يسقطون من أعالي الجبال إلى الوديان السحيقة، فالموت ليس بالرصاص فقط.. إغلاق الطرق مأساة اليمن المنسية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/03 الساعة 18:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/03 الساعة 20:22 بتوقيت غرينتش
A picture taken during a tour organised by Yemeni loyalist fighters backed by Saudi and Emirati forces on June 2, 2018 shows an armoured vehicle of the pro-government forces on a main road in the Hodeida province, 50 kilometres from the port city of Hodeida, which the Iran-backed Huthi insurgents seized in 2014. Saudi-backed pro-government forces in Yemen are preparing to surround the key Red Sea port of Hodeida in a bid to force Huthi rebels to surrender it without a fight, according to military sources. / AFP PHOTO / Saleh Al-OBEIDI

كانوا يسيرون على جرف جبلي شاهق الارتفاع ليتجنبوا الطرق التي أغلقها المتحاربون، وفجأة انزلقت السيارة وهوت إلى واد سحيق.

وبدلاً من العودة إلى بلداتهم للقاء أهاليهم، لقوا حتفهم على قارعة الطريق المنهارة.

مأساة منسية يعيشها اليمنيون لا تتحدث عنها وسائل الإعلام ويتجاهلها الوسطاء الدوليون، إنها مأساة إغلاق الطرق الرئيسيّة واضطرار السكان لسلوك طرق بديلة وعرة وخطيرة، حسب ما ورد في تقرير لموقع Middle East eye البريطاني.

رغم كل هذه المخاطر فإنهم يصرون على السفر

تتعرَّض السيارات للسقوط من فوق الجبال، وتجرفها مياه الأمطار إلى الوديان، وتستهدفها نيران المجموعات المسلحة. ومع ذلك، يُصِرُّ المسافرون على خوض الرحلات المحفوفة بالمخاطر  بين محافظات اليمن المختلفة.

إذ أصبحت الطرق الرئيسية التي تربط بين مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة القوات الموالية للرئيس المنفيّ عبد ربه منصور هادي مناطق صراع. وفي العديد من المحافظات، أُغلِقَت كافة الطرق الرابطة، ما أجبر المسافرين على خوض الجبال والوديان للسفر بين المحافظات.

ويواجه المسافرون الكثير من المخاطر عند سفرهم مروراً بتلك الطرق، ولديهم علم إلى أي مدى يمكن أن تكون الحوادث المميتة شائعة، لكنَّهم يشعرون ألّا خيار آخر أمامهم.

رأى السيارات تسقط في الوديان ولكن لا بديل أمامه سوى هذه الطريق

يزور محمد القدسي (38 عاماً)، وهو أحد سكان صنعاء، أسرته في محافظة تعز كل شهرين، ورأى العديد من الحوادث على طول الطريق الخطرة إلى المدينة الجنوبية. غير أنَّ ذلك لم يمنعه من زيارة أسرته.

قال محمد لموقع Middle East Eye البريطاني: "اعتدتُ السفر من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان في غضون 50 دقيقة، والآن يستغرق الأمر أكثر من 4 ساعات عبر الوديان والجبال. هذا يُكُلِّف كثيراً جداً، والمشكلة الأسوأ هي أنَّنا لا يمكننا ضمان سلامة الرحلة".

وأوضح: "رأيتُ بعض السيارات تسقط من الجبال، ومسافرين يُقتَلون ويُصابون. وسمعتُ عن آخرين جرفتهم مياه الأمطار، وآخرين استهدفتهم الأطراف المتحاربة، لكن لا يمكنني التوقف عن زيارة عائلتي".

وحتى الموت قصفاً لم يردعهم

وأسفرت غارة للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في الحُديدة عن مقتل تسعة أشخاص الأسبوع الماضي بعدما أصابت حافلة مليئة بالمشردين الفارِّين من الحُديدة التي مزَّقتها الحرب باتجاه تعز، لكن هذه الحادثة لم تمنع تدفُّق المسافرين.

كانت الرحلة من الحي الذي يقطنه القدسي في مدينة تعز إلى منطقة الحوبان تُكلِّف 100 ريال يمني (0.4 دولار) قبل الحرب، لكنَّها الآن تُكلِّف 3 آلاف ريال يمني (6.20 دولار).

ويعمل القدسي مديراً مساعداً لأحد المخازن، ويحصل على 50 ألف ريال يمني (103 دولارات) شهرياً، وهو راتب بالكاد يكفيه لكسب العيش لنفسه ولعائلته في تعز، ولا يكفي لاستئجار منزل في صنعاء لجلب عائلته إلى هناك.

وقال: "آمل أن أجلب عائلتي للعيش معي في صنعاء، لكن لا يمكنني تأجير منزل، لذا أسافر كل شهرين لزيارتهم في تعز".

ومن يملك سيارة لا يستطيع استخدامها

هاني عوض (43 عاماً) ينحدر من محافظة لحج، لكنَّه يعيش مع زوجته وطفليه في صنعاء لأغراض العمل.

قال عوض لموقع Middle East Eye: "والديّ وأشقائي وأيضاً والدا زوجتي وأقاربها يعيشون في لحج، لذا لا يمكننا قضاء أكثر من ستة أشهر دون زيارتهم".

وأضاف: "لديّ سيارة صغيرة، لكن لا يمكنني قيادتها عبر الجبال والوديان للوصول إلى لحج، لذا أسافر باستخدام سيارات الأجرة أو الحافلات".

وأوضح أنَّ أطفاله وزوجته عانوا بشدة من الطريق السيئة وأصوات الاشتباكات.

وقال: "الطريق الوعرة نفسها صعبة، لكن أحياناً تندلع الاشتباكات على الطريق الرئيسي، لذا يخشى الناس من الأصوات".

يسافر معظم الناس بين المحافظات لزيارة عائلاتهم، والبعض منهم يسافر للتجارة؛ إذ ينقلون السلع بين المحافظات.

وحتى المرضى مضطرون للجوء للطرق الترابية ولكن بعضهم منع منها

 بالنسبة للراشدين الأصحاء الأقوياء مثل القدسي، فإنَّ الرحلة ليست صعبة للغاية، لكنَّها تُسبِّب معاناة أكبر للأطفال والمرضى وكبار السن الذين يتعين عليهم تحمُّل الطريق الوعرة.

ويتعيَّن على المرضى في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يريدون السفر للخارج خوض الطرق الترابية لأنَّه لا توجد مطارات تعمل في مناطق الحوثيين، ما يجبرهم على السفر إلى محافظتي عدن أو حضرموت بدلاً من ذلك.

ويعاني صالح مبخوت، وهو رجل خمسيني، من سرطان البروستاتا، ويحتاج للسفر لتلقّي العلاج في مصر.

ويقول لموقع Middle East Eye: "بعض المرضى يمكنهم تحمُّل الطرق الوعرة، لكن الطبيب أخبرني أنّي لا أستطيع لأنني لستُ قوياً بما فيه الكفاية. لذا استسلمتُ لتلك الحقيقة السيئة وبقيتُ بالمنزل".

وبحث الحوثيين عمن يسمونهم المرتزقة يغير القواعد

حين يصل المسافرون إلى نقاط التفتيش بين مناطق الحوثيين والمناطق الموالية لهادي، يفحص المقاتلون الذين يتولون السيطرة على نقاط التفتيش على كلا الجانبين بطاقات هوية المسافرين، ويُفتشون حقائبهم،  ويُلقي الحوثيون القبض على أي شخص يعتبرونه مثيراً للشك أو أولئك الذين لا يُقدِّمون مبرراً لسفرهم بين مناطق الصراع.

ومؤخراً، فرَّ الكثير من المقاتلين من مناطق الحوثي وانضموا إلى القوات الموالية لهادي للقتال ضد الحوثيين في الحُديدة والجبهات الأخرى، ما زاد الشك في صفوف الحوثيين وأدَّى إلى اعتقال مئات المسافرين في الأشهر الماضية.

وفيما كان المقاتلون الحوثيون يتحقَّقون من المسافرين عند إحدى نقاط التفتيش قرب الحوبان، سأل موقع Middle East Eye أحد المقاتلين الحوثيين بطريقة غير مباشرة عن أسباب الإجراءات المُشدَّدة على المسافرين. فقال إنَّهم كانوا يبحثون عن "المرتزقة".

وقال للموقع: "اعتقلنا في هذا الشهر مئات المرتزقة عند نقطة تفتيش واحدة فقط، كانوا يحاولون الفرار باتجاه قوات العدوان".

وأضاف: "نقتاد المشتبه بهم إلى مركز الشرطة في الحوبان، وهناك يخضعون لتحقيقٍ مُكثَّف ونطلق سراح الأبرياء منهم".

فتزايد الانشقاقات يدفعهم لاحتجاز حتى غير المقاتلين أحياناً

مؤخراً، فرَّ الكثير من الناس في مناطق سيطرة الحوثيين للانضمام إلى المعارك ضد الحوثيين في الحُديدة ومناطق أخرى من أجل المال.

وقال حارس نقطة التفتيش الحوثي إنَّهم لا يعتقلون الناس المنتمين لمناطق سيطرة القوات الموالية لهادي، ولا يعتقلون الناس الذين يسافرون مع عائلاتهم.

لكنَّ سمير الضبيعي، وهو ابن عم أحد المحتجزين في سجن الحوثيين في الحوبان، قال لموقع Middle East Eye إنَّ الحوثيين اعتقلوا ابن عمه حين كان عائداً من صنعاء إلى تعز.

وأضاف: "يعمل ابن عمي خياطاً في صنعاء ولا يدعم أي طرف، لكن الحوثيين اعتقلوه قبل أسبوعين لأنَّه لم تكن معه بطاقة هوية".

وتابع: "لا تزال التحقيقات جارية وآمل أن يُطلِق الحوثيون سراح ابن عمي، الذي كان مسافراً لزيارة عائلته في تعز".

والنتيجة تحول السفر إلى حلم للكثيرين.. والمجتمع الدولي صامت عن هذه المأساة

وقال أصيل عبد الله، وهو ناشط اجتماعي في تعز، إنَّ المدنيين هم أول ضحايا الحروب حول العالم، مُشيراً إلى أنَّ إغلاق الطرق الرئيسية يُؤزِّم حياتهم أكثر.

وأضاف: "حق التنقُّل بين المحافظات هو أحد الحقوق الأساسية للسكان، لكن في اليمن أصبح هذا حلماً بالنسبة للكثير من الناس. اعتاد الناس قبل الحرب على السفر لقضاء العُطلات في المحافظات الأخرى، لكن اليوم يسافرون فقط للضرورات".

وذَكَرَ أنَّ الحرب تقتل الناس بأشكال مختلفة، وإغلاق الطرق هو أحد هذه الأشكال.

وقال القدسي إنَّه يأمل أن تتوصل الأطراف المتحاربة إلى اتفاقٍ لفتح الطريق الرئيسي.

وناشد أيضاً المجتمع الدولي الأخذ في الاعتبار قضية الطرق المُغلَقة.

فقال: "يتحدث المجتمع الدولي عن العديد من القضايا في اليمن، لكن يتجنَّب الحديث عن فتح الطرق الرئيسية في العديد من المحافظات، أو لا يتخذ خطوات جادة تجاه هذه القضية".

 

 

علامات:
تحميل المزيد