مع أدائه اليمين الدستورية الإثنين لولاية جديدة من خمس سنوات، من المتوقع أن يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحديات خارجية جمة ، حيث شهدت الأشهر التي سبقت فوزه في الانتخابات الرئاسية في 24 يونيو/حزيران توتراً حاداً بين أنقرة والدول الغربية بالتوازي مع تقارب بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وخلال 15 عاماً في السلطة، نجح رجب طيب أردوغان في إحداث تغييرات عميقة في تركيا. ومع بداية ولايته الجديدة الإثنين، سيتمكن من دخول التاريخ على قدم المساواة مع مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك. فهو في الواقع سياسي محنك فاز في كل الانتخابات التي جرت منذ وصول حزبه، حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002.
فلا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية نجحت في وقف صعود "الريس" كما يحلو لأقرب مؤيديه تسميته، والذي يحكم منذ 2003. وفي سن الرابعة والستين بات أردوغان قريباً من تحقيق هدفه مع انتصاره في الانتخابات العامة التي أجريت في 24 حزيران/يونيو وجعلته رئيساً وفق النظام الرئاسي.
فيما يلي أبرز التحديات التي تواجه أردوغان خلال ولايته الجديدة:
العلاقات مع الولايات المتحدة:
العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، اللتين تملكان أكبر جيشين في حلف شمال الأطلسي، معقدة بسبب الخلافات حول الملف السوري، ومصير الداعية فتح الله غولن المقيم في المنفى في الولايات المتحدة، والذي تصر أنقرة على تسليمه لها لاتهامه بالمسؤولية عن الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016.
كما يؤدي دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية إلى توتر في العلاقات مع أنقرة التي تعتبر هذه المجموعة المسلحة منظمة "إرهابية" تهدد حدودها.
وقال الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سونر كاغبتاي إن أردوغان قد يبقى على خطه المتشدد في هذه القضية إذ أنه بحاجة إلى دعم حلفائه القوميين للاحتفاظ بغالبيته البرلمانية. ومع ذلك، يرى محللون أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم تنازلات رغم التوتر، كما يتضح من تسليم أول طائرة من طراز إف 35 إلى تركيا في نهاية يونيو/حزيران.
العلاقات مع روسيا
رغم قرون من التنافس الشديد بين القوتين التركية والروسية، أقام أردوغان والرئيس فلاديمير بوتين علاقة شخصية وثيقة في السنوات الأخيرة، وتخطيا أزمة دبلوماسية خطيرة في أعقاب إسقاط أنقرة مقاتلة روسية فوق الحدود السورية في 2015.
وتوصلت أنقرة وموسكو إلى اتفاق بشأن شراء تركيا منظومة صواريخ إس-400 الروسية التي لا تتماشى مع منظومة الدفاع الخاصة بحلف شمال الأطلسي.
وكان بوتين أحد أوائل الزعماء الأجانب الكبار الذين هنأوا الرئيس التركي على إعادة انتخابه. لكن الباحث في برنامج الدراسات حول طريق الحرير غاريث جنكنز يعتبر أنه "سيتعين على أردوغان الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا، وسيدفع ثمناً، مهما كان خياره"
الملف السوري والعمليات العسكرية التركية
منذ بداية الأزمة التي تحولت إلى نزاع دام في سوريا المجاورة عام 2011، دعمت تركيا بقوة المعارضين ضد الرئيس بشار الأسد، رافضة أي حوار مباشر مع دمشق.
لكن بمواجهة اتساع بقعة النزاع لتصل إلى أراضيها مع تدفق أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ وتمركز جماعات مسلحة على حدودها وخصوصاً من الأكراد، تخوض أنقرة حالياً حملة عسكرية في سوريا وتسعى إلى تسريع عودة السوريين إلى بلادهم.
ويقول آرون شتاين من مكتب "المجلس الأطلسي" (أتلانتيك كاونسل) إن تركيا توصلت إلى "صيغة" مع الأسد تمر عبر موسكو، متخلية عن أي مساع لتغيير النظام.
وأضاف "يقبل الأتراك بقاء النظام في السلطة، لكنهم مصممون على إقامة منطقة نفوذهم الخاصة على طول الحدود لتكون بمثابة فاصل".
العلاقات مع الاتحاد الأوروبي
تمر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي بفترة صعبة خصوصاً منذ محاولة الانقلاب على أردوغان في يوليو/تموز 2016، مع قيام أنقرة مذاك بحملة تطهير واسعة، ما يثير قلق بروكسل.
إلا أن الدبلوماسي التركي المخضرم أوزدم سانبرك مقتنع بأن عهداً من التسويات سيبدأ وأن "العلاقات سترتكز على أسس أكثر متانة". وأبرمت أنقرة مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 اتفاقاً حول الهجرة أدى إلى خفض كبير في أعداد المهاجرين الذين ينتقلون عبر تركيا إلى أوروبا.
طموحات عالمية
يعتمد أردوغان منذ سنوات سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، فعندما اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، جمع أردوغان قادة كبرى الدول المسلمة في محاولة لتنسيق الرد على هذه الخطوة.
وكدلالة على موقف أنقرة الدبلوماسي، كان الرئيسان الفنزويلي نيكولاس مادورو والسوداني عمر البشير بين أوائل المهنئين لأردوغان بفوزه في الانتخابات، وهما منبوذان من الغرب.
أردوغان يسعى لترك بصمة في التاريخ
وشهد الاقتراع في الانتخابات الرئاسية التركية منافسة حادة إلا أن أردوغان فاز من الدورة الأولى بنسبة 52,2% من الأصوات وحافظ على الأكثرية في البرلمان بفضل تحالف حزبه مع الحزب القومي. وأحدث أردوغان تغييرات عميقة في تركيا عبر إقامة مشاريع هائلة للبنى التحتية واتباع سياسة خارجية أكثر احترافية.
بالنسبة لأنصاره، يبقى أردوغان على الرغم من الصعوبات الحالية، رجل "المعجزة الاقتصادية" التي أدخلت تركيا إلى نادي أغنى عشرين دولة في العالم، وبطل الأغلبية المحافظة التي تثير استياء نخبة المدن وحماة النظام العلماني.
لكن معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو/تموز2016 وتلتها حملات تطهير واسعة، وقد أوقف معارضون وصحافيون أيضاً، ما أثار قلق أوروبا.
لكن "الريس" كما يحب أن يناديه مقربوه واجه أسوأ اختبار ليل 15 إلى 16 يوليو/تموز 2016، خلال محاولة انقلابية دامية. وقد طبعت في الأذهان صورة أردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفراً إلى مطار إسطنبول عند الفجر معلناً هزيمة الانقلابيين.
واتهم الرئيس التركي حليفه السابق الداعية فتح الله غولن بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية، وهو ما ينفيه غولن. وتلت الانقلاب الفاشل حملة تطهير واسعة. وفي كل الأحوال يبدو أردوغان الذي يمجده مؤيدوه ويكرهه معارضوه، مقتنعاً بأنه سيترك بصمة لا تمحى في تاريخ بلاده.
ويكرر الرئيس الذي أمر ببناء مسجد كبير في إسطنبول على غرار ما فعل السلاطين قبله "الرجل يموت وأعماله باقية من بعده".