مجلة The Atlantic: ما يحدث في الخليج لا يقف عند حدوده.. وهكذا انتقل الصراع إلى القرن الإفريقي

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/08 الساعة 20:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/09 الساعة 08:43 بتوقيت غرينتش
Somali military officers attend a training programme by the United Arab Emirates (UAE) at their military base in Mogadishu, Somalia November 1, 2017. Picture taken November 1, 2017. REUTERS/Feisal Omar

بعد مرور عام على بداية الأزمة الخليجية بعد قطع تحالف بقيادة السعودية العلاقات مع قطر شهر يونيو/حزيران عام 2017، تطرق الكثير من المحللين والباحثين السياسيين إلى تأثيرات الأزمة الخليجية على المحيط الإقليمي والصراع الدولي.

وفي مقال بمجلة The Atlantic الأميركية، يقول روبرت مالي، المدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية والمساعد السابق للرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون، يبدو أنَّ الأزمة الخليجية التي بدأت العام الماضي (2017)، تطبق عكس قاعدة فيغاس: ما يحدث بالخليج لا يبقى (أو حتى يكون تأثيره الكبير) في الخليج.

ويوضح الكاتب أنه لم يُحرَز تقدُّمٌ يُذكَر من أجل تسوية هذا النزاع، وتبدو جميع الأطراف مستعدة لتحمُّل هذا الوضع في المستقبل المنظور.

ما يحدث في الخليج يثير القلاقل بمناطق أخرى

وتضيف المجلة الأميركية أن تطبيق عكس قواعد فيغاس يعني أيضاً أنَّ ما يحدث في الخليج يثير على نحوٍ متزايدٍ، القلاقل بمناطق أخرى ويؤثر عليها تأثيراً خطيراً. ويبدو الصومال أوضح مثال على ذلك.

وحسب كاتب المقال، فإنه بعد عقود من الحرب الأهلية، "توقعتُ أن أجد صورة مُعسكرة ومُفجَّرة لمدينة ساحلية كانت عظيمة يوماً". ويوضح أن مقديشو ما زالت تعاني أحداث العنف، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، لقي 600 شخص حتفهم إثر واحدة  من أكثر حوادث انفجار الشاحنات المفخخة دمويةً في التاريخ.

ومع ذلك، لا تزال البلاد تزخر بعلاماتٍ على التقدم؛ فمصابيح الشوارع مضيئة، وأكشاك بيع الطعام مليئة بالمواد الغذائية، والمحال التجارية تعج بالبضائع، ومركبات التوك توك تتردد جيئةً وذهاباً على الطرق، والناس يجتمعون على شواطئ العاصمة، ومبانٍ جديدة قيد الإنشاء، ومبانٍ قديمة يجري ترميمها. ومع ذلك، فإنَّ ذلك التقدم الهش أصبح الآن مُهدَّداً من مصدر غير محتمل؛ إذ امتدت التنافسات بين دول الخليج إلى منطقة القرن الإفريقي.

3 عقود من الحرب الأهلية

منذ انهيار الحكومة المركزية الصومالية في أوائل التسعينيات، تضرب الحرب الأهلية البلد لما يقرب من 3 عقود، في واحدٍ من أطول الصراعات التي يشهدها العالم. وفي عام 2006، ظهرت حركة الشباب المجاهدين، وهي حركة جهادية متمردة أصبحت فيما بعدُ فرعاً لتنظيم القاعدة، واستولت على مناطق في البلاد، من ضمنها جزء كبير من العاصمة.

وفي عام 2010، حدثت مجاعة تسبَّبت في وفاة أكثر من ربع مليون صومالي، وازدادت الأمور سوءاً باستيلاء حركة الشباب على المنطقة الجنوبية الوسطى من البلاد. ولم يُوضَع حد لمكاسب حركة الشباب حتى عام 2011، بعد نشر قوات الاتحاد الإفريقي؛ إذ دفعت عمليات الاتحاد الإفريقي والصومال الحركة خارج مقديشو، وبدأت في تنفيذ عملية بطيئة لإرساء الاستقرار بالبلاد.

لا تزال هناك الكثير من التحديات الهائلة الحقيقية القائمة؛ إذ تُشكِّل المصالحة وتخصيص السلطة والموارد بين العشائر الحرونة في الصومال، ومقديشو والمناطق الصومالية، أو الولايات الفيدرالية، صراعاً شاقاً ووعِراً. وكذلك، ينطبق الأمر على بناء القوات الأمنية، التي في الأغلب لا تعدو أن تكون تشكيلة من الميليشيات التي تكنُّ ولاءها الأساسي للعشائر مقابل أي تسلسل قيادة رسمي.

وأثبتت حركة الشباب مرونتها، وفي كثير من الأحيان مثَّلت جهة أفضل لتقديم الخدمات وتوليد الدخل بالمقارنة مع الحكومة الموبوءة بالفساد. لكن بوجهٍ عام، بدا أنَّ الاتجاه العام للحكومة إيجابياً. وكان انتخاب الرئيس محمد عبد الله محمد، المعروف باسم فرماجو، في عام 2017، بعدما حظي بتأييد جميع العشائر الصومالية، أمراً آخر يبعث على الأمل.

الأزمة الخليجية تهيمن على القرن الإفريقي

لكنَّ الأزمة الخليجية التي بدأت في يونيو/حزيران 2017، بالنسبة للمجلة الأميركية، أضافت مزيداً من التعقيدات والخلافات. "لم أكن أتوقع كثيراً أن يهيمن الشرق الأوسط على مناقشاتي مع المسؤولين في القرن الإفريقي.

غير أنه في جميع الاجتماعات التي عقدتها، كان الموضوع الطاغي هو كيف أنَّ التنافس بين قطر ودول الخليج الأخرى، خاصة الإمارات، من شأنه التأثير على الصومال والقرن الإفريقي على نطاق أوسع، سواء كانت تلك الاجتماعات مع رئيس الوزراء، أو وزير التخطيط الوطني، أو مستشار الأمن القومي للرئيس، أو قادة المجتمع المدني في الصومال، أو بطبيعة الحال المسؤولين الأفارقة والدبلوماسيين الغربيين في العاصمتين الإثيوبية والكينية".

وأوضح المدير التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية والمساعد السابق للرئيسين باراك أوباما وبيل كلينتون بمقاله، أنه في أعقاب الأزمة وتحت ما أفادت تقارير بأنَّه ضغطٌ من القوى الخليجية للانحياز إلى أحد الأطراف، أعرب الرئيس فرماجو عن رغبته في إبقاء الصومال خارج النزاع. لكن، لم تقتنع الإمارات بالأمر. واعتبرت العديد من الشخصيات التي عيَّنها فرماجو مقربين أكثر من اللازم من قطر؛ ومن ثم تتعارض مع إعلانه تبني موقفٍ حيادي.

الإمارات ترفض حياد الحكومة الصومالية

ورداً على ذلك، زادت الإمارات دعمها، ليس فقط لبعض الفصائل الصومالية المتنازعة؛ بل كذلك للولايات الفيدرالية الصومالية. وفي المقابل، استشاطت حكومة فرماجو غضباً؛ بسبب ما اعتبرته محاولات ترمي إلى تقويض سلطتها، وضيَّقت الخناق على منافسيها، مُتذرِّعةً في كثير من الأحيان بعلاقاتهم المزعومة مع الإمارات.

وأدَّت مصادرة الحكومة الصومالية أكثر من 9 ملايين دولار أميركي في أبريل/نيسان 2018، من طائرة إماراتية في مطار مقديشو، إلى تصعيد الأزمة لحد الغليان. وتستشهد الحكومة الصومالية بتلك الأموال باعتبارها دليلاً على التدخل الإماراتي في الصومال.

وتنفي الإمارات الاتهام وتتحجَّج بأنَّ الأموال كانت موجهة إلى القوات الصومالية، التي تدفع هي رواتبها منذ وقتٍ طويل. بصرف النظر عن هذا، تسبَّب النزاع في إحداث تداعيات مدمرة متلاحقة.

وأوضح كاتب المقال أنه إذ ألغت الإمارات برامج المعونات وسحبت أفرادها من العاصمة، أدى هذا الخلاف إلى تفاقم النزاعات الداخلية الصومالية، لا سيما بين حكومة فرماجو والولايات الفيدرالية. يعمل الخلاف على تعميق الخلل الوظيفي في الدولة الصومالية -يمكن القول إنَّ السبب الرئيسي وراء ذلك، جماعة الشباب، لا تزال تشكل تهديداً- إلى جانب المخاطرة بالسماح للحركة بحشد المزيد من القوة على الرغم من آلاف الأرواح التي بُذِلَت ومليارات الدولارات التي أُنفِقَت لمحاربتها.

ولا يمكن إلقاء مسؤولية التحديات كافة التي تواجه الصومال، على أعتاب الخليج. فعلى مدار سنوات، مثَّلت مساعدات الممالك الخليجية واستثماراتها شريان حياة للكثير من الصوماليين. كما أنَّ النخب الصومالية، التي تتمتع بمهارة طويلة في سلوك طريقها عبر الزبونية الأجنبية، ليست ضحايا. ففي كثير من الأحيان، كانت تلك النخب ماهرة في التلاعب بالأجانب تماماً بقدر ما كان الأجانب مهرة في التلاعب بهم.

لم يفُت الأوان للتراجع خطوة إلى الوراء

لكنَّ التنافسات بين القوى الخليجية -التي تظهر بصورة متزايدة في التسابق المحموم على النفوذ حول البحر الأحمر وبالقرن الإفريقي- جلبت منعطفاً جديداً خطيراً إلى الاستقرار المنعدم في الصومال.

ويؤكد المقال أن الأوان لم يفُت بعدُ للجميع من أجل التراجع خطوة إلى الوراء: بالنسبة لمقديشو أن تتبنى موقفاً حيادياً صارماً بين قطر والإمارات وإصلاح علاقاتها المضطربة مع الولايات الفيدرالية؛ وبالنسبة لدول الخليج أن تتوقف عن التدخُّل في السياسات الصومالية الداخلية؛ وبالنسبة للجهات الفاعلة المختلفة في الصومال أن تتوقف عن استغلال مصالح البلدان الخليجية الاقتصادية أو الاستراتيجية في بلدها من أجل أغراض تلك الجهات الخاصة.

وأيٌ من ذلك لن يضع حداً للصراع المأساوي الطويل في الصومال. فحتى دون التدخل الخليجي، لا تزال جهود إرساء الاستقرار في البلاد، وكبح تهديد حركة الشباب، وإحداث التوافق بين العشائر، والتغلُّب على التوترات بين المركز والأطراف- تواجه عملاً شاقاً وطويلاً.

ويختم مقال مجلة The Atlantic الأميركية بتأكيده أنه إن عاملت البلدان الأكثر غنىً وقوةً البلد باعتباره ساحة معركة مُستهلَكة، وإذا واصلت تلك البلدان والفصائل الصومالية صيغة من التنافس الصفري غير الملائم لسياسات البلاد المحمومة ومتعددة الأقطاب، فإنَّ إراقة الدماء والشقاق الذي يعانيه الصومال منذ أمدٍ طويل يُهدد بأخذ منحىً أكثر قتامة.   

 

علامات:
تحميل المزيد