"صندوق سيادي مصري برأسمال 200 مليار جنيه (11 مليار دولار)، يقوم باستغلال وإدارة أصول الدولة، ويحق له تأسيس صناديق فرعيةً بمفرده أو بالمشاركة مع الصناديق العربية".
كان هذا مجمل القانون الجديد الذي وافق عليه البرلمان المصري، وهو ما كان محور تساؤل كثير من المصريين الذين لم يفهموا المغزى وراء إنشاء هذا الصندوق، خصوصاً وأنه أمر مستحدث عليهم لم يعهدوه من قبل.
وكان مجلس النواب وافق بصورة نهائية خلال الجلسة العامة المنعقدة يوم الإثنين يوم 16 يوليو/تموز 2018، برئاسة الدكتور علي عبد العال، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بإنشاء صندوق مصر.
وينص مشروع القانون على إنشاء الصندوق بموجب قانون خاص لتمكينه من العمل وفقاً لمعايير واضحة، لاسيما وأن لمثل هذا الصندوق ممارسات وحقوقاً مختلفة في بعض الأوجه عن الشركات التجارية، ومنها على سبيل المثال سلطة الدولة فى نقل ملكية بعض أصولها للصندوق لاستثمارها من جانبه.
ويبلغ رأسمال الصندوق 200 مليار جنيه وذلك للتأكيد على قوة وحجم وملاءة الصندوق، أما رأس المال المصدر فيبلغ مقداره 5 مليارات جنيه تسدد من الخزانة العامة وتدفع منه عند التأسيس مليار جنيه وتسدد الباقي وفقاً لخطط محافظ الاستثمار المقدمة من الصندوق خلال 3 سنوات من تاريخ التأسيس.
فما هو الغرض من هذا الصندوق إذاً؟ وما الذي نتوقعه منه؟
فكرة الصندوق تعود لأيام مبارك
أحد المسؤولين السابقين في حكومة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، تحدث إلى "عربي بوست" شريطة عدم ذكر اسمه"، قائلاً إن هذا الصندوق فكرته ليست بالجديدة، بل هي فكرة قديمة تعود لعام 2007، خلال فترة رئاسة أحمد نظيف للحكومة.
وأوضح أنه في ذلك الوقت، كانت هناك رغبة لدى كل من المشير طنطاوي وزير الدفاع ومنير ثابت صهر الرئيس الأسبق حسني مبارك، في شراء بعض ممتلكات مصر المؤممة في الخارج، وتحديداً أحد القصور التي كانت تخضع في ذلك الوقت لحيازة وتصرف شركة الشرق للتأمين.
اعترض مدير الشركة السيد عبدالله بدر على عملية البيع ومنع إنفاذها، ووقف بطرس غالي وزير المالية حينها في صفه، مما أدى لنشوب أزمة داخل الحكومة بين غالي من جانب وبين وزير الدفاع من جانب آخر.
هنا قرر أحمد نظيف إصدار قرار بدمج كل شركات التأمين الأهلية، تحت شركة قابضة واحدة يكون لها الحق في "إنفاذ أي عملية على تلك الممتلكات.
وقد علق رئيس شركة الشرق للتأمين حينها على القرار، قائلاً "الحكومة تسرعت في اتخاذ هذا القرار".
وبحسب المصدر، فإن تلك الأزمة خلقت حساسية، بل و"عداءً مكتوماً" بين بطرس غالي والمشير طنطاوي، وهو ما ظهر جلياً بعد أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وما تلاه من استحواذ الجيش على السلطة، "عملياً كل وزراء مبارك الذين كانوا على ذمة قضايا فساد مالي، سويت إشكاليتهم وقضاياهم عدا بطرس غالي ومحمد رشيد".
الإمارات تقدم النصيحة
وقال المسؤول الحكومي السابق إن هذه الأزمة بين الوزيرين وصلت لمبارك، بالطبع، وهنا تلقى الرجل نصيحة من الإمارات فحواها "لماذا كل هذا الهراء، لماذا لا تنشئ صندوقاً سيادياً مثلنا يكون مسؤولاً عن إدارة وبيع ونقل الأصول المصرية؟".
رحب الرئيس بالفكرة وتقرر فعلاً إنشاء الصندوق، لكن أحداث يناير وما تلاها عرقلت التنفيذ، حتى جاء الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي وقرر إحياء الفكرة القديمة من جديد.
3 مهام أساسية
وطبقاً لأحد المصادر المطلعة لـ"عربي بوست"، فإن الصندوق السيادي الجديد سيكون مسؤولاً عن 3 مهمات:
1- بيع -حال الاحتياج- الأصول المصرية في الخارج سواء كانت قصوراً أو ممتلكات عقارية أو أراضي.
2- تنفيذ عملية خصخصة وبيع الشركات الحكومية الخاسرة.
3- ستدخل به مصر شريكاً في مشروع نيوم العملاق المزمع إقامته في سيناء، بشراكة مع كل من السعودية والأردن.
لكن هناك من يعترض
اقتصادياً هناك خلاف بين الخبراء، فمن جانب هناك من يراها فكره جيدة ومفيدة. محب دوس رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الاستشارات المالية، يرى أن "وجود تلك الصناديق السيادية أمر جيد لتسهيل عملية الاستثمار داخلياً وخارجياً"، على حد وصفه.
وأضاف لـ "عربي بوست" إن صندوق تحيا مصر لديه قدرة واعدة للنمو والنجاح مثلاً.
واختتم دوس حديثه قائلاً إن خلق مجال من التشكيك وسوء الظن غير المبني على أسس أو معلومات دقيقة "هو الخطر الأكبر على أي مشروع قومي تنوي مصر القيام به".
لكن على الجانب الآخر، هناك أصوات متشككة في الصندوق، مثل هاني عبد النبي، أستاذ الاقتصاد، الذي علق على إنشاء الصندوق قائلاً: "بشكل عام ظهرت تلك الصناديق في الخليج لاستغلال فوائض العوائد البترولية، وهو أمر يبدو منطقياً في تلك الدول الثرية، أما مصر التي تعاني أزمات اقتصادية حقيقية وعجزاً كبيراً في الموازنة، فأخشى أن يكون الصندوق باباً خلفياً لبيع الأصول المصرية المعطله ليس إلا"!