تلقت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي الإثنين 9 يوليو/تموز 2018 ضربة مزدوجة مع استقالة وزيرين من العيار الثقيل في حكومتها، ما عكس الخلافات بشأن مستقبل العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد بريكست.
وكان وزير بريكست المناهض للفكرة الأوروبية ديفيد ديفيس استقال الأحد 8 يوليو/تموز تعبيراً عن رفضه لخطة ماي للإبقاء على علاقات اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست المقرر في 29 مارس/آذار 2019. ووصفت الخطة بأنها "بريكست ناعم" يتعارض مع "بريكست قاس" يدعو له أنصار القطيعة الواضحة مع بروكسل.
وبعد ظهر الإثنين اختار وزير الخارجية بوريس جونسون المنحى نفسه، وذلك قبيل كلمة ماي أمام النواب، لعرض خطتها التي تم اعتمادها مساء الجمعة الماضي خلال اجتماع لحكومتها عقد في مقر الإقامة الريفي للحكومة الواقع على بعد 70 كلم شمال غربي لندن.
خلافات حول طريقة "الانسحاب"
وقالت ماي أمام النواب "نحن على خلاف بشأن الطريقة الفضلى لتنفيذ تعهدنا المشترك بتفعيل نتيجة استفتاء" يونيو/حزيران 2016 الذي أيد فيه 52 بالمئة من البريطانيين خروج المملكة من الاتحاد. ودافعت عن استراتيجيتها التي قالت إنها الأفضل لمستقبل البلاد.
وبعد أشهر من الانقسامات في صفوف الأغلبية المحافظة بشأن مستقبل العلاقات بين لندن وبروكسل، كانت ماي تعتقد أنها توصلت إلى توافق وبات بإمكانها أن تدافع بحرية عن خطتها في بروكسل.
"لكن وهم الوحدة لم يدم سوى 48 ساعة"، بحسب تصريحات زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن أمام البرلمان. وانتقد كوربن عامين من المماطلة و"الفرص الضائعة".
وحذر كوربن من أن "مستقبل الوظائف والاستثمارات في خطر"، داعياً الحكومة إلى التحرك أو "الرحيل".
وكانت الشائعات تتواتر منذ أشهر بشأن رحيل ديفيس (69 عاماً) الغاضب من مسار المفاوضات حتى وإن ظل في العلن يظهر ولاءه لماي.
في المقابل فإن بوريس جونسون (54 عاماً) الذي كان أحد زعماء حملة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يكن يخفي معارضته لرئيسة الحكومة وينتقد علناً خياراتها دون أن يتعرض لأي عقاب.
"تصويت تحدٍّ" لتيريزا ماي
ويزيد رحيل جونسون من فرص رؤية ماي تواجه تصويت تحد داخل حزبها الذي ستتوجه إليه عصر الإثنين وسط أجواء محمومة بحسب الصحافة البريطانية.
ويرى أنصارها أنها ستفوز في مثل هذا التصويت حيث لا يبدو أن هناك حالياً من بإمكانه جمع المحافظين حول موقف مشترك. لكن إذا خسرت التصويت فإن بوريس جونسون سيكون أحد المرشحين لخلافتها.
في الأثناء أعلنت رئاسة الحكومة أنه سيتم سريعاً إعلان اسم خليفة جونسون في الخارجية.
في المقابل فإن خليفة ديفيس هو دومينيك راب (44 عاماً) وزير الدولة الحالي للإسكان.
وسيتحمل هذا النائب المشكك بجدوى الاتحاد الأوروبي عبء تمثيل المملكة المتحدة في مفاوضات خروجها من التكتل، والتقاتل مع القادة الأوروبيين الذين ملّوا من مماطلة الحكومة البريطانية حول توجهات بريكست لتسعة أشهر.
الأوروبيون يُقللون من تأثير الاستقالات على المفاوضات
وأكدت المفوضية الأوروبية الإثنين أن هذه الاستقالة لا تشكل بالنسبة إليها مشكلة للمفاوضات. وصرّحت المتحدث باسم المفوضية مرغريتيس سخيناس، قبل استقالة جونسون، "سنواصل التفاوض بنية حسنة مع رئيسة الوزراء (تيريزا) ماي والمفاوضين البريطانيين".
كما استقال وزير الدولة لبريكست ستيف بايكر احتجاجاً على خطة ماي التي أعلن عنها مساء الجمعة والتي تنص على إقامة منطقة تبادل حر ومنوال جمركي جديد مع باقي الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وذلك بهدف استمرار التجارة مع القارة الأوروبية من دون مشاكل.
ورحّبت أوساط الاقتصاد والمال من جهتها بمشروع ماي ورأت أنه يتضمن منعطفاً طفيفاً نحو "بريكست ناعم" يلبي رغباتهم.
لكن الأسواق البريطانية بدت قلقة إثر استقالة جونسون خشية سقوط الحكومة ما أدى إلى تراجع الجنيه الإسترليني.
رحيل الوزيرين لن يحل مشاكل "بريكست"
من جهته قال دونالد توسك، رئيس المجلس الأوروبي، الإثنين، إن عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) تسببت في فوضى أثرت على العلاقات الأوروبية البريطانية.
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عن توسك قوله: "الفوضى التي سببتها البريكست هي أكبر مشكلة في تاريخ العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
جاء تعليق توسك بعد استقالة بوريس جونسون، من منصب وزير خارجية بريطانيا وسط أزمة سياسية متنامية حول استراتيجية لندن للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وفي تغريدة على حسابه عبر "تويتر"، أضاف توسك: "السياسيون يأتون ويذهبون لكن المشكلات التي يتسببون فيها تبقى". وأوضح أن المشكلات المرتبطة بالـ"بريكست" لن تحل برحيل ديفيز أو جونسون، وفق المصدر ذاته.