أثارت ادعاءات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أنَّ الحرس الثوري الإيراني ينفذ عمليات اغتيال في قلب أوروبا، حيرة الخبراء الأمنيين والمنفيين الإيرانيين، الذين قالوا إنَّهم ليسوا على علم بأي أدلة تدعم هذه المزاعم، بحسب ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية.
وأشار وزير الخارجية الأميركي الجديد إلى هذه الاغتيالات المزعومة في أول خطاب رئيسي له، الإثنين 21 مايو/أيار 2018، لكنَّه خصص لها سطراً واحداً فقط من خطابه وسط سلسلةٍ من الانتقادات للتصرفات الإيرانية، ولم يكشف عن مزيدٍ من التفاصيل.
وقال بومبيو، مشيراً إلى ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني: "يُجري فيلق القدس الإيراني اليوم عمليات اغتيال سرية في قلب أوروبا".
كيف علقت الخارجية الأميركية؟
وبسؤالها عن تصريحات بومبيو، أجابت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، قائلةً: "(بومبيو) لديه معلومات ومطلع على معلومات أنا لست مطلعةً عليها. لا يمكنني التعليق على ذلك تحديداً، ولكن يمكنني أن أبلغكم أنَّ الوزارة أكدت لي أنَّ هناك أساساً لهذه النقطة في خطابه، وأنَّه متأكد من صحة معلوماته".
وفوجئ الدبلوماسيون الأميركيون المختصون بالشأن الإيراني بادعاءات بومبيو.
تقول الصحيفة البريطانية أنه لم تُنسَب أي عمليات مؤخراً في أوروبا إلى الدولة الإيرانية. وكان شابور بختيار، آخر رئيس وزراء لإيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، قد اغتيل بفرنسا عام 1991، وأُطلِقَ النار على 4 منشقين من الإيرانيين الأكراد في مطعم يوناني يُدعى "ميكونوس" بالعاصمة الألمانية برلين في العام التالي.
وأصدرت المحكمة في قضية ميكونوس مذكرة توقيف دولية عام 1997 بحق حجة الإسلام علي فلاحيان، وزير الاستخبارات الإيراني آنذاك، لكنَّ طهران نفت ضلوعها في هذه العملية.
وألقت الحكومة البلغارية باللوم في تفجير حافلة كانت تحمل سائحين إسرائيليين بمدينة بورغاس عام 2012 على ميليشيا حزب الله اللبنانية، التي تُعد حليفةً لإيران.
أحداث معاصرة وليست من الماضي
غير أنَّ تصريحات بومبيو تشير –فيما يبدو– إلى أحداثٍ معاصرة وليست من الماضي، وخصت فيلق القدس بالذكر.
حدثت آخر عملية اغتيال لأحد المنشقين الإيرانيين في مدينة لاهاي الهولندية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عندما أطلق مسلح النار على أحمد ملا نيسي مؤسس وزعيم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز في إقليم خوزستان الغني بالنفط.
وأعلن الجناح المسلح لحركة نيسي مسؤوليته عن عددٍ من الهجمات بإيران، بما في ذلك مقتل اثنين من الحرس الثوري الإيراني في يناير/كانون الثاني 2017.
وقالت ابنة نيسي في مقابلةٍ بالعام الماضي (2017) إنَّ مقتل والدها يذكرها بعمليات الاغتيال التي نفذتها الدولة الإيرانية في تسعينيات القرن الماضي.
وقالت هورا نيسي في تصريحاتٍ لوكالة رويترز: "تبدو أوروبا آمنة، لكن كن حذراً؛ فالصراع بين السعودية وإيران لا يقتصر على الشرق الأوسط. تنظر الأسرة في كل السيناريوهات بخصوص اغتيال والدي. إيران هي المشتبه الرئيسي، لكنَّها ليست المشتبه الوحيد".
ورغم ذلك، لم تلق التحقيقات الهولندية باللوم في اغتيال نيسي على الحرس الثوري الإيراني علناً. وإذا كان بومبيو يشير إلى اغتيال نيسي، فإنَّه بهذا يكشف عن معلوماتٍ سرية، بحسب الصحيفة البريطانية.
لا أدلة تدعم ادعاء بومبيو
أمَّا إيرج مصداقي، وهو ناشط سياسي إيراني مقيم بالسويد وقضى عقداً من الزمن في السجن بإيران من عام 1981 إلى عام 1991، فيشكك في ادعاءات بومبيو.
وقال مصداقي، الذي هو أيضاً باحث في انتهاكات حقوق الإنسان بإيران ويراقب أنشطة الحرس الثوري الإيراني في أوروبا من كثب: "هذه الادعاءات غير صحيحة على الأرجح".
وأضاف قائلاً: "ليست هناك أدلة تدعم هذا الادعاء بأنَّهم (الحرس الثوري الإيراني) ينفذون مثل هذه العمليات حالياً في أوروبا".
وقال مصداقي إنَّه لم يلقَ باللوم رسمياً على الحرس الثوري الإيراني أو فيلق القدس في أي اغتيالاتٍ بأوروبا منذ قضية مطعم ميكونوس.
وقال مصداقي إنَّ إيران مشتبه بها في تنفيذ عمليتين إضافيتين على الأقل منذ عملية ميكونوس، مثل اغتيال عضو البرلماني الإيراني الأسبق رضا مظلومان بالقرب من العاصمة الفرنسية باريس، لكنَّه قال إنَّ مثل هذه العمليات توقفت فيما يبدو، بعد انتهاء المحاكمة في قضية ميكونوس عام 1997.
وأضاف مصداقي: "لقد أوضحت أوروبا بعد واقعة ميكونوس، أنَّ مثل هذه الاغتيالات تعد خطاً أحمر للقارة".
وقال مصداقي إنَّه لا توجد أي صلة حتى الآن تربط إيران بمقتل نيسي. وأضاف قائلاً: "سيكون من غير المعتاد بالنسبة لإيران أن تكون قد نفذت عملية اغتياله بالنظر إلى العلاقة التي تتمتع بها مع أوروبا حالياً، وحقيقة أنَّ نيسي لم يكن مؤثراً أو مهماً لهذه الدرجة".
وقال شاشانك جوشي، وهو باحث زميل في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بالعاصمة البريطانية لندن: "نفذت إيران مجموعة من الاغتيالات في جميع أنحاء أوروبا خلال التسعينيات من القرن الماضي، ويُعتقد على نطاق واسع أنَّ ميليشيا حزب الله المدعومة من إيران كانت مسؤولة عن هجوم بورغاس عام 2012 رداً على الاستهداف الإسرائيلي للعلماء النوويين الإيرانيين".
ولكن عن مقتل نيسي، قال جوشي: "ليست هناك أدلة عامة تدعم هذه الادعاءات، والمسؤولون الأوروبيون صامتون حيال الأمر".