هذه أوقاتٌ عصيبةٌ بالمملكة العربية السعودية، إذ يسعى وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى سلسلةٍ من التغييرات، تتضمَّن تحريراً على بعض الأصعدة، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات، وتضييقا على أصعدةٍ أخرى، عبر اعتقال وسجن النشطاء.
وترى مجلة The Atlantic الأميركية أن سرعة التغيير، علاوة على تغطية بعض دوائر الإعلام الغربي التي تولَّد لديها إعجابٌ بهذا التغيير، حَجَبَت سؤالاً حاسماً: هل يمكن لهذا التغيير أن يدوم؟ ربما يكون محمد بن سلمان هو رجل اللحظة الآن، وكان بإمكانه أن يصبح كذلك. يُحذِّر ثلاثة مراقبين سعوديين من أن التغييرات التي أرساها وليّ العهد يمكن عكسها بسهولة.
نجح في التحالفات الخارجية لكنه مهدد داخلياً
وقالت هالة الدوسري، وهي زميلة في معهد رادكليف للدراسات المُتقدِّمة بجامعة هارفارد الأميركية، وتعمل في مجال حقوق المرأة، في تقرير نشرته المجلة الأميركية، الأربعاء 27 يونيو/حزيران 2018: "لا أعتقد أن هذه الطريقة في القيام بالأمور ستنجح".
وأدلت الدوسري بهذا التعليق في مهرجان أسبن للأفكار، الذي يستضيفه معهد أسبن للدراسات الإنسانية ومجلة The Atlantic الأميركية. وأضافت: "لقد أثار عداء الكثير من الناس. صارت شرعيته الآن خارجية أكثر منها داخلية. إنه لا يحظى بدعم الشعب".
وردَّدَت كارين يونغ، الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية، التحليل الذي صرَّحت به الدوسري، إذ قالت: "ما أسمعه من السعوديين هو أن فترة العام والنصف المقبلين ستكون دقيقة للغاية". وأضافت: "هناك رغبةٌ جامحة في القيام بشيءٍ، والإمارات العربية المتحدة تشعر بذلك أيضاً… لكنها لحظةٌ حرجة في الوقت الحالي".
قال المُتحدِّثون إن وليّ العهد الشاب قد أبلى بلاءً حسناً في بناءِ تحالفاتٍ خارجية، لا سيما مع الولايات المتحدة، ودولة الإمارات، لكن وضعه الداخلي لا يزال ضعيفاً، وهو الخطر الذي لعب محمد بن سلمان على وتره عند تبرير قمعه القانوني أمام دول الخارج. ويُحذِّر وليّ العهد من ردةِ فعلٍ دينية، لكن هناك أيضاً خطراً يُشكِّله منافسون له داخل العائلة الملكية السعودية.
غير أن الخطر الأكبر ربما يكمن في الجانبِ الاقتصادي
وتضيف المجلة الأميركية أن المملكة السعودية تواجه فيضاً من الشباب الذين يرون الفرص محدودة، وقد أضرَّت أسعار النفط المنخفضة في السنوات الأخيرة بخزانات الدولة. وحذَّرَ المُتحدِّثون من أن محمد بن سلمان إن يتمكَّن من تحقيق أهداف اقتصادية، فسوف يجعل ذلك وضع قبضته على السلطة عُرضةً للخطر.
وقالت يونغ إنه حتى إتاحة حق النساء في القيادة، التي وُضِعَت قيد التنفيذ هذا الأسبوع، وبعثت على التأييد، جاءت مدفوعةً بهذا القلق. وأضافت: "إنه حقاً سببٌ اقتصادي وراء فتح الباب أمام النساء. السبب وراء الرغبة في أن تقود النساء ويعملن هو أنهن الأفضل في بناء عائلاتٍ ذات دخلَين".
لحظة سعيدة لا تخلو من مرارة
وينظر النشطاء إلى تخفيض القيود المفروضة على النساء باعتبارها لحظةً سعيدة لا تخلو من مرارة، إذ يقبع الكثيرون مِمَّن دافعوا بأكبر قوةٍ عن حقِّ قيادة السيارات للنساء في السجون أو يعيشون في المنفى. وبالإضافة إلى ذلك أشارت الدوسري إلى أنه في حين أن الحكومة بمقدورها تغيير قوانين القيادة، لا تزال النساء يخضعن لقوانين ولاية الذكور الصارمة، وهذا يعني أن واقع الإصلاح بالنسبة لكلِّ امرأةٍ سعودية يعتمد على موافقة أفراد عائلتها الذكور.
وقال مالك دحلان، أستاذ القانون والسياسات العامة بجامعة كوين ماري في لندن، إنه رغم الهواجس بشأن العمق الحقيقي للإصلاح وسيادة القانون، فإن وليّ العهد يؤصِّل للتغيير في المملكة.
وأضاف دحلان بابتسامة: "لا أتبنَّى وجهة نظر توماس فريدمان"، مشيراً إلى مقالةٍ خاصة كتبها الصحفي الأميركي إعجاباً بوليّ العهد. غير أنه أضاف: "سيكون من الخطير بصورةٍ كارثية على محمد بن سلمان أن يفشل في إصلاحاته. لا أحد بإمكانه تحمُّلِ ذلك اليوم".