قُطِعت أشجار بستان البرتقال المجاور لمنزل لينا من أجل إفساح المجال لبناء وحدات سكنية، وغالباً ما تحرق شركات البناء الرفات البشري عندما تعثر عليه، أو تدفنه تحت قواعد البناء.
كانت لينا محفوظ في السادسة من عمرها عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان. تتذكر لينا سماع صرخاتٍ خارج نافذة غرفة نومها، وفي إحدى الأمسيات، شاهدت رجلاً ذا بشرة سوداء يحمل ما بدا أنَّه جثة هامدة إلى بستان البرتقال خلف منزلها.
تروي لينا، بحسب مجلة The Economist البريطانية قائلة: "بعد سنوات أدركتُ ما كانوا يفعلون. كانوا يعذبون الناس ثم يدفنونهم في البستان. الجثث مدفونة هناك".
مرّت 30 عاماً على الحرب وما زال الآلاف مفقودين
مرت 30 سنة تقريباً منذ انتهاء الحرب الأهلية، لكن لا يزال الآلاف في عداد المفقودين، ومن المحتمل أن يكون معظمهم قد ماتوا، فإما قد قُتلوا في السجون السورية، وإما أُلقي بهم في البحر الأبيض المتوسط، وإما دُفِنوا في واحدةٍ من أكثر من 100 مقبرة جماعية حفرتها الميليشيات الطائفية.
وكان الرجال الذين بدأوا الحرب هم أيضاً مَن تفاوضوا لأجل تحقيق السلام ومنحوا أنفسهم عفواً عن جرائمهم، والكثير منهم ما زال في السلطة. ولا تهتم الحكومة بدرجة كافية بنبش الماضي.
لكنَّ العديد من المنظمات غير الحكومية اللبنانية تعتقد أنَّ رفع الجثث سيُنهي معاناة عائلات المفقودين.
وتدعم المنظمات مشروع قانون يطالب بإنشاء لجنة مستقلة للتحقيق في مصير المفقودين، وحماية المقابر الجماعية، وإخراج الجثث ثم إعادتها إلى عائلاتهم.
وعثرت واحدة من المنظمات غير الحكومية تُدعى "لنعمل من أجل المفقودين" على 111 موقع دفن، 23 منها في بيروت. وبدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جمع عينات من لعاب أقارب الموتى للتعرف على الجثث.
دائماً ما يحرق الرفات البشري عند العثور عليه
أصبح العثور على الجثث أكثر صعوبة، مع اختفاء الذكريات، وعدم توافر الحماية اللازمة للقبور بصفة دائمة.
وقُطِعت أشجار بستان البرتقال المجاور لمنزل لينا من أجل إفساح المجال لبناء وحدات سكنية، وغالباً ما تحرق شركات البناء الرفات البشري عندما تعثر عليه، أو تدفنه تحت قواعد البناء.
وبحسب المجلة البريطانية فقد ألقت بعض الميليشيات الجثث في المقابر، فاختلطت بعظام جثث أخرى، ولا تريد السلطات الدينية التي تتحكم في المقابر الكشف عن الفظائع التي ارتكبتها حينها، وحتى عندما تعثر الشرطة على أي من الجثث، تعيد دفنها أحياناً في قبور مبهمة بسبب عدم وجود مساحة في المشارح.
يجادل السياسيون بأنَّ حفر الموتى سينكأ الجراح القديمة من جديد، ويخشى الكثيرون أن يُحاسبوا على جرائم الماضي؛ لذلك فإنَّ مشروع القانون لا يشترط تحقيق العدالة.
ويرى أسد شفتاري، الذي كان في وقت من الأوقات مسؤول الاستخبارات في إحدى الميليشيات المسيحية، أنَّ إخراج الجثث من المقابر أمر ضروري، ويقول: "إذا لم نتحدث عن جراح الماضي، فإنَّنا سنمرر المعاناة والألم والغضب للجيل القادم".