"في 7 دقائق.. تستطيع حجز شقة بالعاصمة الجديدة على الموقع الإلكتروني".
هكذا عنون موقع إلكتروني مصري خبره عن بدء الحجز في الشقق التي طرحتها وزارة الإسكان بالعاصمة الإدارية الجديدة يوم الأربعاء 18 يوليو/تموز 2018.
لم يكن التعامل مع الأجهزة الحكومية المصرية يوماً بهذه السهولة التي يشير إليها العنوان، ولكن يبدو أن العاصمة الجديدة حظها مختلف؛ إذ تقول الحكومة إن المدينة التي تعادل مساحتها دولة سنغافورة، ستغير وجه البلاد.
وتتطلع الحكومة إلى أن يعالج هذا المشروع الذي يقع على بعد نحو 60 كيلومترا من القاهرة مشكلة ازدحام العاصمة القديمة، ويقدم نموذجاً مماثلاً أو منافساً لدبي التي تخلب لُب كثير من زعماء الشرق الآوسط .
ومنذ أن أعلن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، نيته إنشاء عاصمة جديدة لبلاده بالتعاون مع المستثمرين الإماراتيين (قبل انسحابهم ومن بعدهم الصينيون) ويسمع المصريون عن العاصمة الجديدة الكثير، دون أن يروا غالباً سوى صور فوتوشوب، وإعلانات منتشرة في الطرق الرئيسية تروج للكومباوندات (مشروعات سكنية مغلقة) في العاصمة الجديدة، إضافة إلى تصريحات حكومية عن قرب انتهاء معالم المدينة الأساسية مثل الكنيسة والمسجد ومقر البرلمان، مع وعود دائمة بأنها ستكون الأضخم أو من بين الأضخم في العالم أو المنطقة.
أسعار مليونية منذ البداية
والآن مع طرح وزارة الإسكان المصرية وحدات سكنية للمواطنين في المدينة التي لم يسكنها أحد بعد، فإن اللافت أن أسعارها جاءت أعلى من أسعار بعض المدن المسكونة أصلاً والتي يُنظر إليها على أنها مدن الصفوة.
فقد طرحت وزارة الإسكان المصرية نحو 2000 وحدة في المرحلة الأولى من شقق العاصمة الإدارية، وبدأ التسجيل بالموقع بداية من الأربعاء 18 يوليو/تموز 2018، من خلال الموقع الإلكتروني (www.hdb-reservation.com).
وقبل طرح الشقق، أعلنت الوزارة أن أسعار شقق العاصمة الجديدة ستبدأ من 11 ألف جنيه وتصل إلى 13 ألف جنيه للمتر الوحد حسب موقع الشقة وتميزها، وذلك بمساحات تبدأ من 110 أمتار مربعة وحتى 180 متراً مربعاً، وستكون الشقق كاملة التشطيب وجاهزة للتسليم مباشرة.
ويصل ثمن أعلى شقة في هذا الطرح إلى مليون و883 ألف جنيه، وهي تقع في حي مميز بالعاصمة الجديدة.
وتفوق أسعار هذه الشقق الأسعار المحتملة للمرحلة المقبلة لمشروع دار مصر، في مدينتي القاهرة الجديدة والشيخ زايد الراقيتين وهو أحد أكثر مشروعات الإسكان الحكومي التي لاقت مراحله الأولى إقبالاً ورواجاً في إعادة البيع بمصر.
ولكن، ماذا عن تجربة القطاع الخاص في العاصمة؟ هل نجحت؟
"هناك إقبال كبير على شراء الشقق السكنية في العاصمة الجديدة"، هكذا يؤكد مالك إحدى شركات التسويق العقاري التي تعمل وسيطاً في بيع الشقق بالعاصمة الإدارية الجديدة.
ويضيف المالك، الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه لـ"عربي بوست": "بسبب هذا الإقبال ركزنا نشاطنا على العاصمة الجديدة أكثر من القاهرة الجديدة ومدينتي وغيرها من المناطق، فكل أسبوع أو أسبوعين هناك مشروع جديد يُطرَح".
وعندما سألناه عما إذا كان يذهب بالزبائن لرؤية المشروعات على أرض الواقع، أجاب: "بالطبع، لا نذهب بهم إلي هناك، وأنا شخصياً لم أذهب إلى هناك قط، ولكن مررت بجوارها".
وأردف مفسراً أنه يصعب التحرك بالعاصمة الجديدة في ظل عدم استكمال كثير من الطرق والمرافق، باستثناء بعض المنشآت الحكومية التي انتهت، الأمر الذي يجعل معالم المدينة غير واضحة بعد.
وأضاف قائلاً: "عدم ذهاب الزبائن لموقع المشروع أمر طبيعي لمعظم من يشترون بمشروعات سكنية جديدة في أي مدينة جديدة، فهم يعتمدون على الثقة بالشركة".
هناك التزام بالجدول الزمني
ولكن الزبائن، حسب صاحب شركة التسويق العقاري، يشاهدون مطبوعات لكل المشروعات، وهناك التزام كبير بالجدول الزمني الموضوع للتنفيذ من قِبل الشركات؛ نظراً إلى صرامة الأجهزة المعنيَّة بالعاصمة الجديدة مقارنة بالمدن الجديدة الأخرى في مصر.
وبالفعل، فإن الأستاذ الجامعي "م.س" لم يذهب إلى العاصمة الجديدة قط رغم أنه اشترى شقة هناك منذ عدة أشهر.
ويشير أيضاً إلى وجود قدر ملحوظ من الالتزام من قِبل الشركة التي اشترى منها على الرغم من أنها ليست شركة كبيرة، حيث بلغه أنها تعمل بجد في مراحل الحفر والإعداد للبناء.
وهو يعزو ذلك أيضاً إلى صرامة الأجهزة المعنية، مشيراً إلى أنه يتم الإعلان دورياً عن الشركات الملتزمة بدفع أقساط الأراضي التي اشترتها.
"اشتريت رغم أنني لا أنوي السكن هناك"
الأستاذ الجامعي لم تخصَّص له شقة بعينها بعد؛ إذ إنه لا يعرف موقع الشقة التي اشتراها داخل الكومباوند ولا الطابق الذي توجد فيه، ولكن تحددت مساحتها فقط، غير أنه قرر بيعها حتى قبل التخصيص، لظروف خاصة به.
ويُرجع قراره إلى أنه ليس لديه نية للعيش في العاصمة الجديدة، ولكنه تعامل مع الأمر كمصدر ربح وضمان لقيمة مدخراته؛ خوفاً من تكرار هبوط الجنيه مقابل الدولار، والآن يفكر في بيعها بعد أن ارتفع الثمن الذي تبيع به الشركة من نحو 6 آلاف جنيه للمتر (الدولار يساوي نحو 17.5 جنيه) عندما اشترى منذ بضعة أشهر، إلى نحو 9 آلاف جنيه.
ولكن صاحب شركة التسويق العقاري يشير إلى أن إعادة بيع الشقق لا تتم بنفس سرعة وسهولة بيع الشقق الجديدة؛ لأن هناك مشروعات جديدة تنزل السوق ولا أحد يتعجل السكن بالعاصمة الجديدة، الأمر الذي يقلل الإقبال على الشقق المعروضة من المشترين الأوائل، لأنهم يطلبون مقدمات كبيرة في الأغلب.
ويعتبر من يتوقع أن يسكن هناك خلال 4 سنوات متفائلاً، فطبيعة المدن الجديدة وتاريخها يشيران إلى أن العاصمة الإدارية الجديدة تحتاج إلى 10 سنوات لتكون بها كثافة مقبولة للسكن.
مدينة للصفوة.. فهل سيسكن الفقراء خارجها؟
حرصُ وزارة الإسكان المصرية على بيع هذه الشقق التي طرحتها في العاصمة الإدارية الجديدة بهذا السعر المرتفع الذي يفوق سعر المتر في كثير من مناطق مصر الآهلة بالسكان والراقية، يُظهر شيئين: الأول أنها تهدف للربح، والثاني هو أنها تريدها مدينة نخبوية.
وهذا ما يؤكده لـ"عربي بوست" مصدر مطلع، نقلاً عن مسؤول كبير في شركة العاصمة الجديدة، أبلغه أنه في الأغلب لن يكون هناك إسكان اجتماعي في العاصمة الجديدة، وإن وجد فسيكون بشكل رمزي.
أما العمال والطبقات الفقيرة العاملون في المدينة، حسب المسؤول، فسيسكنون في الأغلب بمدينة بدر المجاورة للعاصمة الجديدة.
شبهة أنها مدينة الأغنياء تطارد العاصمة الجديدة دوماً؛ الأمر الذي دفع المتحدث باسم وزارة الإسكان هاني يونس، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، لتأكيد أنها ليست للأغنياء فقط، وقال إنه سيتم قريباً طرح إسكان اجتماعي بها، (إسكان مخفض السعر يكون مدعوماً من الدولة غالباً).
ولكن بعدها بأيام، قال اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس مجلس إدارة شركة العاصمة الإدارية الجديدة، إن المرحلة الحالية (الأولى) لن يوجد بها إسكان اجتماعي.
إنه يشبه الجدار العازل الذي تشيِّده إسرائيل
وزاد الشعور بنخبوية المدينة إن لم يكن إنعزالها، عندما تداول نشطاء مصريون على موقع التواصل الاجتماعي صوراً لأعمال بناء سور بارتفاع 7 أمتار حولها، معتبرين أنه يشبه الجدار العازل الذي تشيده إسرائيل، مؤكدين أن الحكومة ترغب في تأمين العاصمة الجديدة وتحصينها بشكل غير مسبوق.
غير أن محمد عبد المقصود، رئيس جهاز العاصمة الإدارية الجديدة، نفى ذلك، وقال إن العاصمة الإدارية على مساحة 180 ألف فدان، وتساءل: "من المجنون الذي يتصور أنه يمكن بناء سور حول هذه المساحة الضخمة؟!".
وأضاف عبد المقصود أن السور "قد يكون في منطقة بقلب العاصمة، أو حول محطة للكهرباء أو المياه، أو حول منشأة ما".
ولكن أحد مسؤولي شركات التسويق العقارية قال لـ"عربي بوست"، إن السور يمتد خارج المدينة نحو 15 كم، ويعتقد أنه سوف يحيط بالأجزاء الحكومية بها أو مناطق معينة.
ولكن متى ينتقل الرئيس والحكومة إلى هناك؟
الرئيس سيحكم من العاصمة الإدارية الجديدة في يونيو/حزيران 2019، هكذا أعلن رئيس شركة العاصمة الجديدة قبل نحو 9 أشهر.
الأمر الذي يثير تساؤلاً مفاده، كيف سيتم بناء مؤسسات الدولة خلال تلك الفترة؟ وكيف سيتم نقل الموظفين؟.
ينقل المصدر المطلع عن المسئول الرفيع المستوى بشركة العاصمة الجديدة قوله إن عملية نقل الوزارات لن تشمل كل الموظفين؛ بل من وصفهم بالموظفين الفاعلين، وسيُترك الآخرون غير الفاعلين في المقرات القديمة، وهذه إحدى وسائل التطوير الإداري.
أما بالنسبة لآلية توزيع الأراضي على الوزارات والمؤسسات الحكومية، فحسب المسؤول سيتم -بالنسبة لغالبيتها- عبر بيع أراضٍ في العاصمة الجديدة لهذه المؤسسات والوزارات، ولن يكون هناك مِنح مجانية في الأغلب.
ويمكن أن تحصل هذه الوزارات والمؤسسات على أثمان القطع الجديدة عبر بيع بعض أراضيها غير المستغلة في القاهرة والمناطق الأخرى.
ومع اقتراب الموعد المحدد لنقل مؤسسات الحكم.. ما الذي تم تنفيذه فعلياً بالعاصمة الجديدة؟
بعيداً عن الصور الفوتوشوب المتعددة لمعالم العاصمة الجديدة، "عربي بوست" اطلع على بعض ما نشرته وسائل الإعلام المصرية من أخبار وصور واقعية للتطور الذي حققته معالم العاصمة المصرية الجديدة.
وكان واضحاً أن أبرز المشروعات التي انتهت في العاصمة الجديدة فندق الماسة التابع للقوات المسلحة، والذي افتُتح في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
كما أن الرئيس حضر القداس في الكنيسة بالفعل
أما كنيسة العاصمة الجديدة التي سُميت كنيسة السيد المسيح، فقد أُعلِن أنها ستكون أكبر كنيسة في الشرق الأوسط، وتصميمها مماثل لتصميم الكاتدرائية الحالية (الكنيسة المصرية الرسمية)، المصممة على شكل صليب وتعبر عن الروح المصرية، حيث تحاط قباب الكنيسة بزهرة اللوتس، بالإضافة إلى الحفاظ على الهوية القبطية والتراث المسيحي.
وفي 6 يناير/كانون الثاني 2018، افتتح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسى، كنيسة العاصمة الإدارية، وترأّس البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، أول احتفال بعيد الميلاد بها، بحضور الرئيس.
والكنيسة ستحتوي على مكان يتسع لنحو 15 ألف مواطن، سيجري تجهيزه لإقامة القداسات، وتبلغ مساحتها 4 أضعاف الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (الكنيسة الرسمية)، حسب اللواء أحمد زكي عابدين، رئيس شركة العاصمة الإدارية الجديدة.
ومن المتوقع أن يتم افتتاحها بشكل رسمي في يناير/كانون الثاني 2019.
يُفترض الانتهاء من مقر البرلمان في 2019
البرلمان قاعته ستسع 1000 نائب بدلاً من 500، ولن يكون هذا الاختلاف هو الوحيد بين مقر البرلمان المصري الجديد والمقر العريق القديم الكائن في شارع قصر العيني بوسط القاهرة.
مقر البرلمان الجديد يقع بجوار الحي الحكومي في العاصمة الجديدة، ويبعد أقل من 10 دقائق عن الكنيسة الكاتدرائية، فهو في قلب المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية.
وينفَّذ البرلمان الجديد بالعاصمة الإدارية على مساحة تقارب 33 فداناً، أي تماثل 3 أضعاف مساحة مبنى مجلس النواب الحالي.
وقبة البرلمان في العاصمة الإدارية الجديدة ستكون من أعلى القباب في مصر، فهي تقام على ارتفاع 64 متراً، وقطرها يصل إلى 50 متراً.
والعمل مستمر في مبنى البرلمان حتى يتم الانتهاء منه منتصف العام المقبل (2019) كما هو مقرر.
مسجد العاصمة الإدارية الجديدة لم ينته بعد!
"دقت ساعة الصفر.. مسجد العاصمة الإدارية قارب على الانتهاء، حيث قررت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة تأدية صلاة عيد الفطر(16 يونيو/حزيران 2018) في مسجد العاصمة الإدارية الجديدة".
هكذا قال موقع اليوم السابع المصري في خبر نشره يوم الأربعاء، 25 أبريل/نيسان 2018.
لكن بعد نحو شهر، نقل موقع "بوابة الأهرام" عن مصادر حكومية قولها إنه سيتم الانتهاء من تنفيذ مسجد "الفتاح العليم" بالعاصمة الإدارية الجديدة، نهاية شهر رمضان المبارك المقبل، أي في حدود مايو/أيار 2019، وستقام أول صلاة بالمسجد في عيد الفطر المبارك.
وقال رئيس شركة المقاولين العرب محسن صلاح الدين المكلفة بإنشاء المسجد خلال تفقده لأعمال البناء في ذات الشهر أي مايو/آيار 2017 إن المسجد سينتهي بعد أربعة أشهر أي في سبتمبر/أيلول 2018.
ومسجد "الفتاح العليم" يعد من أكبر المساجد حول العالم، حيث يقام على مساحة 59 فداناً، وسيكون المسجد الرئيسي للدولة، حسب بوابة الأهرام، حيث سيكون به مصلى للرجال يسع من 14000 إلى 16000 مصلى، ومصلى للسيدات يسع 3000، كما يضم متحف رسالات سماوية وداراً لتحفيظ القرآن، ومستشفى خيرياً بسعة 300 سرير.
وسبق أن أعلن اللواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي تقوم بدور أساسي في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، أن الانتهاء من مسجد "الفتاح العليم" وكاتدرائية "ميلاد المسيح"، اللذين تنفذهما الهيئة في العاصمة الإدارية، سيُفتتحان في 7 يناير/كانون الثاني 2017، ولكن لم يتم افتتاح المسجد بعدُ.