قرر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراء تغييرات جوهرية، في بنية هيئة أركان الجيش التركي وعلاقتها بوزارة الدفاع، في الذكرى السنوية الثانية لمحاولة الانقلاب الدموية الفاشلة.
وبعد أسبوع واحد من تعيين رئيس هيئة الأركان السابق خلوصي أكار وزيراً للدفاع، في 9 يوليو/تموز، أُلحقت هيئة الأركان برئاسة يشار غولار، بموجب مرسوم تنفيذي رئاسي، بوزارة الدفاع.
وصرَّح الرئيس التركي بأن التغييرات الجديدة، ساعدت في "التخلص من الانقسام المدني العسكري"، وأن العلاقة بين وزارة الدفاع والقوات المسلحة التركية ستكون مبنية على التكافل، دون أي انقسام في عملية صنع القرار.
ونفى وجود أي خلافات بين وزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس هيئة الأركان يشار غولار، وقائد القوات البرية أوميت دوندار.
ورأى الباحث السياسي جلال سلمي، في حديث لعربي بوست، أن التداعي الرئيسي للقرار سيكون بروز الارتباط العضوي العسكري مع عدد من مؤسسات الدولة التركية بشكل أكثر فاعلية وحيوية.
وأشار سلمي إلى أن هناك صوراً لهذا الارتباط، ظهرت قبل إلحاق هيئة الأركان بوزارة الدفاع، مثل التنسيق المباشر بين الهيئة والاستخبارات والرئاسة التركية في عملية غصن الزيتون، الذي أدى إلى نجاح العملية، والذي أشارت إليه صحيفة ستار في تقرير لها.
طي صفحة الوصاية العسكرية
شمل المرسوم التنفيذي الرئاسي أيضاً إعادة هيكلة المجلس العسكري الأعلى، الذي يقرر التعيينات العسكرية، ومجلس الأمن القومي الذي يعد أعلى الهيئات الأمنية في البلاد، ويؤدي دوراً استشارياً.
وقد لعب هذان المجلسان، وقبلهما لجنة الأمن القومي التركية، دوراً أساسياً في الوصاية على الدولة التركية، منذ منتصف القرن الماضي، إذ انقلبت المؤسسة العسكرية على الحكومات المدنية المنتخبة من الشعب -في الأعوام 1960 و1971 و1980 و1997- بحجة حماية قيم الدولة والوصاية عليها.
وذكر سلمي أن رئاسة الأركان التركية كانت شبه مستقلة بمحاكمها وبقراراتها وتحركاتها، ولكن مع تبعيتها اليوم لجهاز سياسي مدني، يمكن القول إن الوصاية العسكرية أصبحت نوعاً ما من الماضي، وأن الفترة المقبلة ستكون فترة الحكم المدني "شبه الكامل" في تركيا.
لكنّه عدَّد خطوات أخرى مطلوبة لضمان نجاح التوجه الحكومي الجديد، مثل رفع مستوى الرقابة داخل الجيش، ووضع معايير عملية ونوعية للالتحاق بالجيش والترقيات، وتغيير قاعدة أن الجندي هو "حامي مبادئ الوطن العلمانية الأتاتوركية ضد الأعداء الخارجيين والخصوم الداخليين الخارجين عن أطرها والساعين لبناء أطر بديلة"، المستقاة ممّا يسمى بـ"خطاب أتاتورك للشباب".
ووفق المرسوم الجديد، سيلتقي المجلس العسكري الأعلى مرة واحدة في السنة على الأقل، بدعوة من نائب الرئيس التركي -الذي يعيّنه الرئيس أيضاً- كما يملك الرئيس دعوة المجلس للاجتماع إذا اقتضت الضرورة. ويضم المجلس حسب المرسوم، كلاً من نائب -أو نواب- الرئيس، ووزيري الخزانة والمالية والتعليم.
أما مجلس الأمن القومي، فسيجتمع بدعوة من رئيس الجمهورية مرّة كل شهرين بموجب المرسوم، وفي حال تعذّر حضور الرئيس، ينوب عنه نائبه.
وتعد هذه الخطوة حلقة في سلسلة إجراءات اتبعتها حكومات العدالة والتنمية لإلحاق السلطة العسكرية بالسلطة المدنية، ومن هذه الخطوات إخراج القواعد العسكرية من مراكز جميع المدن، بعد محاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016.
تغييرات أخرى
نصّ المرسوم الرئاسي أيضاً، على تعيين ستة رؤساء جدد لجامعات حكومية تركية، وإلحاق إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، بوزارة الداخلية.
كما ألحق المرسوم، كلاً من وكالة التعاون والتنسيق "تيكا" التي تُعد المؤسسة الإغاثية الحكومية التركية، ورئاسة الأتراك في الخارج والمجتمعات ذات الصلة "يي تي بي" المسؤولة عن تقديم المنح الدراسية للطلاب الأجانب، والإدارة العامة للمؤسسات، بوزارة الثقافة والسياحة.
وكانت تركيا، في الخامس عشر من يوليو/تموز 2016، قد شهدت محاولة انقلاب عسكري فاشلة، لمجموعة من ضباط القوات المسلحة التركية، من خلال بيان بُثَّ بعد سيطرتهم على قناة تي آر تي الرسمية التركية، والذي تضمَّن فرض حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات. وبحسب المصادر العسكرية التركية، فإن قائدي القوات الجوية والبرية هما مَن نفَّذا الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأن محرم كوسا وهو المستشار القانوني لرئيس الأركان هو من خطَّط للانقلاب بتوجيه من حركة الداعية فتح الله غولن، والتي صُنفت كحركة إرهابية في البلاد.