كان يوجه قاربه عبر نهر النيل بعيداً عن الأعمدة الرائعة لمعبد الأقصر على الضفة الشرقية للنهر، عندما أشار مبتسماً إلى الفنادق على الشاطئ المقابل، وهو يقول إنها مشغولة للمرة الأولى منذ سنوات.
هكذا أعرب المراكبي محمد حفني عن ارتياحه لعودة السائحين أخيراً إلى المدينة بعد سبع سنواتٍ صعبة، كما ورد في تقرير The Financial Times البريطانية.
"كان هذا أفضل عام (2018) منذ الثورة في 2011. توقف قدوم السائحين الفرنسيين، لكنَّهم عادوا الآن. ويعاود الإيطاليون أيضاً الظهور في المدينة. قبل ذلك، لم يكن لدينا عمل ولا نقود".
حجوزات الخريف المقبل دأت من الآن
تتعافى السياحة أخيراً في مختلف أنحاء مصر، بفضل توافر أسعار أرخص (بعد تحرير صرف الجنيه المصري)، وتحسُّن الوضع الأمني. وتشير بيانات صناعة السياحة إلى ارتفاع أعداد السائحين في الربع الأول من عام 2018 بنسبة 30% مقارنةً بالعام السابق، وأنَّ معدلات إشغال الفنادق وصلت لأعلى مستوياتها منذ عام 2010.
وقال أصحاب الفنادق وشركات السياحة إنَّ الحجوزات للموسم السياحي الجديد الذي بدأ في سبتمبر/أيلول تزايدت، ما عزَّز التفاؤل في صناعةٍ تُعتَبَر حيوية بالنسبة لاقتصاد البلاد المتعثر.
العائدات تتحسن ولكن لم تعد لسابق عهدها
وقالت وزيرة السياحة المصرية، رانيا المشاط، إنَّ عائدات السياحة من المتوقع أن تصل إلى ثمانية مليارات دولار هذا العام 2018، مقارنةً بـ7.6 مليار دولار العام الماضي حين زار مصر 8.3 مليون سائح. وعلى الرغم من التحسن، كان هذا الرقم أقل بكثير من عام 2010 حين بلغت العائدات 12 مليار دولار وبلغ عدد الزائرين ذروته ليصل إلى 14.7 مليون زائر.
وقال الخبير السياحي وعضو اتحاد السياحيين المصريين محمد عبدالجواد إن مصر استردت جزءاً كبيراً من مكانتها كواحدة من مقاصد السياح المهمة في العالم، حيث بدأ القطاع السياحي يسترد عافيته خلال العامين الماضيين، لاسيما مع تزايد أعداد السياح الألمان، بالإضافة إلى تزايد الإقبال الصيني على مصر.
مدن البحر الأحمر تستعد لعودة السياح الروس
وقالت الوزيرة رانيا المشاط إنَّ استئناف الرحلات الجوية إلى القاهرة من روسيا في أبريل/نيسان 2018، والتي كانت قد عُلَّقت بشكلٍ كامل بعد حادثة التفجير الذي وقع لطائرة روسية فوق سيناء، ساهم أيضاً في النظرة التفاؤلية في صناعة السياحة.
وفيما يبدو خطوة تمهد لعودة السياحة الروسية لمصر، قال الخبير السياحي محمد عبدالجواد، إن المدن السياحية المصرية باتت مستعدة بشكل كامل لاستضافة السياح الروس، وأصبحت كافة احتياجاتهم متوفرة، حفاظاً على عاداتهم وما يتمتعون به، وفق تقرير نشره موقع Sputnik.
رحلات إضافية تحمل الإيطاليين إلى المدينة الساحرة
السياح الإيطاليون يعودون بقوة إلى منتجعات شرم الشيخ، خلال موسم الصيف الجاري، هكذا قال أندريا فينتو فياجي، ممثل إحدى أكبر شركات السياحة الإيطالية.
وأضاف "فياجى" خلال افتتاح مكتب شركته فى شرم الشيخ، "بدأت جميع شركات السياحة الإيطالية في إدارة رحلاتها إلى مصر، وسيقضي سائحون إيطاليون عطلاتهم في المدينة الساحرة".
ووفقاً لموقع الشركة على الإنترنت، احتل السياح الإيطاليون المرتبة الثانية قبل عام 2010 في قائمة أكبر عدد من السياح من دولة واحدة يزورون شرم الشيخ.
وتعتبر مدينة شرم الشيخ وجهة لا يوجد لها بديل للسياح الإيطاليين، سواء على مستوى الخدمات فى الفنادق أو أماكن الترفيه أو الطقس أو الأسعار، حسب قوله.
وأشار أندريا إلى أن الرحلات الإضافية من مدن إيطاليا إلى شرم الشيخ تؤكد عودة السوق الإيطالية إلى شرم الشيخ من جديد.
إشغال كامل في بعض الأيام رغم أنه موسم منخفض
وبينما يقدم النادلون في ردهة فندق Sofitel Luxor Winter Palace مشروبات ترحيبية لمجموعة من السياح الصينيين، قال سليم شاور، مدير الفندق: "أصبحت حجوزات الفندق تقريباً كاملة العدد، على عكس السنوات السابقة".
وأضاف: "يُعتَبَر شهر مايو/أيار بداية الموسم المنخفض سياحياً، لكن هناك أياماً من هذا الشهر سنكون فيها كاملي الإشغال".
وأكدت زينة أبو الخير، المالكة والمدير العام لفندق "المديرة"، أحد الفنادق الأخرى الفاخرة والمحاط بأشجار النخيل على الضفة الغربية لنهر النيل، إنَّها شعرت بحماس شديد بسبب زيادة نسبة الإشغال والحجوزات المُسبقة. "أتعامل في الغالب مع ضيوف أفراد، لكن هناك إشارة جيدة أخرى هي أنَّ وكالات السفر تحجز أيضاً".
وأضافت: "كانت الحجوزات من هذه الوكالات قد اختفت بالكامل على مدى ست سنوات. أعتقد أنَّها لم تكن ترغب في المخاطرة، لكنَّها عادت الآن".
وفرص عمل جديدة في قطاع السياحة
وقال منير ويصا، صاحب وكالة Escapades للسفر التي تدير اثنين من قوارب الرحلات البحرية أو الفنادق العائمة التي تبحر في النهر إلى المواقع الفرعونية بالأساس بين مدينتي الأقصر وأسوان في الجنوب، إنَّ انتعاش السياحة سيؤدي إلى مزيدٍ من التوظيف. وقال إنَّه سيُقدِّم في أغسطس/آب المقبل وظائف ثابتة لـ40% من موظفيه العاملين في الرحلات البحرية الذين يعملون حالياً لبعض الوقت.
وأوضحت هولي كولويل، وهي سائحة أميركية أنهت لتوها رحلة بحرية في صعيد مصر، أنَّها كانت تنتظر أن يُفتَح المجال للسفر إلى مصر، "وبمجرد أن بدأت الشركات الأميركية في تقديم رحلات، حجزتُ أنا وصديقي للمجيء". وقالت تيريزا ماهوني، في نفس الفوج السياحي الأميركي، إنَّ القيام برحلة إلى مصر كان لفترة طويلة على قائمة الأشياء التي ترغب في تحقيقها قبل أن تموت. وعلى الرغم من أنَّ أطفالها كانوا قلقين بشأن سلامتها، قرَّرت القيام بالزيارة على أية حال. وأضافت: "إذا كنت ستقلق بشأن أشياء كهذه، لن تذهب إلى أي مكانٍ أبداً".
يعني تعافي السياحة بالنسبة لأشخاص مثل حفني، المراكبي، أنَّه يستطيع أن يعيد دهان الزورقين اللذين يمتلكهما، وهما Nile Dolphin and Humpty Dumpty.
ويمكنه كذلك التوقف عن الاعتماد على والده، الذي يعمل مزارعاً، للحصول على المال من أجل زوجته وأطفاله الأربعة. "عندما تكون هناك سياحة، يزدهر الجميع. يمكنني الادخار والبناء والشراء وبيع العقارات. بالتالي سيعمل المزارعون وعمال البناء وعمال المحارة والدهانات".