استقرت دوامة الانتخابات البرلمانية اللبنانية على مشهد جديد في الساحة السياسية، شكَّل تراجعُ تيار المستقبل، بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري، أبرز ملامحه.
فقد أظهرت النتائج الأولية للبرلمانيات، التي جرت الأحد 6 مايو/أيار 2018، بعد 9 سنوات من الانقطاع، فقدان "المستقبل" 13 مقعداً؛ إذ يُتوقع أن يتراجع تمثيله من 34 حالياً إلى 21، من أصل 128 مقعداً في المجلس.
وأعرب الحريري، الإثنين 7 مايو/أيار 2018، عن "ارتياحه للنتائج". وقال: "سأظل حليف الرئيس (ميشال) عون؛ لأن هذا التحالف يؤمِّن الاستقرار".
وشدد على أن "لبنان لا يُحكم إلَّا بجميع مكوناته السياسية، والذي يتكلم غير ذلك يضحك على نفسه؛ لذلك علينا أن نعمل مع بعضنا لبناء البلاد".
في المقابل، اكتسب "التيار الوطني الحر"، الذي ينتمي إليه رئيس البلاد، ميشال عون، 5 مقاعد، ليرتفع تمثيله إلى 26 مقعداً، فيما اكتسب تحالف "حزب الله" و"حركة أمل" 4 مقاعد، لتبلغ حصته البرلمانية 30 مقعداً، إضافة إلى فوز 7 مستقلين من خارج الطبقة السياسية التقليدية، في سابقة مهمة.
الحسابات في لبنان ليست بسيطة
وفي ظل هذه الحسابات، فإن الطريق قد يبدو سالكاً أمام التيار الشيعي "حزب الله-أمل" نحو تشكيل ائتلاف حكومي يتجاوز "الحريري"، الممثل الأبرز للسنّة.
ويكون ذلك، بطبيعة الحال، من خلال تجديد التفاهمات المستمرة منذ سنوات مع تيار عون، المعروف بـ"الجنرال"، تحت قبة البرلمان، إلا أن الحسابات اللبنانية ليست بتلك البساطة في أغلب الأحيان.
فمن جهة، ما يزال تحالف "14 آذار"، المناهض لسياسات النظام السوري تجاه لبنان، وعلى رأسه "المستقبل"، يمتلك "الثلث المعطل"، أي أكثر من 42 من مقاعد البرلمان.
وساهم في ذلك تحقيق حزب القوات المنتمي إلى التحالف، بقيادة "سمير جعجع"، تقدماً كبيراً، وفق النتائج الأولية، بحصده 15 مقعداً، مقارنة بـ8 في البرلمان الحالي.
ووفق الأعراف السياسية في البلاد، فإن ذلك يمكِّن الحريري، في إطار "14 آذار"، من فرض نفسه لاعباً أساسياً في عملية تشكيل الحكومة واختيار رئيس البلاد، وهو ما يفتقد إليه التحالف الشيعي، إذا استثنيت تفاهماته مع تيار عون، وما لم تغيِّر تيارات وازنة مواقفها في قادم الأيام، وخصوصاً "الحزب التقدمي الاشتراكي"، بقيادة وليد جنبلاط، المعروف بتقلباته السياسية.
من جهة أخرى، فإن حاجة رئيس الوزراء الحالي إلى التفاهم مع "العونيين" للحفاظ على مكاسبه، واستعداده المحتمل لتقديم تنازلات موجعة، إضافة إلى نشوة "الجنرال" بنتائجه وعدم وجود حاجة ملحّة للتحالف مع التيار الشيعي، قد تدفعه إلى إمساك العصا من الوسط، والمناورة بين الكتلتين لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة.
هل يسعون للتوازن؟
أضف إلى ذلك، استمرار المعادلة السياسية الإقليمية التي ساهمت في تشكيل المشهد اللبناني الحالي، والتي تمكَّن التيار الوطني الحر من فك رموزها إلى حد كبير، وساهم في إخراج البلاد من أزمة كبيرة، كانت على وشك التفاقم، في غمرة صراعات بين دول كبرى، لها امتداداتها وأذرعها ومصالحها، وهو ما قد يساهم أيضاً في ترجيح التيار مجدداً خيار الحفاظ على التوازن بالبلاد.
من جانب آخر، فإن الكتلة الكبيرة، التي استنكفت عن المشاركة في الاقتراع الأحد 6 مايو/أيار 2018، وتفوق الـ50% ممن يحق لهم التصويت، بحسب وزارة الداخلية، ستشكل هاجساً أمام القوى التي حققت تقدماً بهذه الانتخابات، خلال المرحلة المقبلة، وخصوصاً القوى الشيعية، التي يُتوقع ألا تغامر في استفزاز الناخبين بحلول الجولة القادمة، بعد 4 سنوات؛ إذ إنها تدرك أن أغلب المستنكفين يُحسبون على التيارات الغريمة، وخصوصاً "المستقبل" السنّي.
وتمكن الحريري، في نهاية عام 2016، من تشكيل حكومته بعد تسوية سياسية أتت بعون، حليف حزب الله، رئيساً للبلاد في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد نحو سنتين من الفراغ الدستوري وشلل المؤسسات الرسمية.
وفي لبنان، البلد الصغير ذي الموارد المحدودة، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى السياسية الكبرى، وأبرزها حزب الله الذي تمكَّن من خلال النتائج الأولية للانتخابات من تعزيز نفوذه في المعادلة السياسية.
وشارك نحو نصف الناخبين اللبنانيين، الأحد، في عملية الاقتراع لاختيار 128 نائباً، مع معدل اقتراع (49.2 في المائة) لم يلبِّ تطلُّعات معظم الأحزاب، التي توقعت أن ينعكس إقرار قانون يعتمد النظام النسبي تهافتاً على صناديق الاقتراع.
حزب الله سيكون مؤثراً لكن سيعتمد ذلك على التحالفات
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية كريم مفتي، لوكالة الصحافة الفرنسية: "حزب الله في طريقه إلى أن يكون مؤثِّراً في عملية صنع القرار، ولكن ذلك سيعتمد أيضاً على التحالفات التي سينسجها أو يجددها".
وتضع واشنطن حزب الله، الذي يمتلك ترسانة كبيرة من السلاح ويقاتل إسرائيل، على قائمة المنظمات الإرهابية. كما تتهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان 5 أعضاء من الحزب باغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، في عام 2005. ولطالما شكَّل سلاح الحزب، الذي يحارب إلى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين. لكن الجدل حول سلاحه تراجع الى حد كبير قبل الانتخابات، بفعل "التوافق السياسي" القائم حالياً.
وأوردت صحيفة "الأخبار"، القريبة من حزب الله، في مقالة افتتاحية بعنوان "الرابحون والخاسرون"، الإثنين 7 مايو/أيار 2018، أن حزب الله وحركة أمل أظهرا "قدرة فائقة على تنظيم الصفوف بما يمنع تعرُّضهما لأي انتكاسة"، في حين "تلقَّى الحريري (وتيار المستقبل الذي يرأسه) الصفعة الأكبر في تاريخه".
واعتبرت أن "خسارة الحريري" هي "العلامة الفارقة في هذه الانتخابات".
ويرى محللون أن البرلمان اللبناني قد يشهد في المرحلة المقبلة ظهور توازنات أو تحالفات جديدة.
ويحاول عون، منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، تقديم نفسه على أنه على مسافة متساوية من كل الأفرقاء.