يُمثِّل هادي العامري وائتلافه الانتخابي، الذي يُطلق عليه اسم "الفتح"، التحدي الرئيسي الذي يواجه رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خلال الانتخابات البرلمانية العراقية، ليوم 12 مايو/أيار.
ويتصدَّر العامري قائمةً مليئةً في الغالب برجال مثله، جنود يتنافسون ليصبحوا الطبقة التالية من رجال الدولة العراقيين، وتعتبره الولايات المتحدة الأميركية أبرزَ المنافسين لـ"رجلها" في العراق ورئيس الوزراء حيدر العبادي.
وحسب صحيفة The Washington Post يحظى العامري بشعبية كبيرة، اكتسبها من النجاحات التي حقَّقها خلال الحرب على تنظيم الدولة، إلا أنه يُتهم بتبعيته إلى إيران، وأنهم عملاء لها في العراق، وهو الأمر الذي يرفضه العامري، غير أنه في المقابل لا ينكر ارتباطه بعلاقات قوية مع طهران.
وأثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية مخاوف هنا من أنَّ المنافسة بين واشنطن وطهران ستجري في العراق، وستُدمِّر جهود أربع سنوات من التعاون الصوري في الحرب ضد الدولة الإسلامية.
وقد حافظت الدولتان على التواجد بصورة ضئيلة بشكلٍ غير معتاد في الانتخابات البرلمانية العراقية، حيث امتنعتا عن الإدلاء بتصريحات علنية لدعم أي مُرشَّح. ويقول المُحلِّلون إنَّ قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي قد يدفع إيران إلى أن تكون أكثر حزماً.
وقال غالب الشهبندر، وهو مُحلِّل سياسي وسياسي عراقي سابق: "ستُقاتل إيران بشراسة للسيطرة على كل شيء في العراق: الأسواق، والاقتصاد، والنفط. وإذا ازداد الوضع سوءاً، فإنَّ إيران لديها أشخاص عسكريون يتنافسون بالفعل في الانتخابات".
وخلال مقابلة أُجريت مع العامري مؤخراً قال: "إيران مُفلسة"، مشيراً إلى أنَّها لم يكن لديها ما يكفي من النقود الاحتياطية لتكفل حملته الانتخابية. ونفى أنَّ إيران تُموِّل ائتلافه الانتخابي.
وقد انخرط ائتلاف العامري في برنامج لمحاربة الفساد، وتنويع الاقتصاد العراقي القائم على النفط، وتغذية القطاع الخاص في البلاد. ويُعارض المُرشَّحون على لائحته بشكلٍ موحد وجود القوات الأميركية في العراق، وقالوا إنَّ العبادي متماسك بشكل وثيق مع واشنطن.
ممثل إيران "العسكري"
تعتبر قوات العامري، جزءاً من هذه المجموعة، التي يُطلَق عليها "وحدات الحشد الشعبي".
وتتلقى الكثير من هذه الميليشيات الدعم من إيران، وقاتلت بشراسةٍ ضد القوات الأميركية، بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003.
غير أن العامري ورفاقه من الجنود السابقين تخلَّصوا من زيهم العسكري، من أجل بدلات رجال الأعمال، واعتمدوا خطاب العبادي الوسطي عن دولة عراقية قوية وموحَّدة، لا تنحاز لأي طرف في صراعات إقليمية.
وعلى النقيضِ من سياسة العبادي المُعلَنة بعدم التدخُّل في الصراعات الإقليمية، أرسلت بعض الميليشيات مقاتلين إلى سوريا، يقاتلون إلى جانب قواتٍ إيرانية وسورية، دعماً للرئيس السوري بشار الأسد.
ودفع مسؤولون أميركيون العبادي من أجل تقليص المجموعات شبه العسكرية التابعة لوحدات الحشد الشعبي، وإخضاعها الشرطة والجيش العراقيَّين. لكن رئيس الوزراء كان مُتردِّداً في تحدي قادة الميليشيات، الذين يتمتَّعون بشعبيةٍ بسبب دورهم في إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش.
وربما يُعتَبَر العامري أكثر هؤلاء القادة نفوذاً. ففي الأسابيع الأخيرة، انتشر وجهه على نطاقٍ واسع في المُلصَقات الانتخابية التي تعج بها شوارع العراق. يُقدِّم نفسه بديلاً عن العبادي، مُصدِّراً صورة قائد الحربِ الحاسم والقوي الذي سيقضي على الإرهاب، بينما يرفع من مكانة العراق بين الدول.
وكنتيجةٍ لذلك، تُعد الانتخابات جزئياً أيضاً اختباراً لرغبة العراقيين في حكومةٍ تقودها شخصيةٌ عسكريةٌ على حكومةٍ مدنية. وقال العامري إن بناء دولة قوية من شأنه أن يُلحِق الهزيمة بما يدعونه "مثلث الموت"، الذي يُدمِّر العراق: الإرهاب والطائفية والفساد.
وقال في مقابلة أُجرِيَت معه: "نريد أن نترأّس الحكومة، ليس من أجل السلطة، بل من أجل خدمة الشعب العراقي". وأضاف: "إذا لم تنجح الحكومة المقبلة في تقديم الخدمات فسوف يثور الناس. لقد سئموا من كل ذلك. نعتقد أن بإمكاننا منع ذلك- تماماً كما فعلنا ذلك على الجبهات".
ولم يبذل تحالفه جهداً يُذكَر من أجل فك الاقتران بين هويته السياسية والعسكرية، وقد تسبَّب ذلك في توبيخ التحالف من قِبَلِ رجل الدين الشيعي الأوسع نفوذاً، آية الله علي السيستاني.
انقسام الشيعة يضعف العامري
وقال مسؤولٌ أميركي كبير: "العامري مُرشَّحٌ قويٌّ للغاية، ولا شك في ذلك". وأضاف: "لكنني أعتقد أنه أكثر من كونه مُرشَّحاً ذا بُعدٍ واحد".
وقال المسؤول إن شعبية العامري ربما تُمثِّل في الحقيقة ضعفاً في النفوذ الإيراني في العراق. ومع الترجيح بأن صوت الجمهور الشيعي ربما ينقسم هذا العام بين العبادي والعامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فإن من الأقل ترجيحاً الآن، من أي وقتٍ سابق منذ عقد أول انتخاباتٍ منذ العام 2005، أن تصعد حكومةٌ إيرانية مؤيدة لإيران.
وقال المسؤول، الذي تحدَّثَ شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة السياسات العراقية الداخلية: "كان هدف إيران منذ أول انتخابات هو الحصول على أغلبية شيعية مُوحَّدة لإدارة البلاد". وأضاف: "إنهم يتمادون إلى ما هو أبعد من تحقيق هذا الهدف".
وقال سجاد جياد، مدير مركز البيان، وهو مركزٌ استشاري في بغداد، إن قائمة العامري تُخطِّط أن تُوسِّع تواجدها في البرلمان، لكن من غير المُرجَّح أنها قويةٌ بما فيه الكفاية لتشكيل الحكومة المقبلة.
وقال جياد: "واقعياً، هدفهم هو فقط التأكُّد من أن لهم كلمتهم في الحكومة". وأضاف: "يتمثَّل ارتباط إيران بذلك بأن لها منفذاً لنفوذها، ولديهم تمثيلٌ لمصالحهم في الدولة العراقية".
وقال العامري إن مؤهلات تحالف فتح الذي يقوده باعتباره "حركةً عراقية" لم تُثبت إلا "بدمائنا". وقال، مشيراً إلى القوات العراقية المُدرَّبة أميركياً التي انهارت في مواجهة هجوم تنظيم داعش في 2014: "لم نرحل قط. لم نفر كما فعل آخرون". لقد بقينا في ساحة المعركة".
مَن يكون "أبو الحسن العامري"
ولد هادي فرحان العامري، الملقب "أبو حسن العامري" عام 1954، بمحافظة ديالى، شمال شرقي العاصمة بغداد، في بيئة محافظة، وانتمى إلى الحركة الإسلامية الشيعية في العراق في شبابه.
وحصل على البكالوريوس في الإدارة والاقتصاد من جامعة بغداد عام 1974، وكان من أتباع المرجع الديني محمد باقر الصدر في مقتبل شبابه. وفي عام 1982 شارك مع محمد باقر الحكيم في تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، الذي انبثق عنه فيلق بدر 9، الجناح العسكري للمجلس.
شارك العامري في المعارك التي خاضها الفيلق إلى جانب القوات الإيرانية خلال الحرب العراقية الإيرانية، التي امتدت ما بين 1980 إلى 1988. وبعد سقوط صدام حسين عاد العامري إلى العراق، وتم تغيير اسم فيلق بدر إلى منظمة بدر، مع الاحتفاظ بجناح عسكري يظهر عند الحاجة.
وخلال مرحلة العنف الطائفي التي ضربت العراق، لعب العامري دوراً كبيراً في أعمال العنف، واتُّهم بإدارة "فرق الموت"، التي كانت تخطف وتقتل على الهوية.
وبعد سقوط الموصل في يد التنظيم توجَّه العامري مع مقاتليه في فيلق بدر إلى محافظة ديالى، مسقط رأسه، وأقاموا خطَّ جبهة لوقف زحفه نحو بغداد، وحقَّق نجاحاتٍ ملحوظةً في المعارك، فكافأه رئيس الوزراء حينها نوري المالكي، بوضع كلِّ قوات الأمن والجيش الحكومي في ديالي تحت إمرته.
وشارك العامري في أغلب المعارك ضد التنظيم حتى طرده من آخر معاقله قرب الحدود مع سوريا، وظهر مراراً وهو يتحدث للتلفزيون الرسمي من موقع العمليات، وهو يرتدي الملابس العسكرية.