"20 عاماً وأنا أحترفُ الحُزن والانتظار"، لعلَّ هذه الأغنية الحزينة التي غنَّتها الفنانة فيروز، هي لسان الحال الشابة بشرى التي أعلنت انتظارها لخطيبها المُعتقل على خلفية ملف "حراك الريف" ولو لعشرين عاماً طويلة.
ما إن سألناها عن قرارها وإن كان بمقدورها الاستمرار في انتظار حبيبها وسيم البوستاتي 20 سنة أخرى، وهي المدة التي تم الحكم عليه بها عقاباً، حتى انهارت بكاء واختنقت الكلمات في حنجرتها ولم نسمع منها سوى "ذلك الشاب يستحق".
كفكَفَت دموعها وظلت صامتة للحظة تُلملم جِراحها وتبحث عن الكلام المناسب، قبل أن تعتذر ضمنياً عن عَبَراتها وتقول: "منذ اعتقاله وأنا أبكي وزاد الأمر حدة بعد النطق بالحكم عليه، أحاول البقاء قوية، إلا أن لحظات ضعفٍ تجتاحني".
هو أو لا أحد!
كان قرار بشرى البالغة من العمر 25 سنة والقاطنة بمنطقة "إيمزورن"، قريباً من الحسيمة التي تبعد عن الرباط 468 كيلومتراً، صادماً للبعض فيما أكَّدت مراراً اقتِناعها التام بالخطوة. تستطرد المتحدثة بأن عقدين من الزمان يهونان ولا أن تكون لرجل آخر غير خطيبها وسيم، "لا قِبل لي بأن أنادي رجلاً آخر بحبيبي أو زوجي غيره، لا أستطيع أن أتخيل الأمر حتى".
وكانت مدينة الحسيمة، شاهدة على أولى احتجاجات الساكنة، عقب وفاة بائع السمك محسن فكري دَهساً داخل شاحنة كانت تصادر بضاعته يوم 29 مايو/أيار 2016، ثمانتقلت حرارة الحراك الشعبي لباقي المناطق والمدن المجاورة ومنها حيث تقطن الشابة خطيبة المعتقل. في هذه المدينة، وفي تلك الاحتجاجات شارك وسيم غيره من المغاربة الغاضبين.
بشرى لوسيم، ووسيم لبشرى، هذا ما ترسَّخ في وجدان الأصدقاء والمعارف، فقصة حب الشابين تعود لزمان الطفولة الأولى حين كانا يدرسان معاً في المدرسة الابتدائية.
افترقت السُّبل وكل منهما التفتَ لدراسته وحياته وأعادتهما الأقدار من جديد عام 2013 حين التقيا وقررا إكمال حياتهما معاً، وكان من المقرر إحياء حفل الخطوبة يونيو/حزيران 2017 فيما اتَّفقا على تنظيم حفل الزِّفاف أغسطس/آب الذي بعده إلا أن الاعتقالات التي بدأت يوم 26 مايو/أيار 2017 أسدلت الستار على حلمهما الوردي.
كان من الممكن أن تخفف الأحكام الصادرة بحق وسيم ورفاقه بعد استئناف الأحكام، إلا أن رفض هذه الخطوة من طرف المعتقلين قضى على كل أمل في ذلك، ما تجده بشرى قراراً صائباً ولو أنه سيُبقي على حبيبها ومن معه سِنون طويلة داخل السجون فـ"لا شفاعة ترجى من الاستئناف"، تقول بشرى بتحدٍّ.
وحكمت المحكمة على ناصر الزفزافي (39 عاماً) الذي يوصف بزعيم الحراك، ونبيل أحمجيق الرجل الثاني في الحراك، وسمير إغيد ووسيم البوستاتي بالسجن مع النفاذ لمدة 20 سنة، بعدما أدانتهم باتهامات تتعلق بالتآمر للمس بأمن الدولة.
فيما سيقضي كل من محمد حاكي، وزكريا أضهشور، ومحمد بوهنوش، 15 سنة سجناً نافذاً، زيادة على 10 سنوات لمحمد جلول، وكريم أمغار، وصلاح لشخم، وعمر بحار، وأشرف اليخلوفي، وبلال أهباض، وجمال بوحدو، أما محمد مجاوي، وشاكر المخروط، وربيع الأبلق، والياس الحاجي، وسليمان الفاحلي، ومحمد الأصريحي، والحبيب الحنودي، وعبد العالي حود، وإبراهيم أمقوي فحكم عليهم بخمس سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 2000 درهم (212 دولاراً).
أحكام وصفَتها بشرى بـ"الخيالية والمستفِزَّة والانتقامية والقاسية جداً" وفق تعبيرها، أما عن العفو الملكي المنتظر فترى المتحدثة أن المعتقلين ليسوا بمذنبين حتى يتم العفو عنهم بل يستحقون البراءة فيما أصابهم ظلما وعدوانا.
لا يُعلِّق أهل الريف وعائلات المُحاكمِين كبير الآمال على العفو فأبناؤهم في نظرهم أبطال خرجوا من أجل الوطن وفداءً له وعلى استعداد للتضحية بالغالي والنَّفيس من .أجله، أما بشرى فتناشد مسؤولي بلادها عدم الانتقام من الشباب بهذه الطريقة وإضاعة زهرة شبابهم داخل السجون وإيجاد حلول ملائمة ترضي جميع الأطراف
تستمد منه القوة
تلجأ بشرى للصَّمت من جديد، تغرورق عيناها وتؤكد أن "وسيمها مؤمن جداً بالبراءة"، وهو الذي "صدمها بصموده وقوته" وفق تعبيرها، تتذكر مكالماتها المستمرة معه داخل السجن يحكي لها كيف أن بمقدوره قضاء 20 سنة داخل السِّجن برأس مرفوعة فلا هو سرق ولا نهب، وفق قوله متابعاً كلامه لخطيبته: "إذا كان كلُّ جُرمي أني طالبت بحقوقي وحقوق الشباب فلماذا لم يزيدوا على الـ20 عاماً سنين أخرى؟!".
أسرَّت الشابة العشرينية لـ"عربي بوست" أنها لطالما احترمت قرارات خطيبها حتى لو كان ذلك يعني بقاءه قيد السجن، متسائلة: "ما الذي فعله وسيم والبقية أصلاً ليحكم عليهم بأحكام قاسية، فلا أدلة في ملفه وكل ما بحوزتهم مكالمة هاتفية لا معنى لها".
النيابة العامة بالمغرب قدَّمت مجموعة من الأدلة على ما اعتبرته "ضلوع ناصر الزفزافي ومن معه في ارتكاب جناية المس بالسلامة الداخلية للدولة"، متهمة إياه بـ"التنسيق مع أطراف انفصالية خارج المغرب لزعزعة استقرار الوطن وخدمة مشروع انفصال الريف عن المغرب، من خلال تلقي التوجيهات والتعليمات والتوصل بتمويلات مالية والاستفادة من دعم لوجستيكي".
وتستدل النيابة العامة، في سردها لوسائل الإثبات، على اعترافات ومكالمات هاتفية تم التنصت إليها وجمعت الزفزافي بعدد من الأشخاص، أغلبهم موصوفون بـ"أعضاء حركة 18 شتنبر" الداعية لانفصال الريف من سيادة المغرب.
بشرى ووسيم يبلغان من العمر الآن 25 سنة، وفي حال تم تطبيق الأحكام فلن يتمكن الشابان من تحقيق حلم الزواج إلا في سن الـ 45، أما ناصر الزفزافي البالغ 39 سنة فسيكون في الـ59 من عمره ما دفع والدته الستينية إلى التساؤل مراراً عبر وسائل إعلامية عديدة: "هل سأتمكن من معانقته وأخذه في أحضاني مجدداً وأنا المصابة بداء السرطان؟".
ربما يبقى الأمل الأخير بالنسبة لبشرى ووسيم في المزيد من الضغط على الحكومة، ولذلك فقد دعا نشطاء الحراك إلى مظاهرة جديدة الأحد المقبل من أجل الضغط لإلغاء الأحكام التي طالت رفاقهم.