قالت صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، إنَّ الميليشيات المتحالفة مع إيران، على طول الحدود الإسرائيلية السورية، تتخفَّى بزي جنود سوريين لتجنب التعرض لاستهداف قوات الجو الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة، الجمعة 8 يونيو/حزيران، عن المعارضة أنَّ النظام السوري يُموِّه قوافل مقاتلي حزب الله وميليشيات أخرى مدعومة إيرانياً، وكأنهم من مقاتليه، وذلك لتجنُّب المزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا.
وقال أحد قادة المعارضة إنَّ القوات الموالية لإيران قد عادت مُحمَّلةً بالصواريخ والقذائف، إلى محافظتيّ درعا والقنيطرة جنوبي غرب سوريا، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، بعد أن بدا أنهم قد انسحبوا في البداية.
وقال أحمد عزام، أحد قادة "جيش الخلاص" التابع للمعارضة، وهي مجموعة مقرها القنيطرة: "هذا تمويه، إنهم يغادرون بزي حزب الله ويعودون في عربات النظام مرتدين أزياء الجيش النظامي السوري".
وأضاف "عزام" أنَّ الكثير من المقاتلين الأجانب في سوريا قد استلموا بطاقات هوية المقاتلين السوريين الموتى.
ولا يُعتقد أن مواجهة تل أبيب لهذا الوجود الإيراني المُموه ستكون سهلة، في ظل مشهد معقد عسكرياً وسياسياً في المنطقة.
الاتفاق الإسرائيلي-الروسي
وردت الأسبوع الماضي أنباءٌ عن أنَّ إسرائيل وروسيا قد اتفقتا على إزاحة القوات الإيرانية من جنوبي سوريا وإطلاق يد إسرائيل في مهاجمة الأهداف التي تُهدِّد أمنها القومي في سوريا، بشرط ألا تكون هذه القواعد مرتبطةً بالرئيس السوري بشار الأسد.
لكنَّ مسؤولاً إسرائيلياً بارزاً نفى هذه التقارير القائلة بأن إسرائيل وروسيا قد أبرمتا صفقة لسحب القوات الإيرانية من جنوبي سوريا.
وقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للكنيست، الأسبوع الماضي: "ليس هناك مكانٌ لأيِّ حضورٍ عسكري إيراني في أيِّ جزءٍ من سوريا".
ونفى الجنرال الإيراني مسعود جزائري هو الآخر تقارير عن انسحاب إيراني من الحدود. وقال جزائري: "تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بمحاولاتٍ يائسة لتغيير الموقف على الحدود. ينبغي لهم أن يعرفوا أنَّ هذا لن يحصل".
وأضاف: "تتمثَّل أكبر مخاوف النظام الصهيوني في حضور مقاتلين مسلمين بالقرب من الحدود. وقد حان وقت حصول ذلك".
جدلية انسحاب إيران من سوريا
الجمعة 18 مايو/أيار 2018، صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب اجتماع مع نظيره السوري بشار الأسد، في سوتشي، بأنه "مع بداية المرحلة الأكثر نشاطاً من العملية السياسية، ستنسحب القوات الأجنبية المسلحة من الأراضي السورية".
ولاحقاً، أكد مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، أن هذا الانسحاب يشمل إيران.
وحتى الآن، نسَّق البلدان أنشطتهما في سوريا؛ حيث وفرت روسيا القوة الجوية، بينما أوكلت إلى القوات الإيرانية المهمة الصعبة على الأرض.
وقال هنري روم، الباحث في الشؤون الإيرانية بمجموعة يوراسيا في واشنطن، إن تصريحات بوتين "لا تعني أن التحالف بين روسيا وإيران في سوريا قد انتهى، ولكنها -لا شك- عائق خطير في طريق التحالف".
وجاء رد المسؤولين الإيرانيين قوياً، حيث صرح المتحدث باسم الخارجية، بهرام قاسمي، للصحفيين: "لا أحد يمكنه أن يجبر إيران على فعل شيء ضد إرادتها".
وحاول نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، نزع فتيل التوتر الأربعاء 16 مايو/أيار 2018، وقال إن انسحاب أو بقاء القوات الموجودة على الأراضي السورية بدعوة من الحكومة، وبينها إيران وحزب الله اللبناني، شأن يخص دمشق و"غير مطروح للنقاش".
إلا أن بوتين عادةً ما يختار كلماته بعناية، ويقول المحللون إنه يبعث برسالة بأن النزاع السوري يجب ألا يتحول الى حرب أكثر دموية بين إيران وإسرائيل.
وشنت إسرائيل، التي أقلقها وجود عدد كبير من القوات الإيرانية في سوريا، سلسلة من الغارات الجوية على مواقع إيرانية لدى جارتها في الأسابيع والأشهر الأخيرة.
هذا النوع من التصريحات يعكس حالة من التوتر
وبحسب صحيفة Nizavismaya الروسية، يعتقد الخبراء أن تبادل هذا النوع من التصريحات يعكس وجود توتر بين الأطراف الضامنة للهدنة السورية (تركيا- إيران- روسيا) المتفق عليها في كازاخستان.
ومن جهته، يقول الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف: "ظهرت في وقت سابقٍ مثل هذه التجاذبات، وعلى وجه الخصوص في مسار عملية أستانا، ومع ذلك تم تجاوز هذه الاختلافات؛ نظراً إلى وجود أهداف مشتركة.
أما في الوقت الراهن، وبعد سيطرة دمشق على كامل الأراضي التي لا تشملها مناطق وقف التصعيد، فإن المسألة العالقة باتت مرتبطة أساساً بإدارة هذه الأقاليم بعد الصراع، والتوصل إلى حل توفيقي مع الأطراف الخارجية المسيطرة على المناطق المتبقية".
كما أفاد مارداسوف بأن قضية الوجود الإيراني ظهرت خلال المحادثات الجارية مع الغرب؛ إذ لا تغيب إمكانية إجراء مفاوضات بين الممثلين الروس والأميركيين، والتي تهدف إلى الحد من الوجود الإيراني في سوريا، وإيجاد حل لمشاكل الجيوب الكردية.
وأوضح المصدر ذاته أن الولايات المتحدة الأميركية يمكن أن تشارك أيضاً دول الخليج العربي في المفاوضات الهادفة إلى تقليص الوجود الإيراني داخل سوريا.
كيف ستحاول روسيا التأثير على إيران؟
وفي سياق متصل، بيَّن الخبير الروسي أن هناك اتفاقية معينة بين روسيا والولايات المتحدة أُبرمت في وقت سابق في الأردن، بشأن وجود التشكيلات الإيرانية في جنوبي سوريا، وبموجبها ستحاول روسيا التأثير على إيران، إلا أن ذلك لم يحدث.
إلى جانب ذلك، ذكر مارداسوف أنه يمكن أن تحقق تصريحات القادة الروس أهدافاً سياسية عقب إجراء محادثات مع بعض الأطراف الخارجية، التي قد تقدم بعض التنازلات إذا ما تم التوصل إلى حل سياسي.
ومن جهتها، يمكن أن تقوم روسيا بالضغط على إيران وإدراج المعارضة السورية ضمن المحادثات. ومع ذلك، يرى مارداسوف أنه من غير المنطقي مطالبة إيران بسحب كامل قواتها من الأراضي السورية، إذ ستظل موجودة عبر العديد من المجموعات المحلية الموالية لها.
وفي هذا الصدد، أورد الخبير أنه "قد يتم تقليص الوجود الإيراني، لكن قوات طهران لن تغادر سوريا". ووفقاً للمحلل، تعد إسرائيل وسيلة تضغط بها روسيا على إيران، ولعل ذلك ما يجعل هجمات إسرائيل على الأراضي السورية تخدم مصالح روسيا.
وبحسب الصحيفة الروسية تدعو القيادة الأميركية وبشكل منتظم جميع الأطراف المتدخلة في الحرب السورية للضغط على إيران، بما في ذلك روسيا.
وفي الكلمة التي ألقاها في مؤسسة "هيريتيج"، قال وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو، إن "حزب الله يستخدم قواته البرية لشنّ حملات عسكرية في سوريا، بفضل المساعدة التي يتلقاها من إيران، بينما تواصل قوات الحرس الثوري ضخ الآلاف من الجنود إلى داخل سوريا، من أجل دعم النظام الدموي وتحويل سوريا إلى ساحة للقتال".
وأضاف الدبلوماسي الأميركي بأنه بدلاً من مساعدة مواطنيه، يستمر النظام السوري في إنشاء ممر يمتد من حدود إيران إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لا سيما أن طهران ترغب في نشر طائرات مقاتلة وأنظمة أسلحة متطورة بالقرب من إسرائيل على طول هذا الممر.
ومن جهتها، وصفت الخارجية الإيرانية تصريحات بومبيو بأنها بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية، متوعدة بتحميل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية أي هجوم يستهدف إيران.