إجبار المهاجرين على وضع أطفالهم في دور رعاية نهارية مدة 25 ساعة كل أسبوع بدايةً من عمر يوم واحد؛ ومضاعفة أحكام العقوبات تلقائياً بالنسبة للجرائم المرتكبة في "مناطق الغيتو" أو "المجتمعات الموازية"؛ والتهديد بغرامات مالية كبيرة أو حتى أحكام بالسجن لأي شخص لا يُبلِّغ عن الآباء المشتبه في ضربهم أطفالهم؛ وتحديد حصص لدُور الحضانة بحيث لا يمكنها استقبال أطفال من ذوي الخلفيات المهاجرة بنسبة أكبر من 30%.
هذه الإجراءات ستُقدِّمها الحكومة الدنماركية ضمن أحدث موجة من رُهاب الأجانب تُصيب السياسة الأوروبية.
Immigrant kids in Denmark are labeled "ghetto children" under this new program. pic.twitter.com/ttqmNNLutT
— AJ+ (@ajplus) July 6, 2018
"الغيتوات" أو "المجتمعات الموازية"
هذه الإجراءات التي أعلنتها الحكومة الدنماركية مؤخراً، ليست جديدة، فقد أطلق رئيس وزراء الدنمارك، لارس لوكا راسموسن، في بداية عام 2018، دعوة لإنهاء ما سمّاه "المجتمعات الموازية" وتفكيك "الغيتوات"، لتكمل الجدال المستمر حول آليات حلّ معضلة إسكندنافية يحذّر منها خبراء، وهي تمدّد تلك التجمعات إلى خارج نطاقها.
وتسمية "غيتو" تُعَدّ طبيعية بوسائل الإعلام الدنماركية. وفي المجال التشريعي والمجتمعي بالدنمارك، وفي غيرها من دول شمال أوروبا، يجري التركيز على هؤلاء الذين هم من "خلفية غير غربية". ويُقصَد بذلك المهاجرون من خارج أوروبا، وإن كان التركيز على المسلمين، علماً أنّ نسبتهم لا تتجاوز 2 إلى 3%.
ويفيد مركز الإحصاء الدنماركي بأنّ 12.3% من سكان البلد هم من المهاجرين أو من المتحدرين من أصول مهاجرة. وخلال العقود الثلاثة الماضية، ازداد 5 أضعاف عددُ الذين هم من "خلفية غير غربية".
الدنمارك تريد "استيعاب اللاجئين بالقوة"
وبذلك، تكون الحكومة الدنماركية -على الأرجح- قد ذهبت لأبعد من أي دولة أخرى بأوروبا في محاولاتها استيعاب اللاجئين بالقوة، توضح وحسب صحيفة The Guardian البريطانية. وكل هذه الإجراءات جزءٌ من خطة الحكومة "للقضاء على كل الغيتوات بحلول عام 2030".
وتستخدم الحكومة وكثير من وسائل الإعلام مصطلح "غيتو" دون مواربة للإشارة إلى السكن الاجتماعي حيث يتجمَّع المهاجرون. إنَّها طريقة خطاب تُبين بوضوحٍ كيف أصبح المسلمون في أوروبا الآن ضحية للاتجاهات التي كان سيجرى في السابق الإشارة إليها باعتبارها معادية للسامية.
وهي سياسة تتبعها منذ عقود
فقد اتسمت السياسة الدنماركية بنزعة لرهاب الأجانب منذ عقود حتى الآن، أحياناً تكون نزعة عنصرية. ويقترح حزب الشعب الدنماركي، وهو تجمُّع قومي ينتمي لمجموعة حزب المحافظين البريطاني نفسها في البرلمان الأوروبي، حظر جميع مواقع "المسافرين" ومخيماتهم العشوائية، وتشجيع العودة الطوعية إلى الوطن، والخروج عن أحكام اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين. حصل هذا الحزب على أكثر من 20% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة. وهذه الإجراءات لم تبلغ مدىً بعيداً حتى الآن، لكنَّ هذا هو الاتجاه الذي يتحركون فيه.
تنظر الحكومة إلى مشكلة "الغيتوات" باعتبارها واحدة من "المجتمعات الموازية"، وهي 56 منطقة مُعرَّفة ومُحدَّدة لا تتقيَّد بالقوانين العرفية والمكتوبة التي تتقيَّد بها بقية البلاد. وسواء أكانت هذه هي الحقيقة في الواقع أم لا، فإنَّه لا صلة لذلك بالسياسة. يطارد شبح السويد المناقشات الدنماركية؛ ففي مدينة مالمو السويدية، التي يستغرق الوصول إليها رحلة قصيرة بالقطار عبر البحر من كوبنهاغن، أُرجِع وقوع 5 جرائم قتل و6 عمليات إطلاق نار، على مدى 17 يوماً هذا الصيف، إلى خلاف بين عصابات بلقانية.
خوفاً من انتشار "المجتمعات الموازية"
فالتعقيدات التي عاشها المهاجرون الأوائل في مجتمعات محلية، وارتفاع نسب البطالة والأعمال الجنائية الصادرة عن فئة صغيرة، من الأمور التي استغلها منذ منتصف الثمانينيات اليمينُ القوميُّ عبر "الحزب التقدمي"، الذي تحوّل لاحقاً إلى واحد من أكبر الأحزاب وأكثرها تأثيراً تحت اسم "حزب الشعب الدنماركي". وقد دفع اليمين القومي، من خلال مساومات مع الليبراليين والمحافظين، إلى تشديد القوانين، خصوصاً تلك المتعلقة بـ"لمِّ الشمل".
ومن ثم، تقول فلسفة المعسكرَين إنه من غير الممكن لمن هو غير مندمج في الأصل أن يُحضر زوجةً وأطفالاً ويسهم في دمجهم؛ إذ إنّهم سوف يكونون جزءاً من المجتمع الهامشي والموازي في البلد. وهذه الفلسفة كانت قد طرحتها مؤسِّسة الحزب، بيا كيرسغوورد، قبل أن تصير سياسة رسمية للبلد اليوم، وتُطرح استناداً إليها مشاريع قوانين صارمة في البرلمان.
وتحاول فرض قوانينها، لكن الأمر قد يكون "صادماً"
هذه التدابير الجديدة هي محاولة لفرض قوانين المجتمع الدنماركي المكتوبة والعرفية؛ إذ ستتم تنشئة أبناء المهاجرين على "القيم الدنماركية". لكنَّ هذه القيم تتضمَّن الآن نمطاً واضحاً ومتسقاً من التمييز ضد آبائهم. وهذا لا يمكن أن ينتهي بصورة جيدة، وسيكون تأثير هذه القوانين عنصرياً وتمييزياً بصورة واضحة على أساس الدين.
إنَّ التعهُّد بزيادة الأعمال الشرطية في المناطق ذات معدلات الجريمة المرتفعة أمر، لكنَّ مضاعفة عقوبة الجرائم، مثل تخريب الممتلكات والسطو والسلوك التهديدي والحرق وانتهاكات قوانين المخدرات، عندما تُرتَكَب داخل "الغيتوات" المحددة، أمرٌ آخر خاطئ بدرجة صادمة.
ومن السهل رؤية أنَّ هذا سيكون عملياً بمثابة حافز للمجرمين من تلك المناطق لمواصلة عملهم الإجرامي في مناطق أخرى. ومع أنَّ هذه التدابير تُقدَّم -وربما الهدف منها أن تكون- كطريقة لتخليص البلاد من "الغيتوات"، فإنَّ المستهدَفين الحقيقيين هم أولئك الذين يعيشون هناك.