكتاتور "منغستو هايلي ماريام" (1974–1991).
ليلتحق باستخبارات الجيش الإثيوبي في العام الذي سقط فيه منغستو وتدرّج بها حتى وصل إلى رتبة عقيد عام 2007. وتتمثل أبرز محطات آبي أحمد في الخدمة العسكرية أنه قاد إبان الحرب الإثيوبية الإريترية (1998ــ2000) فريقاً استخباراتياً لاكتشاف مواقع الجيش الإريتري في الجبهات الأمامية للقتال.
ولأنه حاصل على درجة البكالوريوس في هندسة الكمبيوتر من كلية "ميكرولينك لتكنولوجيا المعلومات" بأديس أبابا، بالإضافة إلى دراسات عليا في المجال نفسه، قام بتطوير وكالة أمن شبكة المعلومات الإثيوبية (إنسا) في عام 2007، وشغل منصب المدير العام للوكالة حتى عام 2010.
كما عمل عضواً في مجالس إدارة العديد من الوكالات الحكومية العاملة في مجال الإعلام والاتصالات، مثل التلفزيون الإثيوبي وشركة Ethio Telecom وهي شبكة الاتصالات التي تحتكر السوق في البلاد.
ثم تخلّى عن الاستخبارات من أجل السياسة
سياسياً، كان آبي أحمد أحد الكوادر النشطة في حزب "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، المشاركة في ائتلاف "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية" المكون من 4 أحزاب هي: "جبهة تحرير شعب تجراي"، و"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، و"الحركة الديمقراطية لقومية أمهرا"، إضافة إلى "الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا". وتدرّج آبي إلى أن أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم في الفترة ما بين 2010 إلى 2012.
وفي عام 2015 انتُخب عضواً في مجلس نواب الشعب الإثيوبي (البرلمان)، كما تم انتخابه من جديد عضواً في اللجنة التنفيذية لـ"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو".
وشغل الرجل لأول مرة منصب وزير العلوم والتكنولوجيا لفترة بسيطة من 2016 إلى 2017 قبل أن يترك الوزارة ويعود إلى إقليمه "أوروميا" نائباً للرئيس، وهو المنصب الذي صعد منه إلى رئاسة الحزب ثم الحكومة.
عن آبي أحمد يقول الإعلامي عبده نصر الدين المحرر بصفحة "إثيوبيا بالعربي" على "تويتر": "إنه يتمتع بالصبر وسعة الأفق، منفتح على جميع الآراء ومتابع جداً لما يدور في الإعلام الاجتماعي". ويضيف لـ"عربي بوست": "يحفظ له الناس أنه أخمد نار الفتنة في منطقة جيما عندما اندلعت مواجهات بين المسلمين والمسيحيين فقد نجح في تحقيق مصالحة تاريخية بالمنطقة". كما يلفت نصر الدين إلى أنه "من المفارقات أن الرجل الذي أتى بالسلام مع إريتريا كان في يومٍ من الأيام أحد المقاتلين على الجبهة".
وعن حياته الشخصية تقول زوجته زيناش تياتشيو وأم بناته الثلاث: "أعرفه جيّداً مذ كان في المخابرات بالجيش، وأعلم أنه مخلص ومصلح ومُحبّ كبير ينثر المحبة على كل من حوله". وتضيف قائلةً: "لا ينوي الاستمرار في السلطة لوقتٍ طويل وأنا فخورة به ولا أخشى عليه".
وموقفه من سد النهضة وحّد الإثيوبيين
في خطاب التنصيب أمام البرلمان الإثيوبي مطلع أبريل/نيسان الماضي، وصف رئيس الوزراء الجديد سد النهضة بأنه الموحّد للشعوب الإثيوبية، وعبارة الشعوب الإثيوبية اعتيادية لمن يعرف التكوين القبلي والإثني في إثيوبيا. وزار آبي أحمد مصر والتقى رئيسها عبدالفتاح السيسي في يونيو/حزيران الماضي، وهي زيارة اعتبرها كثيرون نقلة في العلاقات التي كانت متوترة بين البلدين على خلفية سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على منابع النيل الأزرق في الحدود مع السودان. فقد أقسم الرجل حينها على عدم الإضرار بمصالح مصر المائية جراء بناء السد.
تصريحات للرجل في لقاء مع المعلمين الشهر الماضي انتقد فيها تباطؤ العمل في سد النهضة، واعتبر أن السد بهذه الطريقة لن يتم إنجازه قبل أقل من 10 سنوات فُهِمت على أنه غير مُهتم بإكمال المشروع الكبير. إلا أن عاد وأكد في لقاءاته مع الجالية الإثيوبية بالولايات المتحدة الأسبوع الماضي أن "من يتخيل بأن بناء السد سيتوقف بمقتل الراحل المهندس سيمنجيو بيكيلي جاهل ولا يعرف الحقيقة". وأضاف أن عملية بناء السد منطلقة بقوة حتى النهاية و"سننتهي منها كما بدأناها".
أما إدارته للعلاقات مع السعودية والإمارات فقصة أخرى
في مايو/أيار أجرى آبي أحمد جولةً خليجية شملت السعودية والإمارات بحثت في ظاهرها العلاقات بين بلاده من جهة والرياض وأبوظبي من الجهة المقابلة. ثم كان الإعلان عن إطلاق سراح سجناء إثيوبيين من البلدين الخليجيين، وهي عادة تبناها آبي أحمد من زيارته الأولى للسودان؛ حيث طلب من الرئيس السوداني عمر البشير إطلاق سجناء الحق العام من مواطنيه فاستجاب له البشير وقادة الدول الأخرى.
ثم كانت زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى أديس أبابا في أول أيام عيد الفطر المبارك الماضي، وهي زيارة أثارت توجّساً وانزعاجاً حتى لدى بعض مؤيدي آبي أحمد والمعجبين به من المواطنين الإثيوبيين على مواقع التواصل الاجتماعي.
المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية: موقفنا من أزمة الخليج لم يتغير وهو موقف ثابت يتمثل في دعم الوساطة الكويتية pic.twitter.com/GN7hcnBlYD
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 11, 2018
وخلال الزيارة أوضح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية أحمد شيدي أن الإمارات تعهدت بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد الإثيوبي، منها مليار وديعة مباشرة، وملياران عبارة عن استثمارات متنوعة.
وقد أثمر ضخ المساعدات الإماراتية عن انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء الإثيوبية من 36 بِر إلى 29 للدولار الواحد، وهو ما يشكل إنجازاً لآبي أحمد الذي كان يزعجه انخفاض قيمة العملة الوطنية.
وفيما يتعلق بعلاقات إثيوبيا مع قطر في عهد آبي أحمد، فقد قام بابتعاث وزير خارجيته ورقنيه قيبيو محملاً إياه رسالةً خطية إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في مايو/أيار الماضي.
لم تتحدث وسائل الإعلام في البلدين عن مضمون الرسالة ولكن من توقيتها الذي استبق فيه زيارته للسعودية والإمارات يبدو أنها كانت "رسالةً تطمينية" للقيادة القطرية بأن مواقف إثيوبيا من الأزمة الخليجية ثابتة ولن تتغير في عهده من الحياد الذي أعلنته الحكومة السابقة بقيادة هايلي ماريام ديسالين.
وهو الموقف الذي حرص المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية ملِّس ألِم على تثبيته خلال مؤتمر صحفي دوري دأب على عقده نهاية كل أسبوع.
حتى مع محاولات التقارب الإماراتية لا يزال آبي يحافظ على حياده
يستند رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الإرث التاريخي الكبير لبلاده التي كانت تُعرف بـ"أرض الحبشة" في الأدبيات العربية والإسلامية "Abyssinia" في اللاتينية. وقد ذكّر آبي بهذا في حديثه للجالية الإثيوبية بالولايات المتحدة الذي سرد فيه حواره الشهير مع ولي عهد أبوظبي عن الإسلام. وأكّد فيه أن ملك الحبشة "أصحمة بن بحر" رفض الرشوة ولم يسلِّم الصحابة الذين لجؤوا إليه لقريش.
ربما أراد آبي أحمد أن يرسل عدة رسائل من سرده لهذا الحوار.. أولها أن يقول لابن زايد إن مواقف الإثيوبيين غير قابلة للشراء مهما دفعتم من مال، وثانيها لمواطنيه الذين تخوّفوا من تبعات الدعم الإماراتي والقمة الثلاثية التي جمعت آبي مع محمد بن زايد ورئيس إريتريا أسياس أفورقي، مفادها أن دعم أبوظبي لن يمنعني من انتقاد قادتهم.
وهي المعاني التي أشار إليها الكاتب الإثيوبي نور عبدا في تغريدة له على تويتر
من رسائل #أبي_احمد من خلال الكشف عن حواره مع #محمد_بن_زايد :
١- العلاقة مع #الامارات ليست شيك على بياض، هي تقاطع مصالح محسوب.
٢- #اثيوبيا ليست طرفا في الصراع الصفري والفكري في الشرق الأوسط.— Nur Abda (@NurAbda) July 31, 2018
كما أنه لا يريد أن يخسر قطر
وبالإضافة إلى ذلك لن يغامر آبي أحمد بخسارة دولة مهمة لها ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة مثل قطر، خصوصاً أن العلاقات معها تحسنت في الآونة الأخيرة. وربما يكون وزير الخارجية المحنك ورقينيه قيبيو لعب دوراً في إقناع آبي أحمد بهذا التوجه، والأخير يحتفظ بعلاقات مميزة مع نظيره القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.
علاوةً على أن الدوحة يمكنها أن تضخ مثل المبلغ الذي قدمته أبوظبي أو أكبر منه في الاقتصاد الإثيوبي المتعطش للاستثمارات الأجنبية؛ لأن السوق الإثيوبية واعدة وتستطيع استيعاب الجميع ليساعدوها في أزماتها الاقتصادية ومواجهة نقص العملة الأجنبية وقلة فرص العمل. فلماذا يخسر دولةً غنية مثل قطر وقد اتفق الشيخ تميم مع رئيس الوزراء السابق على رفع قيمة الاستثمارات القطرية في إثيوبيا إلى 8 مليارات دولار؟
والسبب الرابع قد يكون قناة الجزيرة التي افتتحت العام الماضي مكتباً إقليمياً في أديس أبابا، وقبل ذلك استطاعت القناة أن تنتج برنامجاً وثائقياً من عدة حلقات بعنوان "إثيوبيا على الأقدام"، روّجت فيه للمعالم السياحية والثورة الاقتصادية التي شهدتها أديس أبابا، وشجع البرنامج كثيراً من السياح على زيارة إثيوبيا. ولذلك إذا اتخذت حكومة آبي أحمد أي قرار ضد قطر أو قناة الجزيرة لن يكون في صالح إثيوبيا إعلامياً.