منذ 5 أعوام، زار يوسف شيغو أطلال فندق العروبة الذي كان عظيماً في الماضي والذي يطل على المحيط الهندي على الواجهة البحرية للعاصمة الصومالية مقديشو. فقد عمل جدُّه بفندق قريب في السبعينيات.
سمع شيغو قصصاً كثيرة من جده عن الدبلوماسيين وكبار الشخصيات الذين مكثوا هناك في زيارات مُتكرِّرة إلى البلاد التي كانت تُعرَف آنذاك باسم "سويسرا إفريقيا".
وبعد عقود من الحرب الأهلية، كانت النوافذ المُقوَّسة لفندق العروبة وواجهته المبنية بالجص الأبيض في حالةٍ يُرثى لها. في حين أزيل الطابق الرابع بأكمله وثُبِّتَت فوقه مدافع هاون، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian الأميركية.
بالنسبة لشيغو، وهو خريج حديث في كلية مانشستر للهندسة المعمارية، "كانت المباني بمثابة علمٍ يُدرَّس"، منحته معلوماتٍ عن مدينته التي غادرها إلى المملكة المتحدة عندما كان طفلاً وربطته بقصصٍ عن والديه وأجداده.
يقول شيغو: "كانت هناك طرقٌ ومبانٍ جيدة مثل أي مكانٍ آخر، كان من الممكن أن تكون واحدة من كبرى المدن في إفريقيا".
مشروع شيغو.. ما هو؟
وشيغو هو مؤسس مشروع Somali Architecture، المختص بإنشاء المباني والآثار الموجودة منذ عصر ما قبل الحرب بمقديشو رقمياً، والذي يُقدِّم رؤيةً إيجابية حول مدينةٍ كانت في يومٍ من الأيام عاصمةً ثقافية واقتصادية مزدهرة، ويمكن أن تعود كذلك مرة أخرى.
يشمل عملهم مجموعةً من النماذج الرقمية ثلاثية الأبعاد التي تتطلَّب الكثير من الجهد لمبانٍ شهيرة دُمِّرَت الآن بدرجةٍ كبيرة، وأنشأ شيغو تلك النماذج عقب سنواتٍ من الأبحاث الأرشيفية. هناك أيضاً حسابٌ شهير على موقع إنستغرام يعرض المئات من الصور التي توضح عظمة المدينة السابقة.
يقول شيغو: "بالتركيز على الوضع الذي اعتادت أن تكون المدينة عليه، نحن نتساءل أيضاً: ما هو مصير المدينة الآن؟". وهو يأمل أن تعمل النماذج ثلاثية الأبعاد كمرشدٍ للتطوير المستقبلي، وأن تكون بمثابة مُخطَّطات تذكيرية للتراث المعماري للمدينة.
يُعد مشروع شيغو هو المبادرة الأحدث الوحيدة التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية للحفاظ على العظمة المعمارية للتاريخ وإعادة بنائها. استُلهِمَ المشروع من الناشط السياسي الراحل باسل خرطبيل ودعَّمه معهد الآثار الرقمي واليونيسكو، وينطوي على متطوعين يلتقطون صوراً ثلاثية الأبعاد لمدينة تدمر قبل أن تسقط في أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) عام 2015. أُعيدَ بناء قوس النصر للمدينة العريقة بعد ذلك خارج الموقع استناداً إلى نماذج ثلاثية الأبعاد نشأت عن طريق قاعدة بيانات من الصور إلى جانب إشراف مدير متحف تدمر.
أهدافه تتجاوز الترميم
وفقاً لروجر ميشيل، مدير معهد الآثار الرقمي، فإن الهدف من تلك المشروعات يتجاوز الترميم وبناء المجتمعات وإشراك الأشخاص في تاريخ ثقافي مشترك.
ويقول ميشيل: "تفيد تلك النماذج في استعادة الأشياء من الماضي لترميمها ودراستها، ولكنها تصبح آثاراً في حدِّ ذاتها".
لا يحظى مشروع Somali Architecture بميزة الكاميرا ثلاثية الأبعاد، فالدمار الذي نزل على مقديشو قد يلاكحلَّ بالفعل. يعتمد شيغو وفريقه بدرجةٍ كبيرة على الصور الأرشيفية والصور الفوتوغرافية من مصادر كان الفريق يعمل على حشدها.
والجميل أن هذه المبادرة قد لاقت المطالبة بمثل تلك الصور استجابة الصوماليين في الشتات من جميع أنحاء العالم، والذين يُقدَّر عددهم بأكثر من مليون شخص. وترك معظمهم البلد الذي دمَّرَته الحرب في التسعينيات.
"مادينة سكاتشي" هي معمارية صومالية إيطالية تقطن في روما ولم تطأ قدماها الصومال من قبلُ؛يلاك إذ وجدت صعوبةً في التوفيق بين الذكريات العزيزة لدى والديها عن حياتهم في مقديشو والصور الحديثة للمباني المُهدَّمة.
تقول سكاتشي: "تسمع قصصاً رائعة عن مقديشو، ولكنني لا أرى الأشياء التي رآها والداي. كل ما تراه هو الدمار".
عثرت مادينة على حساب مشروع Somali Architecture على موقع إنستغرام عن طريق صديق صومالي كندي. أثارتها النماذج ثلاثية الأبعاد المعروضة، فاتصلت بشيغو، وفي النهاية انضمَّت إلى الفريق كمُتطوِّعة. بالنسبة لها، يمنحها المشروع "طريقةً تجعلها تشعر بأنها ليست منفصلةً كثيراً" عن جذورها.
"بإمكاناتنا المتواضعة، نحن نحاول"
جاء هذا النشاط من الشباب الصومالي متزامناً مع الأمل المُتردِّد للمدينة والبلد. فعلى الرغم من استعادة القوات الحكومية السيطرة التامة على مقديشو عام 2012، لا تزال الهجمات الإرهابية تُشكِّل تهديداً خطيراً.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، أدى انفجار شاحنة على أيدي مُتطرِّفين إلى مصرع أكثر من 500 شخص؛ ما أدى إلى تقويض الثقة بعودة الاستقرار.
لكن الصوماليين الذين فروا من العنف والقحط في العقود الماضية يواصلون العودة إلى وطنهم قادمين من جميع أنحاء العالم.
وفي السنوات الأخيرة، أعادت الصين والولايات المتحدة إنشاء مراكز دبلوماسية بالصومال، بينما أنشأت المملكة المتحدة سفارة في مقديشو، وكل ذلك بمثابة مقدمات لما تأمل البلاد أن يكون عودة للاستثمار الخارجي وثورة لإعادة الإعمار.
يقول شيغو: "يعود الصوماليون في الشتات إلى بلادهم الآن، ونحن بحاجةٍ إلى فكرةٍ مترابطة عن مصير المدينة".
تخشى مادينة ألا يسترشد الإعمار الجاري بالمدينة الآن بتقدير من التاريخ المعماري الغني للمدينة. وتقول: "بإمكاناتنا المتواضعة، نحن نحاول تغيير ذلك".
تستعد المجموعة حالياً لعرض أعمالها على المنتديات المعمارية بينما تنشئ شبكة لها من المستثمرين. لا تزال تنقص المدينة مئات من المباني.
يقول شيغو: "أريد تصميم فندق Juba الذي عمل به جدي، لكن لا تتوافر صورٌ كافية له، ليس بعد".