قال مسؤولان أميركيان لرويترز، الثلاثاء 19 يونيو/حزيران 2018، إن كوريا الشمالية قد تبدأ خلال أيام قليلة نقل رفات جنود، بينهم أميركيون، فقدوا خلال الحرب الكورية.
وأضاف المسؤولان اللذان طلبا عدم الكشف عن اسميهما، أن كوريا الشمالية ستسلم الرفات إلى قيادة الأمم المتحدة في كوريا الجنوبية، على أن يتم نقلها لاحقاً إلى قاعدة هيكام الجوية في هاواي.
وقال أحد المسؤولين، إن من المتوقع تسليم رفات "عدد كبير"، لكنه امتنع عن ذكر عدد محدد في ضوء عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وذكر المسؤولان أن التعرف على هوية أصحاب الرفات قد يستغرق شهوراً وربما أعواماً.
وعقب اجتماع الرئيس الأميركي مع نظيره الكوري في قمة تاريخية الأسبوع الماضي في سنغافورة، قال دونالد ترمب في مؤتمر صحفي، إن كوريا الشمالية وافقت على إعادة رفات الجنود الأميركيين.
رفات 200 جندي ستعود الأسبوع المقبل
رغم أن تفاصيل "صفقة" تسليم رفات الجنود الأميركيين تغيب عن تصريحات المسؤولين الأميركيين، إلا أن تقارير محلية أوضحت أنه من المنتظر أن تعيد كوريا الشمالية حوالي 200 من رفات الجنود الأميركيين الذين قتلوا خلال الحرب الأهلية الكورية.
وكشف تقرير بثَّته شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأميركية، الثلاثاء، نقلاً عن مسؤولين حكوميين أميركيين، أن الاستعدادات تجري حالياً لتسلّم رفات الجنود الأميركيين من كوريا الشمالية خلال الأيام القليلة القادمة،" غير أن أولئك المسؤولين لم يوضحوا موعد ومكان تسلم تلك الرفات، على وجه الدقة".
لكن التقرير أشار أيضاً إلى أن الإدارة الأميركية تتوقع وصول رفات الجنود في أوائل الأسبوع القادم، إذا تحركت كوريا الشمالية بسرعة.
وأشار التقرير إلى أن الرئيس "دونالد ترمب" وصف موافقة كوريا الشمالية على إعادة رفات الجنود، بأنها أحد أبرز النجاحات التي حققتها قمته التاريخية مع الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" مؤخراً في سنغافورة.
ليست المرة الأولى التي تتسلم فيها واشنطن رفات جنودها
خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، شيعت جنازة الجندي الأميركي روبرت مايرز بمقبرة أرلينجتون في فيرجينيا، والذي قتل في الحرب الكورية (1950-1953)، بعد أن تم التعرف على رفاته.
وفي 2016 أعلن الجيش الأميركي أن رفات جندي أميركي من وسط نيويورك عثر عليه بعد مرور أكثر من 65 عاماً على مقتله في الحرب الكورية. وأعيد رفات العريف جوزيف تريباسو إلى أسرته قبل دفنه في مراسم عسكرية، شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، في مسقط رأسه في فولتون بمقاطعة أوسويجو.
وكان تريباسو، 20 عاماً وقت مقتله، يخدم في الكتيبة السابعة مشاة، عندما تعرَّضت وحدته لهجوم من قبل القوات الصينية قرب من خزان تشوسين بكوريا الشمالية عام 1950، وسجل تريباسو على قوائم المفقودين خلال العمليات، لكن الجيش علم بعد ذلك أنه قتل خلال الحرب، مطلع ديسمبر/كانون الأول 1950.
40 ألف أميركي قتلوا في الحرب الكورية
اندلعت الحرب الكورية في الـ25 من يونيو/حزيران 1950، عندما اندفع نحو 75 ألفاً من جنود جيش الشعب الكوري الشمالي عبر الحدود مع كوريا الجنوبية، والتي كانت تعرف بخط العرض 38، والذي كان يمثل الحدود بين جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية المدعومة من قبل الاتحاد السوفيتي إلى الشمال، وجمهورية كوريا الموالية للغرب في الجنوب.
وكان الزعيم الكوري كيم إيل سونغ أعلن قيام جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في عام 1948، أي بعد 3 سنوات من زوال الاستعمار الياباني لشبه الجزيرة الكورية، عند انتهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام اليابان للحلفاء.
وكان الغزو الكوري الشمالي للجنوب أول عمل عسكري في حقبة الحرب الباردة.
وتدخل الأميركيون في الحرب في يوليو/تموز 1950، إلى جانب كوريا الجنوبية. وكان المسؤولون الأميركيون ينظرون إلى تلك الحرب على أنها حرب مع القوى الشيوعية العالمية.
وعقب كرٍّ وفرٍّ عبر خط العرض 38، دخل القتال مرحلة جمود، وتزايدت أعداد القتلى والجرحى دون أي نتيجة.
في غضون ذلك، كان المسؤولون الأميركيون يحاولون جاهدين التوصل إلى هدنة مع الكوريين الشماليين، إذ كانوا يخشون أن البديل سيكون حرباً أوسع نطاقاً، تشمل الاتحاد السوفييتي والصين أو حتى اندلاع حرب عالمية ثالثة.
وفي يوليو/تموز 1953، وضعت الحرب الكورية أوزارها، ولكن ليس قبل أن تفتك بأرواح حوالي 5 ملايين شخص من مدنيين وعسكريين. من بينهم 40 ألفاً من العسكريين الأميركيين، وجرح فيها أكثر من 100 ألف منهم.
معسكرات اعتقال "مبتكرة" للجنود الأميركيين
عقب انتهاء الحرب الكورية، اكتشف الأميركيون أن كوريا الشمالية استعملت ضد جنودهم الأسرى في معسكرات الاعتقال أساليب مبتكرة للحرب النفسية، تأثيرها كان مدمراً للغاية.
هذه النتيجة توصل إليها الجنرال وليام ماير كبير المحللين النفسيين في الجيش الأميركي آنذاك، وذلك بعد أن تعرف عن قرب على حياة آلاف العسكريين الذين شاركوا في تلك الحرب المدمرة، وذاقوا طعم الأسر في كوريا الشمالية.
ووصف الجنرال ماير ظروف حياة أسرى الحرب في كوريا الشمالية، بالقول إنها لم تكن شديدة القسوة، ولا يمكن وصفها بأنها لا إنسانية، إذ كان يقدم للجنود الأميركيين طعاماً مقبولاً وكميات مياه كافية، وكان لهم سقف يؤويهم، وأنهم كانوا يعاملون بطريقة جيدة، ولم يتعرضوا للتعذيب "ولم تغرس الإبر تحت أظافرهم".
وأكد ماير أن ما سُجل في كوريا الشمالية من حوادث العنف الجسدي، كان أقل بكثير مما سُجل في مثل هذه المعتقلات في أي صراع عسكري خطير مشابه في القرن العشرين. ومع كل ذلك سجلت الوفيات في معسكرات الأسرى في كوريا الشمالية رقماً غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة بلغ 38%، فما سر ذلك؟
تقول المعلومات عن مخيمات الاعتقال التي وضع فيها الأسرى الأميركيون، إنها لم تكن محاطة بالأسلاك الشائكة، ولا بحراسات مشددة، وكان هؤلاء يتحركون بحرية هناك، مع ذلك لم يحاول أي منهم الهرب.
وعلى الرغم من كل ذلك، ارتفعت معدلات وفيات الأسرى من الأميركيين، وسُجل موت 1000 عسكري أسير في معتقل واحد فقط، فما السلاح السري الخفي الذي استعمله الكوريون الشماليون ضد أسراهم من اليانكي؟
تدمير نفسي للجنود الأميركيين
لقد جعل الكوريون الشماليون الأسرى الأميركيين يفقدون تواصلهم الطبيعي وثقتهم في بعضهم البعض، فانتشر الشجار والخصام بينهم، ما دفع عدداً منهم إلى إقامة علاقات "ودودة" مع سجنائهم، والقائمين على إدارة معتقلاتهم.
حتى إنه حين أطلق سراح مَن تبقَّى منهم على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب، وسُلموا للصليب الأحمر الياباني، أتيحت لهم فرصة للاتصال برفاقهم الآخرين في السلاح، إلا أن عدداً صغيراً جداً استفاد من هذه الإمكانية، ما يشير إلى أن العلاقات بين رفقاء السلاح قد تعرَّضت إلى تدمير ممنهج نجح في إفسادها تماماً.
وحسب الجنرال الأميركي فإن أولئك الأسرى الذين عادوا إلى الولايات المتحدة قطعوا أي صلات برفاقهم السابقين في الثكنات، مشيراً إلى أن كل فرد من هؤلاء الأسرى السابقين "وضع نفسه في زنزانة من دون قضبان أو جدران من الخرسانة المسلحة".
ويقول الجنرال وليام ماير، إن الحرب النفسية التي مارسها الكوريون الشماليون على العسكريين الأميركيين الأسرى، جعلتهم يعانون من أعراض مرض جديد سماه "اليأس المطلق"، موضحاً أن ترهيب الأسرى أو تعريضهم للعنف يمنحهم دافعاً للبقاء على قيد الحياة، وقوة للمقاومة والتحدي. لكن الأسرى الأميركيين تركوا ليموتوا ببطء بأعراض "طبية كلاسيكية"، من دون أي جهد بدني من قبل سجانيهم.
أساليب كورية "مبتكرة"
لقد نجح السجانون في "تسميم" العلاقات بين الأسرى، فكان المخبر الواشي يكافأ على عمله بمنحه علبة سجائر، وفي نفس الوقت لا تتم معاقبة الموشى به، ما يشجع الوشاة على تكرار فعلهم من دون الإحساس بتعذيب الضمير، ودفع آخرين إلى نفس السلوك، وبالتالي تدمير العلاقات بين الأسرى بشكل كاسح.
واتبع الكوريون أسلوباً آخر هو تقسيم السجناء الأسرى إلى مجموعات تتكون من 10 إلى 12 شخصاً، تنظم لهم "جلسات" يتحدث فيها كل أسير عن أخطائه ويعتذر لرفاقه عنها، أو أن يسرد عليهم أموراً إيجابية أراد فعلها، لكن لم يتح له ذلك.
كما أنهم كانوا حريصين على حرمان الأسرى من أي أحاسيس إيجابية ترفع المعنويات، ولذلك كانوا يوصلون الأنباء والرسائل التي تحمل أخباراً سيئة ومحزنة بسرعة، فيما يتم حجب ما يسر.
كل ذلك كان يدفع بالأسرى إلى حالة شديدة من اليأس والاكتئاب فينطوي الأسير على نفسه في الزاوية، محدقاً في الحائط بعيون خاوية، وحين تخور قواه تماماً يسحب الغطاء على وجهه، وبعد بضعة أيام يموت كمداً.