ساعات ويُعلن في باكستان عن نتائج انتخابات برلمانية شديدة التنافس بين حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، جناح نواز شريف الحاكم، وبين الحركة الوطنية من أجل العدالة في باكستان (تحريك إنصاف)، التي يقودها نجم الكريكيت السابق عمران خان، ويأتي حزب الشعب الباكستاني في المركز الثالث.
وهناك عدة أسباب تجعل الانتخابات التي انطلقت اليوم الأربعاء، 25 يوليو/تموز 2018، مهمة أكثر بالنسبة للخليج.
يقول خبراء في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، في تقرير نشره موقع Al Arabiya السعودي، إنَّ نتائج هذه الانتخابات ستشكل طبيعة العلاقات بين الدولة صاحبة الترسانة النووية وجيرانها في المنطقة، بل وغيرها من الدول.
إذ يرون أنَّ المرشح الفردي أو الحزب السياسي الذي سيفوز في الانتخابات سيتعين عليه إعادة تقييم المنطقة جيوسياسياً، ويعيد تشكيل الكثير من العلاقات.
وبالمثل، تدرك الكثير من العواصم الخليجية والشرق أوسطية أهمية دور إسلام آباد في الهيكل الأمني للمنطقة، ومن ثم سيراقبون نتائج المنافسة الشرسة التي يُحتمل أن تشتعل في باكستان.
شريك أساسي
قال الدكتور كامران بخاري: "باكستان هي شريك أساسي لدول الخليج وخاصة السعودية، وهناك جالية باكستانية ضخمة في هاتين الدولتين وغيرهما من دول الخليج، لذا تهتم الرياض وأبوظبي بالتغيير السياسي الذي يطرأ عليها".
وأضاف بخاري، المحاضر الكبير في معهد السياسات والأمن التابع لجامعة أوتاوا الكندية، أنه سيكون من المثير رؤية رد فعل دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، إذا تولى السلطة حزب "حركة إنصاف" بقيادة عمران خان.
وتابع: "إلى الآن، تعامل السعوديون والإماراتيون مع الجيش الباكستاني والحكومة بقيادة حزب الشعب الباكستاني، وأخرى بقيادة الرابطة الإسلامية. وفي حال وصول حركة إنصاف إلى الحكم، فسيجدون أنفسهم في مواجهة شريك جديد في إسلام آباد".
ويعتقد بخاري أنَّ العالم العربي "يمكنه التعلم من مسار باكستان"، في ظل ما يمر به من تغير اجتماعي وسياسي كبير.
عامل استراتيجي
قال دكتور مؤنس أحمر، مدير برنامج دراسات السلام وتسوية الصراع في جامعة كراتشي، إنَّ العالم العربي لا يمكنه تجاهل تغير الحكومة في باكستان؛ لأنها دولة نووية وثاني أكبر دولة مسلمة.
ويقول: "تقع باكستان عند ملتقى وسط وغرب وجنوب آسيا والخليج، وقد تؤثر نتائج الانتخابات بشدة على سياساتها الخارجية. ويشكل كذلك نمو العلاقات الأمنية والاستراتيجية مع السعودية عاملاً حاسماً، يدفع لأخذ الانتخابات في باكستان على محمل الجد".
من جانبها، ترى الدكتورة أرشي سالم هاشمي، الأستاذة المساعدة بجامعة الدفاع الوطني في إسلام آباد، أنَّه برغم الدور الدبلوماسي الحيوي الذي تضطلع به باكستان في منطقة الخليج، يتعين على دول هذه المنطقة التركيز على التعاون العسكري بين باكستان والكثير من الدول في الشرق الأوسط.
إذ ستتغير هذه الأوضاع بالتأكيد مع وجود حكومة جديدة. غير أنَّ أرشي هاشمي تؤكد أنَّ طبيعة العلاقات بين باكستان والسعودية تتجاوز تعلقها بحكومة سياسية معينة، فلطالما احتفظت الأنظمة الحاكمة التي توالت على باكستان بعلاقات طيبة مع السعودية.
من منظور إيراني
وباكستان بلد منقسم، فالشيعة هناك يقفون إلى جانب إخوانهم الإيرانيين، غير أنهم يشكلون نسبة 20% من مجموع السكان، أي 40 مليون نسمة.
ويبقى السُّنة الأغلبية في البلاد التي تربطها علاقات وطيدة مع الرياض. ولكن في ظل وجود أقلية شيعية كبيرة العدد في باكستان فإن البلد الآسيوي مُعَرض لخسارة الكثير إذا أُثيرت بداخله توترات طائفية. هذا الوضع الحساس لباكستان يقول عنه طاهر مالك، أستاذ بالجامعة الوطنية الباكستانية: "إيران والسعودية تكتسيان أهمية كبيرة بالنسبة لباكستان. فإيران هي جارتنا المباشرة. والعربية السعودية شريكنا الوثيق. ويجب على سياستنا الخارجية أن تراعي مصالحنا القومية، وليس مصالح مجموعة دينية".
ويقول دكتور أحمر، وفق موقع Al Arabiya، إنَّ إيران سيكون لها دور في تطور العلاقات مستقبلاً. إذ يرى أنَّ إيران ترغب في أن يقف النظام الحاكم في باكستان موقفاً حيادياً، ويستجيب لطلب الرياض بإرسال قوات للمشاركة في الحرب في اليمن.
في حين تقول الدكتورة أرشي هاشمي، إنَّ باكستان بعثت برسالة واضحة مؤخراً، مفادها أنها لن تكون طرفاً في أي صراع بالمنطقة، مضيفة: "تشعر باكستان براحة أكبر بإقامة علاقات مع كل من السعودية وإيران".
هناك توافق داخل مؤسسات الحكم في باكستان، وتحديداً الجيش، يدعم الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع إيران والسعودية. ولن تتضح حقيقة ما إذا كان سيستمر هذا الوضع أم لا، سوى بعد إعلان نتائج الانتخابات في باكستان.
العلاقات بين السعودية وباكستان: التحول من نطاق شخصي إلى استراتيجي
تعمل السعودية وباكستان على عدة أصعدة حالياً، لتعزيز العلاقات، وإضفاء طابع رسمي إليها، بعد أن كان يحددها تاريخياً طبيعة العلاقات بين الملوك في الرياض ورؤساء الحكومات في إسلام آباد، وفقاً لما ذكره المعهد الملكي للخدمات المتحدة البريطاني.
وكان الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للمخابرات العامة السعودية، قد وصف سابقاً العلاقات بين السعودية وباكستان بأنها "ربما تكون من أوثق العلاقات في العالم بين بلدين من دون أية معاهدة رسمية".
ولفترة طويلة، اتَّسمت العلاقات بين البلدين بتدفق رؤوس الأموال من جانب المستثمرين السعوديين، مقابل التعاون العسكري. فوفقاً لآخر الإحصائيات المتاحة وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في الفترة من منتصف 2012 إلى منتصف 2013 إلى 5 مليارات دولار.
وفي يناير/كانون الثاني 2018، تعهَّدت السعودية وباكستان بتعزيز العلاقات الاقتصادية بتوقيع اتفاق تجارة تفضيلية، في إطار خطة ولي العهد محمد بن سلمان "رؤية 2030".
وأرسل السعوديون مؤخراً وفدين بارزين إلى باكستان، بهدف استكشاف فرص استثمارية تجارية والعلاقات الدفاعية، ومشاركة معلومات استخباراتية في مجال مكافحة الإرهاب، وتشكيل مجموعات عمل استراتيجية تكون معنية بالتطور الذي تشهده العلاقات مستقبلاً.
وأعلنت السعودية كذلك مؤخراً، أنها ستنضم إلى الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان -وهو مشروع استراتيجي متكامل يأتي جزءاً من برنامج تنمية باكستان "رؤية 2025"- إضافة إلى أنها تنظر في مباشرة استثمارات في ميناء جوادر الباكستاني؛ ما سيعزز التبادل التجاري بين البلدين.
وفي فبراير/شباط من العام الجاري، استقبل ولي العهد السعودي، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا، في العاصمة الرياض؛ لمناقشة العلاقات العسكرية الثنائية، مع التركيز على كيفية تعزيز وتنمية التدريبات العسكرية والمناورات المشتركة وتبادل الخبرات.
والأبرز من ذلك هو أنَّ كلا البلدين أبديا اهتماماً ببناء علاقات أمنية مترابطة لا تتعارض مع علاقات أي منهما مع دول أخرى. فمن جانبها، تعمل السعودية على تعزيز الروابط الاستراتيجية مع الهند من دون المخاطرة بعلاقاتها مع باكستان.
أما باكستان، فبرغم التقارب الأخير مع إيران، أكدت دعمها للمصالح السعودية في تصديها للتدخل الإيراني في أمنها الوطني وفي أمن الخليج. وفي المقابل، ساندت المملكة باكستان داخل منظمة التعاون الإسلامي في نزاعها مع الهند حول منطقة كشمير.
وتشير معظم التوقعات إلى أن النتائج ستسفر عن انتخاب برلمان معلَّق، مما يتطلب تشكيل حكومة ائتلافية؛ إذ إن التقدم الطفيف الذي يتمتع به حزب حركة الإنصاف بزعامة خان على حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، جناح نواز ليس من المرجح أن يؤدي إلى الحصول على أغلبية المقاعد المنتخبة في البرلمان، وعددها 272 مقعداً.
وبحسب لجنة الانتخابات الباكستانية، يحق لـ 105 ملايين و960 ألف ناخب المشاركة في الانتخابات العامة.
ويتنافس نحو 12 ألفاً و27 مرشحاً، لحجز 849 مقعداً في كل من المجلس الفيدرالي، ومجالس الأقاليم، 272 مقعدا منها في المجلس الوطني الباكستاني (NA)، و577 مقعداً في مجالس الأقاليم.
ومن ناحية أخرى، يختار نواب البرلمان أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 104 أعضاء، لمدة ولاية قدرها 6 أعوام.
ويتولى المجلس الوطني مهمة التشريع بالبلاد، في حين يفوز بمنصب رئيس الوزراء، رئيس الحزب الأكثر نيلا للأصوات، إلا أنه يحتاج لنيل الدعم من 172 عضواً في المجلس الوطني لتشكيل الحكومة.
كيف توزع المقاعد
ويضم المجلس الوطني 342 مقعداً، حيث يختار الشعب 272 عضواً منهم بشكل مباشر، في حين يخصص 60 مقعداً -من أصل 70- للنساء، والمقاعد العشرة الأخرى مخصصة لممثلي الأقليات الدينية، حيث تختار لجنة الانتخابات هؤلاء النواب من الأحزاب التي تتجاوز حاجز الـ 5%.
وتبلغ مدة ولاية الحكومة التي ستنبثق عن المجلس الوطني 5 أعوام، إذ يعد حزب الرابطة الإسلامية (PML-N)، الوحيد الذي أكمل مدة ولايته بعد فوزه في انتخابات عام 2013.
ويتم تمثيل إقليم البنجاب، أكثر أقاليم البلاد اكتظاظا بالسكان، بـ148 نائباً في المجلس الوطني، بينما يمتلك إقليم بلوشستان 14 مقعداً، وإقليم السند 61 مقعداً، وإقليم خيبر بختونخوا 35 مقعداً، في حين يمثل 14 نائبا المنطقة القبلية (FATA).
وبهذا يلعب إقليم البنجاب، الذي يضم نحو 60% من سكان البلاد، دوراً كبيراً في حسم الانتخابات وتحديد الحكومة المقبلة.
كما تمتلك الأقاليم الأربعة في البلاد، مجالس إدارية خاصة بها، حيث تتضمن أيضا مقاعد للنساء، ولممثلي الأقليات الدينية.
ويبلغ إجمالي تعداد مقاعد مجالس الأقاليم الأربعة، وهي البنجاب، والسند، وبلوشستان، وخيبر بختونخوا، 728 مقعداً، حيث يساهم الشعب في اختيار 577 ممثلاً فيها بشكل مباشر.
ويعد عدد مقاعد مجلس إقليم البنجاب هو الأكبر بـ297 مقعداً، يليه مجلس إقليم السند بـ130، ثم خيبر بختونخوا بـ99، وأخيراً مجلس إقليم بلوشستان بـ51 مقعداً.
وخلال مايو/أيار الماضي، جرى إلحاق منطقة القبائل إلى مجلس إقليم خيبر بختونخوا، حيث ستمتلك المنطقة في المجلس 24 مقعداً، إلا أن الممثلين في هذه المقاعد سيبدأون مهامهم عقب الانتخابات المحلية المقبلة العام القادم.
المنافسة على تشكيل الحكومة
يعد رئيس الحزب الأكثر حصدا للأصوات هو المخوّل بتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنه يجب عليه نيل ثقة الأغلبية في المجلس (50+1).
وتبرز 3 أحزاب وتحالف واحد في الانتخابات التشريعية، التي سيشارك فيها حوالي 100 حزب وتحالف، يأتي في مقدمتها، حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، الذي تمكن من تشكيل الحكومة في الانتخابات الماضية، لكن المحكمة الدستورية عزلت رئيس الوزراء (نواز شريف) فيما بعد.
وتمكن حزب الرابطة الإسلامية من تشكيل الحكومة 3 مرات، منذ تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه تم عزله عن الحكم نتيجة انقلاب عسكري بالمرة الأولى، وإثر الضغوط السياسية في المرة الثانية.
وبالرغم من سجن رئيس الوزراء حالياً، لكن يعد هذا الحزب هو الوحيد الذي أكمل فترة حكومته الممتدة لـ5 أعوام لآخرها، بنتيجة فوزه بانتخابات 2013.
وعقب عزل نواز شريف بتهمة "الفساد" ودخوله السجن، تولى شقيقه شهباز شريف رئاسة الحزب، ورئاسة حكومة إقليم البنجاب.
وتعد حركة العدالة الباكستانية (PTI)، ثاني أكبر مرشح لتشكيل الحكومة، حسب استطلاعات الرأي، وأسسه ويترأسه كابتن فريق الكريكيت السابق الحائز بطولة العالم، عمران خان.
ويعتبر "خان" من أشد معارضي حزب الرابطة الإسلامية ونواز شريف، كما يلفت الأنظار بتصريحاته المناهضة للفساد.
وحسب الاستطلاعات، يعتبر حزب الشعب الباكستاني (PPP)، برئاسة بيلافال بوتو زرداري، نجل رئيسة الوزراء الراحلة نتيجة عملية اغتيال، بيناظير بوتو، ونجل رئيس البلاد السابق آصف علي زرداري، ثالث أكبر حزب في الانتخابات، حيث من المرتقب أن يلعب دوراً مصيريا في تشكيل الحكومة، في حال أفضت الصناديق إلى حكومة ائتلافية.
وبالرغم من عدم امتلاكه الحظوظ الكافية لتشكيل الحكومة، يدخل "مجلس العمل المتحد"، الانتخابات وسط تحالف مع 5 أحزاب، فضلاً عن بعض المجموعات الدينية الكبرى بالبلاد.
________________
اقرأ أيضاً