كشف مسؤولون أميركيون عن مخطط تزوير، سمح لمواطنين أجانب بدخول الولايات المتحدة الأميركية منتحلين هويات مزيفة.
وأكدت السلطات الأميركية، أنهم قلقون للغاية من هذا الاختراق الأمني، الذي نتج عن ثغرة في نظام جوازات السفر في دولة المجر، حيث تمكَّن نحو 700 شخص غير مجريٍّ، من الحصول على جوازات سفر مجرية أصلية عن طريق الاحتيال، وفقاً لما ذكرته صحيفة Washington Post، السبت 12 مايو/أيار 2018.
ووفقاً لوثيقة حصلت عليها الصحيفة من وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة، فقد حملت هذه الجوازات أسماء مواطنين مجريين.
وحاول 85 شخصاً منهم على الأقل الدخولَ إلى الأراضي الأميركية بهذه الجوازات، وبالفعل، استطاع 65 شخصاً من بينهم دخولَ الولايات المتحدة، من خلال استغلال برنامج الإعفاء من الفيزا بين أميركا والمجر.
وعلى الرغم من كلِّ الجهود التي قامت بها وزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بهدف العثور على هؤلاء الأشخاص وترحيلهم من البلاد، لم تتمكن السلطات حتى الآن من الوصول إلا لقرابة 30 شخصاً فحسب.
أميركا تخشى من خطر حاملي جوازات السفر
وقالت الصحيفة الأميركية، إنه إلى الآن، لا تزال السلطات الأميركية تتكتَّم على الأسباب الحقيقية وراء دخول هؤلاء الأشخاص بطريقة غير شرعية إلى البلاد، كما أنها لم تُفصح عن عدد الأفراد الإجمالي الذين لا يزالون هناك.
وقد أكد الخبراء أن استخدام جوازات سفر أصلية عن طريق الاحتيال يُشكِّل تهديداً خطيراً على أمن الولايات المتحدة ودول أخرى.
وحيال هذا الشأن، صرَّح المسؤول السابق في وزارة الأمن الداخلي، ستيوارت بيكر، أن "الخطر الأكبر فيما يتعلق بهذه القضية يكمن في أن أغلب الأشخاص الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة بشكل غير شرعي، لديهم أسباب لإخفاء هويتهم".
وأضاف بيكر، أن "من بين هذه الأسباب تجارة المخدرات، والجريمة المنظمة، والهجرات غير الشرعية. ولعل الأمر الأكثر إزعاجاً من ذلك أن يستغلَّ الإرهابيون المنتمون إلى تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة هذه الوثائق لدخول البلاد، أو قد يعمد الجواسيس الروس، الذين رحَّلتهم الولايات المتحدة، إلى السفر لأوكرانيا، ومِن ثَمَّ يشترون جوازات السفر المجرية، ليتمكَّنوا من خلالها من الدخول من جديد إلى الولايات المتحدة".
وبحسب ما أكده مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي، فقد حصل المجرمون على جوازات السفر الأصلية، بهدف استغلال برنامج الحكومة المجرية، الذي يمنح كلَّ مواطن، له أصولٌ مجرية يعيش خارج المجر، الحقَّ في الحصول على الجنسية المجرية بصفة عاجلة.
وقد أقرَّ رئيسُ الوزراء المجري، فيكتور أوربان، هذا البرنامج، في سنة 2011، في محاولةٍ منه للمِّ شتات المجريِّين، الذين انتشروا في كافة أنحاء أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
والجدير بالذكر أن المجريين يُسمح لهم بدخول الولايات المتحدة الأميركية دون تأشيرة، باعتبارهم مواطنين من إحدى دول الاتحاد الأوروبي. وقد جعل هذا الأمر من الجنسية المجرية عاملَ جذب لأصحاب الأصول المجرية الذين يعيشون في دول أخرى، على غرار أوكرانيا وروسيا، الذين يحتاجون إلى الكثير من الإجراءات للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة.
ومنذ سنة 2011، حصل أكثر من مليون شخص على الجنسية المجرية من خلال هذا البرنامج. ويعتقد مسؤولون أميركيون أن عدداً من المجرمين استولوا على جوازات سفر تعود لهؤلاء المواطنين الجدد، وقاموا ببيعها لبعض الأشخاص الذين يرغبون في الحصول على هويات جديدة، حتى يتمكنوا من دخول بلدان مختلفة دون أي تعقيدات.
والعلاقة مع المجر تأزمت بسبب الحادثة
وقد ترتَّب عن هذا الأمر حدوث صدع على مستوى العلاقات المجرية الأميركية بشكل غير مسبوق، على الرغم من التقارب الأيديولوجي بين أوربان وترمب. ففي الواقع، يتبنَّى كلاهما أفكاراً شعبوية، فضلاً عن أنهما كرَّسا منصبهما من أجل فرض سياسات متشددة على الهجرة وأمن الحدود.
ويعتبر أوربان، من بين أشد قادة الاتحاد الأوروبي معارضة للهجرة. وقد سبق أن أمر ببناء سياج على الحدود الجنوبية للبلاد، أثناء أزمة المهاجرين سنة 2015، حيث شهدت أوروبا تدفقاً لمئات الآلاف من اللاجئين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، وجَّهت أميركا تحذيراً إلى المجر عن طريق خفض مستوى مكانتها في برنامج الإعفاء من التأشيرة إلى صفة "مؤقتة". ويسمح هذا البرنامج المرموق لمواطنين من 38 دولة بالسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية بدافع السياحة، أو العمل لمدة 90 يوماً، دون الحاجة إلى الحصول على تأشيرة.
من جهته، أفاد جيمس نيلون، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية في تلك الفترة، في الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة Washington Post، أن "جهاز الأمن الداخلي على استعداد لاتخاذ المزيد من التدابير إذا لم تعمل المجر على الالتزام بمسؤولياتها فيما يتعلق ببرنامج الإعفاء من التأشيرة".
لكن الثغرات لا تزال موجودة
وعلى الرغم من التحذيرات الموجَّهة للمجر، لا تزال هناك ثغرات خطيرة في نظام جوازات السفر في البلاد. وفي الشهر الماضي، حذَّر كبار المسؤولين في جهاز الأمن الداخلي الذين توجَّهوا إلى بودابست من إمكانية تعليق نشاط البلد أو طرده من برنامج الإعفاء، إذا لم تتم معالجة نقاط الضعف.
ونقلت الصحيفة الأميركية قولَ مسؤول كبير في جهاز الأمن الداخلي -طلب عدم الكشف عن هويته- أن "هذه الثغرات تعتبر مصدر قلق، وذلك في كل مناسبة يريد شخص مجري السفر، خاصة مع إمكانية تزوير الهوية. لا يمكنني الدخول في التفاصيل التي يعتبرها البعض نقاط ضعف". وأشار المسؤول إلى أن المجر تعمل على تحديد "الإجراءات المناسبة لمعالجة هذه المشكلة"، إلا أن هذه الخطوة لا تزال قيد التنفيذ.
ورفض تايلر هولتون، المتحدث باسم وزارة الأمن الداخلي، التعليق على موضوع تقدم سير عمل المجر فيما يتعلق بحل الثغرة الأمنية، واصفاً "عمليات تقييم الضعف" التي وضعتها الإدارة بالسرية. وقد أصدرت وزارة الداخلية في المجر بياناً مقتضباً، ذكرت فيه أن المناقشات مع جهاز الأمن الداخلي "مستمرة"، كما ذكر أن مسألة "تحديد البيانات" ستكون جزءاً من هذه المناقشات.
وتجدر الإشارة إلى أن مصدر التوتر بين الحكومتين، الذي تعود أسبابه إلى المتطلبات غير المشددة للحصول على الجنسية بالنسبة لمواطني المجر، يعتبر أمراً مهماً بالنسبة لأوربان من الناحية الأيديولوجية والسياسية، فقد هدف إلى تقوية العلاقات مع الجالية المجرية التي تعيش في المناطق التي خسرتها المجر لصالح الدول المجاورة، وذلك في إطار معاهدة السلام التي أُبرمت عقب الحرب العالمية الأولى.
وفي السابق، كانت الحكومة تشترط على الذين يتقدمون للحصول على الجنسية أن يقيموا في المجر. وفي ظلِّ البرنامج الجديد، بات على المترشحين أن يثبتوا بكل بساطة أنهم قادرون على التكلم باللغة المجرية، وأن يكون لهم سلف مجري لدرجة معينة.
لكن تبقى للمجر حساباتها الخاصة
ومنذ أن دخل هذا القانون حيز التنفيذ سنة 2011، كافأ العديد من المواطنين المجريين الجدد الذين يعيشون خارج المجر أوربان على المستوى السياسي. وإلى جانب تمكينهم من الحصول على جوازات سفر، تم منحهم حقَّ الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة في المجر.
ونتيجة لذلك، أظهرت البيانات المتعلقة بالانتخابات أن الأغلبية الساحقة دعمت حزب الاتحاد المدني المجري (فيدس) التابع لأوربان، الذي سهر على تشكيل علاقات وثيقة مع المجتمعات العرقية المجرية في كل من رومانيا وصربيا وأوكرانيا المجاورة لمدة سنوات.
ووفقاً لتقارير، استخدم مقدمو طلبات وثائق مزيفة لإثبات أن لهم أسلافاً مجريين، كما تمكن هؤلاء الأشخاص من اجتياز اختبار اللغة عن طريق تعلم بعض الجمل، أو بمساعدة مسؤولين فاسدين.
من جهتها، دافعت حكومة المجر عن هذا البرنامج بشكل عام، لكن المسؤولين اعترفوا بحدوث بعض الانتهاكات. وفي سنة 2017، قال يانوس لازار، رئيس مكتب رئيس الوزراء المجري آنذاك، إن "الحكومة على وعي بأن بعض الشبكات الإجرامية قامت بالتأسيس لنشاط تجاري قائم على إساءة استخدام وثائق الجنسية".
في الوقت الذي أثنى فيه مسؤولون أميركيون تابعون للإدارة الأميركية الحالية والسابقة على المجر، نظير مساهمتها في المهام العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنهم لم يتوانوا عن انتقاد حكومة أوربان في الكثير من الأحيان، بسبب ما وصفوه بالهجمات على المؤسسات الديمقراطية ووسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني.
ومن جانبها، صرَّحت الخبيرة المجرية، إيفا بالوغ، التي سبق لها تقديم دروس حول التاريخ الأوروبي في جامعة ييل الأميركية، أن "أوربان كان يسعى بيأس لإصلاح العلاقات الأميركية المجرية منذ تولي دونالد ترمب السلطة. لقد مرَّت سنة ونصف السنة الآن، ولم يتغير أي شيء. يبدو أن هذا العدد الهائل من جوازات السفر الجديدة التي تم التلاعب بها وتزويرها يمثل مصدر إزعاج جديداً".