توصل زعماء الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق بشأن الهجرة، بعد محادثات فوضوية استمرت نحو 10 ساعات في العاصمة البلجيكية بروكسل، حول القضية الحساسة التي تهدد وحدتهم ومنطقة حرية التنقل، وكذلك حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وقال دونالد توسك الذي ترأس المحادثات، الخميس 28 يونيو/حزيران 2018: "اتفق زعماء دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين على نتائج القمة ومنها قضية الهجرة".
أهم نقاط الاتفاق
ومن بين الحلول التي قُدّمت خلال القمة، اتفقت الدول الـ28 على اقتراح بأن تكون هناك "مراكز تتم إدارتها على الأراضي الأوروبية من أجل تنظيم أفضل لاستقبال المهاجرين".
وشملت المقترحات الإيطالية الفرنسية التي كانت موضوع النقاش بين القادة الأوروبيين خصوصاً إقامة "مراكز مراقبة" في دول أوروبية "متطوعة" يُنقل إليها المهاجرون بعد وصولهم إلى شواطئ التكتل.
ويمكن انطلاقاً من هذه المراكز توزيع المهاجرين الذين يستوفون شروط التقدم بطلب للجوء على دول أوروبية أخرى أيضاً متطوعة، ما يلبي طلب إيطاليا بـ"تقاسم مسؤولية" كل المهاجرين الواصلين إلى أوروبا.
وأشاد مصدر إيطالي بـ"المساهمة المهمة" لماكرون، مشيراً في الوقت نفسه إلى "معارضة شديدة" من قبل بعض الدول ملمحاً خصوصاً إلى المجر، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
وتابع المصدر: "ما حصل لإكواريس مثير للاهتمام" في إشارة إلى سفينة تنقل 630 مهاجراً ورفضت إيطاليا ومالطا استقبالها، مضيفاً "عند وصولها إلى إسبانيا، حصل تقاسم بين الدول الأوروبية" لاستقبال المهاجرين، أما سفينة "لايفلاين" الإنسانية التي رفضت روما أيضاً استقبالها فقد رست الأربعاء في مالطا بعد أن ظلت أياماً في البحر.
كما اتفق قادة أوروبا على مبدأ يقول "إن ما يصل إلى إيطاليا يصل إلى أوروبا"، كما نص الاتفاق على ضرورة احترام كافة السفن للقوانين. وعدم تدخل تلك السفن في العمليات التي يقوم بها خفر السواحل الليبيون.
مراكز خارج الاتحاد الأوروبي
من جهته، اقترح توسل بهدف الحد من عدد القوارب التي تصل إلى المياه الأوروبية على قادة التكتل درس إقامة "منصات للرسو خارج أوروبا" بهدف إنقاذ المهاجرين في البحر "ما سيضع حداً لنموذج المهربين الاقتصادي".
وإنزال المهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي سيجنب الأوروبيين الصراعات الدبلوماسية حول استقبال السفن، لكن ملامح المشروع لا تزال غامضة، كما أنه يطرح العديد من الأسئلة حول احترامه أحكام القانون الدولي.
وكان من المفترض أن تتوصل القمة في البدء إلى حلحلة إصلاح نظام اللجوء في أوروبا والعالق منذ عامين إلا أنه تم التخلي عن هذا الهدف لشدة الخلافات حول إصلاح قواعد دبلن التي تنص على تحمل دول الوصول الأول مسؤولية طالبي اللجوء.
ترحيب وقلق
وفي أول تعليق له على الاتفاق، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الاتفاق الذي توصل إليه زعماء الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة بعد عناء، يوضح ترجيح "التعاون الأوروبي" على المصالح القومية.
وأضاف ماكرون لدى مغادرته المحادثات: "توصلنا إلى اتفاق بعد المناقشات. التعاون الأوروبي كانت له السيادة اليوم".
وأشار إلى أنه يتعين على أوروبا التأقلم مع ضغوط الهجرة لوقت طويل، وشدد على أن أوروبا "يجب أن تنجح في التصدي لهذا التحدي، وأن نكون صادقين في الوقت نفسه مع قيمنا"، وفق تعبيره.
وكانت إيطاليا أعاقت في وقت سابق التوصل إلى أي اتفاق خلال القمة، ما لم ينفذ الشركاء الأوروبيون مطالبها بشأن الهجرة.
وفي تعليقه على الاتفاق الأوروبي، قال رئيس الوزراء الإيطالي الجديد، جوزيبي كونتي، اليوم الجمعة إن بلاده "لم تعد بمفردها" بعد توصل الدول الأوروبية إلى اتفاق حول إدارة ملف الهجرة.
وأشاد كونتي أمام صحافيين بأنّ الاتفاق ينص على أن تكون "أوروبا أكثر مسؤولية وتكافلاً (…) كانت المحادثات طويلة، لكننا راضون".
أما المستشارة الألمانية ميركل، وصفت الاتفاق بأنه "دلالة طيبة"، لكنها أقرت باستمرار وجود خلافات عميقة بين الدول الأعضاء.
وقالت ميركل: "إجمالاً وبعد نقاش مكثف حول الموضوع الأكثر تحدياً للاتحاد الأوروبي وهو الهجرة فقد توصلنا إلى اتفاق مشترك"، مضيفةً: "ما زال أمامنا الكثير من العمل لتقريب وجهات النظر المختلفة".
"مصير" الاتحاد الأوروبي
ويأتي التوتر في الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من أسبوعين من الخلافات حول سفينتي مهاجرين تمت إغاثتهم في المتوسط ورفضت الحكومة الإيطالية السماح لهما بالرسو على شواطئها.
وحضرت المستشارة الألمانية القمة وهي في موقع ضعف غير مسبوق، إذ تواجه سلطتها في مسألة الهجرة تحدياً كبيراً. فوزير الداخلية في حكومتها يهدد بطرد المهاجرين المسجلين في بلد آخر عند الحدود بصورة أحادية ما لم تتخذ تدابير أوروبية ضد تنقل المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي.
وصرحت ميركل "أمام أوروبا الكثير من التحديات لكن تلك المرتبطة بمسألة الهجرة قد تقرر مصير الاتحاد الأوروبي"، داعية إلى حلول "متعددة الأطراف" بدل اتباع الدول الأعضاء نهجاً "أحادياً".
وحذر رئيس المجلس الأوروبي توسك من أن يمنح عدم التوصل إلى "مزيداً من الحجج" لحركات شعبوية تبدي "ميلاً واضحاً إلى التسلط". وذلك رغم التراجع الكبير في عدد الوافدين إلى أوروبا بالمقارنة مع الأعداد الضخمة التي سجلت في خريف 2015.
وتقترح المفوضية الأوروبية عدم العمل بهذه القاعدة استثنائياً خلال فترات الأزمات مع توزيع طالبي اللجوء منذ مكان وصولهم لكن دولاً مثل المجر وبولندا ترفض ذلك بدعم من النمسا بينما تطالب ايطاليا بنظام توزيع دائم والتخلي بشكل نهائي عن مسؤولية دول الوصول.