حالة من الغضب تعيشها بلدان الاتحاد الأوروبي عقب إعلان الولايات المتحدة الأميركية تنفيذ تهديداتها السابقة بفرض رسوم جمركية باهظة على بعض المواد القادمة من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.
إذ أعلن وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، الخميس 31 مايو/أيار 2018، أن بلاده ستفرض الجمعة 1 يونيو/حزيران 2018، رسوماً جمركية باهظة على الفولاذ والألومنيوم المستوردَين من الاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا.
وقررت واشنطن، من ثم، عدم تمديد العمل بالإعفاء المؤقت الذي منحته للاتحاد الأوروبي حتى منتصف ليل الخميس 31 مايو/أيار 2018، وستفرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الفولاذ و10% على الألومنيوم.
كما ألغت تعليق هذه الرسوم بالنسبة إلى المكسيك وكندا، في الوقت الذي لا تزال فيه إعادة التفاوض حول اتفاق نافتا للتبادل الحر بين الدول الثلاث تراوح مكانها منذ انطلاقها قبل 10 أشهر.
وأدلى روس بتصريحه، في مؤتمر صحفي عبر الهاتف، خلال وجوده بباريس للمشاركة في اجتماع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بأوروبا، موضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد منح الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي "استثناء دائماً وغير مشروط من الرسوم الجمركية".
وتابع روس: "لقد أجرينا محادثات مع المفوضية الأوروبية وحتى لو كنا حققنا تقدُّماً فإنهم لم يمضوا إلى حد يمكن فيه تبرير تمديد العمل بالاستثناء الموقت أو منح استثناء دائم".
"أوروبا موحدة" في مواجهة "أميركا أولاً"
من جهته، أعلن جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي "سيعلن في الساعات المقبلة إجراءات مضادة" على فرض رسوم أميركية على واردات واشنطن من الفولاذ والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك.
وصرح يونكر في مؤتمر صحفي ببروكسل: "إنه يوم سيئ للتجارة. الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يبقى من دون ردّ. ما يمكنهم (الأميركيون) القيام به نحن قادرون عليه تماماً".
وقال يونكر في بيان، إن "الولايات المتحدة لا تترك لنا خيارات أخرى سوى حمل هذا النزاع إلى منظمة التجارة العالمية، وفرض رسوم جمركية إضافية على عدد من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة".
ويشير بيان المفوضية إلى أن هذه الآلية التي قد تستغرق سنوات، سيتم البدء بها أمام منظمة التجارة العالمية الجمعة 1 يونيو/حزيران 2018.
وذكرت المفوضة الأوروبية للتجارة، سيسيليا مالمستروم، من جهتها، في البيان نفسه: "إننا (الاتحاد الأوروبي) قمنا بكل ما يمكن أن نقوم به من أجل تجنب ذلك"، مضيفة أنها تحدثت في الأشهر الأخيرة بمناسبات مختلفة إلى وزير التجارة الأميركي ويلبور روس.
وتعهَّد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم كبيرة على عشرات المنتجات الأميركية، منها التبغ والويسكي وملابس الجينز والدراجات النارية؛ رداً على الرسوم الجمركية الأميركية .
وأرسل الاتحاد الأوروبي هذه اللائحة إلى منظمة التجارة العالمية في 18 مايو/أيار 2018؛ تحسباً لقرار واشنطن.
كما نبهت الحكومةُ الألمانية إلى أن الرد على "أميركا أولاً" سيكون "أوروبا الموحدة" بعد قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من الاتحاد الأوروبي والمكسيك وكندا.
واعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن الرسوم الجمركية التي قررت الحكومة الأميركية فرضها "غير قانونية"، وأعربت عن قلقها إزاء "مخاطر التصعيد". وقالت في بيان: "ترفض الحكومة الألمانية (هذه الضرائب). نعتقد أنها غير قانونية"، وأن قرار فرضها "يحمل في طياته مخاطر حدوث تصعيد سيُلحق اضراراً بالجميع في النهاية".
كما وصف وزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية، جان باتيست لوموان، الرسوم الأميركية بأنها "غير مبررة"، ودعا بروكسل إلى الرد عبر اتخاذ إجراءات "تعيد التوازن". وصرح للصحفيين، على هامش الاجتماع السنوي لمنظمة الأمن والتنمية الاقتصادية في باريس، بأن "فرنسا ترفض هذه الإجراءات غير المبررة"، معتبراً أن الولايات المتحدة "ردَّت بشكل سيئ" على "ضرورة إعادة تأسيس التجارة الدولية".
وقال: "اليوم، على صعيد التجارة الدولية، نحن على شفير الهاوية". وأكد الوزير الفرنسي: "الحاجة إلى قدر كبير من التحكم، لنُظهر للولايات المتحدة أنها تسلك الطريق الخاطئ، وأن من الملحِّ إيجاد ردود جذرية"، معتبراً أن "المستهلكين الأميركيين سيدفعون الثمن". ونبَّه إلى أن الإجراءات التي سيتخذها الاتحاد الأوروبي "ستشكل ضربة للمنتجات الأميركية، لكننا سنقوم بذلك بشكل متكافئ ومدروس؛ لأن التصعيد غير جيد".
حوار طرشان في اجتماع "مجموعة السبع"
الأجواء توحي بحوار طرشان يمكن أن يتواصل خلال اجتماع وزراء مالية دول السبع، اعتباراً من الخميس 31 مايو/أيار 2018 وحتى السبت 2 يونيو/حزيران 2018، في منتجع ويسلر للتزلج بشمال فانكوفر غرب كندا.
وهذا التوتر ملموس أكثر من الجانب الأوروبي، خصوصاً أن إيطاليا الدولة الثالثة في منطقة اليورو التي تمر بأزمة سياسية غير مسبوقة، قد تكون لها تبعات تتجاوز حدودها. وأقر أحد الوفود بأن اجتماع وزراء مجموعة السبع التي تضم ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا سيتم في أجواء "مشدودة".
وتستورد الولايات المتحدة، التي تنتقد الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بأنها لا تفتح أسواقها بما يكفي أمام المنتجات الأميركية، 51.3% من الألومنيوم و35.8% من الفولاذ من شركائها في مجموعة السبع، بحسب بيانات وزارة التجارة الأميركية لعام 2017.
ويحاول الأوروبيون اعتماد موقف موحد إزاء الولايات المتحدة، ويدعون الى حوار يشمل دولاً عدة بدلاً من المحادثات الثنائية.
تصعيد مكسيكي كندي وتهدئة صينية
وكانت الحكومة المكسيكية قد أعلنت الخميس 31 مايو/أيار 2018، عن إجراءات تجارية للرد على الرسوم الجمركية الأميركية على واردات واشنطن من الفولاذ والألومنيوم. وأعلنت وزارة الاقتصاد في بيان، أن "المكسيك ستفرض إجراءات مماثلة على مختلف المنتجات"، من بينها بعض أنواع الفولاذ والفواكه والأجبان، وستظل هذه الإجراءات "سارية طالما لم تلغِ الحكومة الأميركية الرسوم الجمركية التي فرضتها".
وردت كندا على قرار الولايات المتحدة بفرض رسوم بقيمة 16,6 مليار دولار كندي. وستحظى هذه الدول -على الأرجح- بدعم اليابان، التي فرضت الولايات المتحدة عليها هذه الرسوم التي أعلنها ترامب في مطلع مارس/آذار 2018 بذريعة حماية الأمن القومي.
ويتعيّن على واشنطن الرد خلال قمة مجموعة السبع، على التساؤلات عن التقلبات في سياستها التجارية إزاء الصين؛ إذ عادت الإدارة الأميركية، الثلاثاء 29 مايو/أيار 2018، إلى الهجوم على الصين بعد الهدنة المعلنة في 19 مايو/أيار 2018، في حربهما التجارية.
فقد أعلن البيت الابيض انه سيواصل خطته لفرض تعرفات جمركية إضافية بنسبة 25% على ما قيمته 50 ملياراً من الواردات السنوية من الصين، وقال إنه يعد لإجراءات من أجل فرض قيود على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة.
وحذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، هوا تشونينغ، من أن "الصين لا ترغب في حرب تجارية، لكنها لا تخشى خوض مثل هذه الحرب"، مندِّدةً بـ"المواجهة" من قِبل شريكها الأميركي.
إلا أن الصين بدت الخميس وكأنها تعبِّر عن حسن نية بإعلانها خفضاً لرسومها على وارداتها من الملابس والأدوات الكهربائية المنزلية ومستحضرات التجميل، وذلك اعتباراً من يوليو/تموز 2018.