إعلان كوريا الشمالية تفكيك أحد مواقع التجارب النووية في البلاد لم يبعث على الارتياح بالنسبة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ بل إن بعض المراقبين ذهبوا إلى اتجاه أن التدمير الذي جرى الخميس 24 مايو/أيار 2018، قد يكون شكلياً وفي أحسن الأحوال محاولة لتدمير الأدلة.
وزاد من مخاوف الأمين العام للأمم المتحدة إلغاءُ القمة المرتقبة الشهر المقبل (يونيو/حزيران 2018)، بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، حيث عبر غوتيريش، الخميس 24 مايو/أيار 2018، عن "قلقه الشديد" إثر إلغاء القمة التاريخية، وقال غوتيريش خلال عرض برنامجه لنزع الأسلحة في جنيف: "أنا قلق جداً، وأحضُّ كل الأطراف على مواصلة حوارهم لإيجاد سبيل نحو نزع الأسلحة النووية بشكل سلمي، ويمكن التحقق منه في شبه الجزيرة الكورية".
وأفاد صحفيون بوقوع انفجارات قوية في موقع التجارب النووية الكوري الشمالي الوحيد المعروف والذي وعد الزعيم كيم جونغ أون بتفكيكه، مسلِّطاً الضوء على منشأة بونجي-ري السرية القريبة من الحدود مع الصين. وشهد الموقع، الذي يمكن الوصول إليه عبر أنفاق تحت الأرض، 6 تجارب نووية أجرتها بيونغ يانغ آخرها في سبتمبر/أيلول 2017.
وأعلنت كوريا الشمالية، في بداية مايو/أيار 2018، أنها ستفجر الأنفاق التي تقود إلى المنشأة أمام مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية الذين دُعوا لمتابعة الحدث. ويُعَد تفكيك الموقع مبادرةً حُسن نية، لكن الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قرر إلغاء قمته التي كانت مرتقبة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في 12 يونيو/حزيران 2018، بسنغافورة.
موقع جغرافي مثالي
تحيط بالموقع الذي يُعَد مثالياً؛ لاحتواء قوة عصف التفجير النووي، جبال شاهقة في إقليم شمال هاميغيونغ (شمال شرق) على حدود الصين، وهو محفور عميقاً تحت جبل غرانيتي يناهز ارتفاعه 2000 متر. ويمكن رؤية الأنفاق التي تقود إلى الموقع من عدة اتجاهات.
وكُشف عن وجوده في أكتوبر/تشرين الأول 2006، مع أول تجربة نووية كورية شمالية في عهد الزعيم الراحل كيم جونغ إيل، والد جونغ أون. ومنذ ذلك الحين، بات مراقَباً بالأقمار الاصطناعية.
أُجريت التجربة الأولى في النفق الشرقي، والثانية والثالثة بالنفق الغربي، والتجارب الأخرى في النفق الشمالي، بحسب مسؤولين من أجهزة الاستخبارات. وتحدثت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب"، الخميس 24 مايو/أيار 2018، عن 3 انفجارات في الأنفاق، أعقبتها تفجيرات دمرت مواقع مراقبة ومنشآت أخرى.
انفجار قوي على الحدود الصينية
أظهرت التجارب التي أُجريت في الموقع، التقدُّم السريع للبرنامج النووي الكوري الشمالي، وخصوصاً منذ وصول كيم إلى السلطة في 2011، حيث أشرف على 4 تجارب خلال 6 سنوات. التجربة الأولى التي اعتُبرت عموماً "فاشلة"، بلغت قوتها كيلوطن فقط (1000 طن) مقارنةً مع 250 كيلوطناً للسادسة في 3 سبتمبر/أيلول 2017، والتي فاقت بذلك 16 ضعفاً قوة القنبلة الذرية التي دمرت هيروشيما في 1945.
لكن قرب بونجي-ري من الصين أصبح مصدر قلق لبكين. وسببت التجربة السادسة هزة أرضية شعر بها السكان على الجانب الآخر من الحدود؛ ما دفع العديد من الصينيين الى الفرار مذعورين. وعززت التجارب المخاوف من مدى سلامة الموقع، مع تحذيرات وجهها علماء صينيون من تهديد بانتشار إشعاعات كبيرة في كل المنطقة.
وتجدد الجدل حول إصابة الموقع بأضرار في أبريل/نيسان 2018، بعد إعلان كيم إغلاقه. وبيَّنت دراسة أجراها خبراء زلازل بجامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في الآونة الأخيرة، أن التجربة النووية الأخيرة تسببت في انهيار صخور داخل جبل مانتاب الذي تجري تحته التجارب. لكنَّ سيول نقلت أن كيم رفض فكرة عدم جدوى الموقع، متحدثاً عن "نفقين إضافيَّين أكبر حجماً لا يزالان في حالة جيدة".
مجرد تنازل شكلي؟
جاء تصريح كيم، بعد أن قال بعض المشككين إن تفكيك الموقع هو مجرد تنازل شكلي؛ لأن الموقع لم يعُد قابلاً للاستخدام، وقال آخرون إن بيونغ يانغ تعلَّمت كل ما تحتاج لأن تعرفه بعد التجارب التي أجرتها.
وقال غو ميونغ هيون، من معهد أسان للدراسات السياسية: "لقد جمعوا كل المعلومات الضرورية، وفي حال لم يقوموا بإتلاف هذه المعلومات، فيمكن التشكيك في أهمية تفكيك موقع حقق الغرض منه".
لكنَّ جيفري لويس، من معهد ميدلبري للدراسات الاستراتيجية، يرفض هذه الفرضية بقوله إنه ليس هناك ما يثبت أن الموقع لا يمكن استخدامه.
مخاوف من إشعاعات
يؤكد الشمال منذ فترة طويلة، أن تجاربه لا تهدد البيئة ولا تصدر عنها "تسريبات إشعاعية". لكنَّ وسائل إعلام كورية جنوبية ويابانية تنقل عن منشقين كوريين شماليين وباحثين تعرُّض العاملين في الموقع أو السكان بالجوار لإشعاعات، مع تسجيل إصابات بمرض السرطان أو ولادة أطفال يعانون تشوهات.
وهذا القلق أقنع وزارة التوحيد الكورية الجنوبية بأن تجري السنة الماضية (2017)، فحوصاً طبية لـ30 كوريّاً شمالياً منشقاً من المنطقة التي يُفترض أنها تتأثر بهذه الإشعاعات.
وظهرت على أربعة منهم أتوا من منطقة كيلجو التي تضم بونجي-ري، عوارض يمكن أن تفسَّر بتعرُّضهم لإشعاعات. لكن الباحثين المشاركين في الدراسة قالوا إنه لا يمكن استخلاص أي نتائج لربط هذه المشاكل الصحية بتجربة نووية.