كانت لحظةً رهيبةً، صفير، وصراخ، وفرح، وبكاء.. أطلَّت عهد التميمي من باب السيارة الإسرائيلية العسكرية تعلو وجهها تلك الابتسامة الخافتة. ثم هوت إلى الأرض دفعة واحدة، وبدأت تحضّ أختاً أو صديقة أو أباً، والدموع تنهمر من عينيها. مشهد سريالي امتزجت فيه الطفولة مع شخصية تحوَّلت إلى أيقونة المقاومة الشعبية الفلسطينية. لكن، ومع ذلك، كانت عهد مليئة بالحكايات، بدأت بالأسورة التي ارتدتها في يدها، ووصلت إلى شقيقها الأسير، وانتهت بالثانوية العامة التي أتمَّتها داخل الأسر.
يوم أمس كان حافلاً بالنسبة لعهد وعائلتها، وكانت عهد التي دخلت السجن طفلة وخرجت منه فتاةً توزِّع ابتسامات ممزوجة بالدموع، لكن حملت الطفلة البريئة حكايات كثيرة.
شقيقي ما زال هناك
رغم فرحة عهد، ورغم فرحة أمها التي كانت معتقلة معها هي الأخرى وأفرج عنها يوم أمس، ورغم فرحة زوجها باسم، كانت الفرحة منقوصة. لأن وعد التميمي شقيق عهد ما زال معتقلاً. تقول ناريمان والدة عهد لـ "عربي بوست" رغم أنني خرجت أنا وابنتي من السجن، فإن القلب ما زال هناك، ابني وعد إلى الآن أسير، وأدعو له وللأسرى جميعاً بالحرية".
تقول عهد: "ليس فقط شقيقي الذي ما زال في الأسر، بل أشقائي كلهم هناك. كل الأسرى والأسيرات يعانون داخل السجن. وعلينا أن نواصل نضالنا من أجل إطلاق سراحهم".
وتعتقل قوات الاحتلال وفق نادي الأسير الفلسطيني 6500 فلسطيني حتى اليوم، فيما تم منذ احتلال فلسطين عام 1967 وحتى اليوم اعتقال أكثر من مليون فلسطيني.
دراستها توقفت، لكنها أتمّت من السجن
حين تم اعتقال عهد التميمي كان عمرها 17 عاماً، وكان من المفترض أن تؤدي امتحان الثانوية العامة، لكن اعتقالها حال دون ذلك. ولم يُخفِ باسم التميمي خوفَه على ابنته طيلة تلك الأيام. وقال لـ "عربي بوست": "كنت متيقناً أن مستقبل ابنتي انتهى قبل صدور الحكم، لكنها وبحمد الله كانت مثابرة، وأدّت الامتحان داخل المعتقل".
وتسمح سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتحت ظروف معينة، للأسرى الفلسطينيين، بالتقدم لأداء امتحانات الثانوية. واستغلَّت عهد الفرصة وتقدَّمت لأداء الامتحان. وقالت لـ "عربي بوست": "أتممت الامتحان رغم ظروف الأسر ونجحت فيه. وسأدرس القانون لكي أطارد مجرمي الحرب الإسرائيليين وأقاضيهم على ما يرتكبون من جرائم ضد أبناء شعبي".
المفارقة أن عهد ومَن رافقنها من أسيرات، قدمن إلى الامتحان، وسمّين صفَّهن "صفّ التحدي". تقول: "تحدي للكل أنو احنا بنقدر رغم كل شي".
حكاية الأساور والخاتم
حكايات عهد كثيرة، كان منها أسورتان وخاتم، ارتدتها في يدها منذ اللحظة الأولى، ولها حكاية بدأت داخل سجن هشارون الذي أمضت فيه عهد ثمانية شهور. وهو واحد من سجنين للنساء الفلسطينيات تقيمهما إسرائيل، والآخر يدعى الدامون، وفيهما تقبع لليوم 63 أسيرة فلسطينية.
وحسب عهد، فإن أسورة كانت على معصمها مربوطة بخاتم يلف أصبعها، كانت هدية من ممثلة المعتقل الذي كانت توجد فيه عهد، وفيها رسالة إلى العالم كله "حتى لو بقينا نحن النساء في السجن فإننا لن ننسى وطننا".
وعلى يدها الأخرى ارتدت عهد أسورة ثانية كتبت عليها كلمة "وعد"، شقيقها الذي لا يزال في سجون الاحتلال مع 350 طفلاً آخرين.
صمدت أمام الاحتلال، لكن ليس محل الآيس كريم
من بين الصور التي التُقطت لعهد التميمي أمس، صورة لها أثناء قيامها بأكل الآيس كريم.
Ahed Tamimi got to have some ice cream after eight months behind bars, after having to spend her 18th birthday in shackles. #NabiSaleh #Palestine "it's not just my story, it's all Palestinian children. Fight for them as you have fought for me" she tells me. pic.twitter.com/8Id75iv0Ua
— مريم البرغوثي (@MariamBarghouti) July 29, 2018
صورة تعكس حرماناً داخل السجن استمرَّ لمدة عام كما تروي صديقتها مرح التميمي لـ "عربي بوست". صحيح أنها غدرتني مع باقي الرفيقات، لكنها أرادت أن تأكل الآيس كريم الذي تحب. تركت كل الفوضى والإرباك الحاصل حولنا أثناء لحظة الإفراج، وتسلَّلت مع صديقاتها إلى أحد المحال واشترت الآيس كريم وأكلته".