عاش سكان حي الأمين في العاصمة السورية دمشق مؤخراً توتراً أمنياً، وذلك بعد انتشار تسجيل فيديو لأحد عناصر الميليشيات الإيرانية، يتوعد فيه بحرق دمشق وقطع رؤوس قاطنيها.
وأكدت وسائل إعلام سورية معارضة، أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام ألقت القبض على صاحب المقطع المصور، ويُدعى زين العابدين محسن مراد، في محاولة للسيطرة على الاحتقان الطائفي المتزايد.
يظهر مراد في مقطع الفيديو خلال تشييع أحد القتلى من الميليشيات الإيرانية الموالية لقوات الأسد وهو يتوعد بالانتقام، من خلال ترديد عبارات مثل: "نحرق الشام باللي سكنها"، و"ميلي وتمايلي يا شام.. نلعن يزيد ومعاوية والوهابية"، وقد أثار ما قاله موجة غضب لدى السوريين، معتبرين أنه خطاب طائفي يظهر وجه إيران الخفي وتمدّدها، كما طالبوا بمحاسبة الأشخاص الذين ظهروا في الفيديو.
يقع الشارع الذي هتف فيه المئات من المشاركين في الجنازة بعبارات طائفية أبرزها: "لبيك يا زينب"، و"لبيك يا حسين"، يقع في حي الأمين الدمشقي، الذي يعد من أصغر أحياء دمشق القديمة.
وتسيطر عليه ميليشيات محلية مدعومة بشكل مباشر من إيران، بقيادة عبدالله نظام، بينما تسيطر ميليشيا "الدفاع الوطني" على أحياء الشاغور والقنوات وباب الجابية، التي يغلب على عناصرها السنة، فيما تسيطر على أحياء باب توما وباب شرقي ميليشيات مسيحية.
والده لعب دوراً استخباراتياً
ولد زين العابدين مراد عام 1992 في مدينة دير الزور بسوريا، وهو من عائلة شيعية يرجع أصلها إلى بلدة نبل بريف حلب الشمالي، لكنها استوطنت دير الزور.
وأسهمت نشأة الشاب السوري في هذه المدينة في اكتسابه لهجة أهلها وإتقانها بدرجة كبيرة، مما جعل الكثيرين ممن شاهدوا المقطع يحكمون عليه بأنه من دير الزور، بينما ظنَّ البعض الآخرون أنه من المرتزقة الشيعة، الذين قدموا من العراق؛ نتيجة تقارب لهجة المنطقة الشرقية في سوريا مع اللهجة العراقية.
احتفظ زين العابدين بعقيدته الدينية الشيعية التي تربى عليها وظلَّ يكتمها، إلى أن جاءت فرصة انضمامه للميليشيات الإيرانية بعد تدخلها في سوريا، والتي صرّح أحد أكبر قادتها أن بلاده صاحبة الدور الأكبر في تسعير الحرب الأهلية السورية، وإقناع بشار الأسد بالبقاء ومواصلة القتال.
وعرف أهل دير الزور محسن مراد والد زين العابدين عبر وجهين، الوجه الأول كشخص رياضي عمل مدرباً لفريق شعبي يدعى الإخوة، وانتقل بعدها ليكون حارساً لفريق اليقظة، الذي صعد في مرحلة من المراحل ليُصنف ضمن أندية الدرجة الأولى في سوريا، وفيما بعد اعتُمد محسن مراد ليصبح أحد مدربي فئة الشباب في اليقظة.
لكن ليس هذا وجهه الأوحد، فقد كان لـ"مراد" الأب نشاط مخابراتي تمثَّل في التجسس على أهالي دير الزور وكتابة التقارير عنهم، ولم ينجح في إخفاء هذا الدور أو التهرب من انتمائه الطائفي، عندما جاءت إحدى اللحظات الفاصلة في التاريخ، وهي إعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، صبيحة أول أيام عيد الأضحى عام 2006، فرغم أن أجواء الحداد عمَّت مدينة دير الزور، إلا أنه لم يعبأ بها ووزع الحلوى ابتهاجاً بإعدام الرئيس العراقي.
"فارس القصيدة المحكية" يوظف شعره لخدمة الميليشيات الإيرانية
لم يقتصر دور زين العابدين محسن مراد على حمل السلاح مع الميليشيات الإيرانية، والمشاركة معها في المعارك، بل أيضاً بإلقائه قصائد تمجد الشيعة الذي ذاع صيته بينهم، وتناقلوا قصائده بكل فخر، واصفينه بأنه "فارس القصيدة المحكية"، لحرصه على الإلقاء بنبرة حماسية يحرّض فيها الجمهور على الأخذ بثأر من قُتل منهم وحماية مقدساتهم.
من ضمن أشهر قصائده قصيدة ألقاها في مدح حزب الله، وقصيدة أخرى ألقاها على أحد مدرجات كلية الآداب بجامعة دمشق، يمجد فيها الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد، عنوانها "أخو وضحى"، وقد لاقت استحسان الشيعة في العراق، إلى درجة أن المركز الإعلامي الثقافي في البصرة كرَّمه عليها بدرع تقديري.
ليس هذا التقدير الوحيد الذي لاقاه مراد، فقد قدَّمته الفضائية السورية في إحدى حلقات برنامج "مباشر من دمشق"، على أنه شاعر وطني ومقاتل يدافع عن سوريا، وذلك يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وألقى خلال المقابلة مجموعة من قصائده.
وانتشر لـ"مراد" قبل هذه المقابلة بثلاثة أشهر مقطع فيديو على موقع "اليوتيوب"، دعا فيه لحرق الشام ومَن يسكنها، وبرَّر دخول الميليشيات الشيعية لسوريا بأنها جاءت لحماية مقام السيدة زينب، حسب اعتقاده.