تحوّلت جهود المعارضة التركية في الأيام الأخيرة إلى الاستعداد، بأكبر قدر ممكن من الوحدة، لدخول الانتخابات البرلمانية، التي لم يبقَ على انعقادها أكثر من 8 أسابيع.
وتراجَع اهتمام المعارضة بالتخطيط للإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية، بعد فشلها في الاتفاق على مرشح ثقيل لمواجهة الرئيس أردوغان، بدليل عدم إقدام زعيم أكبر أحزابها على الترشح ضده.
فقد أبلغ النائب عن حزب الشعب الجمهوري إلهان كسيجي صحفيين أن محرّم إنجة، النائب من الحزب عن ولاية يالوفا، سيكون مرشحه للرئاسة، وأنّه وأعضاء آخرين باركوا لإنجة بانتظار الإعلان الرسمي على لسان زعيم الحزب، كلتشدار أوغلو، صباح الجمعة 4 مايو/أيار 2018، وهو ما تم بالفعل.
ورأى برهان الدين دوران، المدير العام لمركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، أن كلتشدار أوغلو سيتجنب الترشح للرئاسة؛ حتى لا يخسر مقعده في البرلمان، وأنه لن يدعم مرشحاً شرساً يسرق الأضواء منه في مواجهة أردوغان التي سيقودها.
زعامة المعارضة مهدَّدة
في حديث لـ"عربي بوست"، أشار الباحث والمحلل السياسي علي باكير إلى أن كلتشدار أوغلو، كزعيم للمعارضة، خسر في 8 استحقاقات انتخابية تقريباً، ومع ذلك لم يترك منصبه ولم يستقلْ ولم يدَع الفرصة للآخرين للمحاولة.
وذكر باكير أن هناك اتجاهاً يرى أن كلتشدار أوغلو، في حال ترشح للرئاسة وخسر، كما هو مرجح، فسيكون ذلك بمثابة ضربة قاضية له؛ ولذلك يتحداه أردوغان في خطاباته للمشاركة في الانتخابات.
لكن هذه المشكلة عامة لدى أحزاب المعارضة، حسب باكير، فسيكون من الصعب مثلاً أن يحافظ كلتشدار أوغلو على منصبه كزعيم لحزب الشعب الجمهوري، خاصة إذا رشح الحزب غيره؛ ولذلك فهو في ورطة بالحالتين؛ ولذلك تأخر الإعلان عن تسمية الحزب مرشحه للانتخابات الرئاسية.
برلمان جديد كلياً
تسعى المعارضة إلى شغل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد، الذي ترى أنّه هُمّش في ظل النظام الرئاسي الذي سيسري بالبلاد، فبعد أن كانت الحكومات تخرج منه في النظام البرلماني السابق، انحصر دوره في التشريع والرقابة على الحكومة، مثل النظم الرئاسية الأخرى.
ويتضمن برنامج المعارضة في الحملات الانتخابية الجارية، إعادة النظام البرلماني؛ لإنقاذ البلاد من "حكم الرجل الواحد" في ظل النظام الجديد، وتوحيد الأصوات التي صوّتت بـ"لا" في الاستفتاء الشعبي في أبريل/نيسان 2017، والتي لا تقل عن 49% من الأصوات، حسب تصريح لكلتشدار أوغلو.
يعكس التحول السياسي القائم في تركيا تحولاً من نظام متعدد الأحزاب إلى نظام حزبين شبيه بالنظام الأميركي، وفقاً لكريستوس تيزيس أستاذ السياسات التركية في جامعة مين الأميركية، الذي أعرب عن اعتقاده أن العقلية القديمة للأحزاب التركية ستختفي، وأن التحالفات الانتخابية ستكون ضرورية في الفترة المقبلة.
يتضمن النظام الرئاسي بطبيعته فصل السلطات أكثر من النظام البرلماني، وكما ستُحصر كل السلطات التنفيذية في رئيس الدولة، فإن كل مهام التشريع وإقرار الموازنة ستكون محصورة في البرلمان -فضلاً عن صلاحية إصدار مرسوم تنفيذي، يحق للبرلمان إسقاطُه- وسيمنع النظام الجديد النواب بالبرلمان من شغل مناصب حكومية في آن معاً، والعكس بالعكس.
ولكن، في حال كون الأغلبية البرلمانية والرئيس من الحزب نفسه، فإن السلطات التشريعية والتنفيذية ستكون غالباً بيد الرئيس، أما إذا كان العكس فستعيش البلاد مشهداً سياسياً جديداً يتمثل في مفاوضات بين الرئيس والبرلمان بشأن الموازنة وكثير من القضايا، خاصة تلك التي يمنع الدستورُ الرئيسَ من إصدار مراسيم تنفيذية بشأنها، مثل العقوبات على الجرائم أو إعلان الحرب أو منح إذن لقوات أجنبية بدخول الأراضي التركية.
يملك البرلمان الجديد أيضاً سلطة تعيين 7 من أصل 13 قاضياً في المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين، و3 أعضاء بالمحكمة الدستورية من أصل 15، في حين يُعيِّن الرئيس البقية. وتشترط -وفق النظام الجديد- موافقة البرلمان على مدة حالة الطوارئ ونطاقها، حتى يتمكن الرئيس من إعلانها.
ومن ثم، فإن مهمة أي رئيس تركي لا يملك أغلبية برلمانية ستكون أصعب في ظل النظام الرئاسي الجديد.
جمهوريون ضد ديمقراطيين
تجاوزت شريحة من المعارضة خلافاتها الفكرية في سبيل الحصول على أكبر عدد من المقاعد بالبرلمان المقبل، فقد أعلن حزب الشعب الجمهوري اليساري تحالفه مع الحزب الجيد القومي اليميني، وحزب السعادة اليميني المحافظ، والحزب الديمقراطي من يمين الوسط.
تواترت أنباء عن نية المعارضة تسميته "تحالف الديمقراطية"، وفي لفتة إلى اتجاه البلاد نحو نظام رئاسي شبيه بالنظام الأميركي، أعلن تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية تسمية تحالفهما تحالف "الشعب" أو "الجمهور"، ليكون "الجمهوريون" في مواجهة "الديمقراطيين".
وتجدر الإشارة إلى أن تحالف الديمقراطية لم يرُق لجميع أحزاب المعارضة، فقد أنكرت فيليز كريستيجي أوغلو، النائبة عن حزب الشعوب الديمقراطي، على حزب الشعب الجمهوري تخليه عن قاعدته الانتخابية الاشتراكية الديمقراطية للانضمام إلى تكتل يميني، مشيرة إلى أن حزبها سيدخل الانتخابات منفرداً، ومعربة عن ثقتها بأن حزبها سيجذب ما يكفي من أصوات الناخبين اليساريين لتجاوز العتبة الانتخابية (10% من الأصوات).
المعارضة دون خطة
بدا الإعلان عن التحالف الجديد للمعارضة نقلاً لتركيزها من خطة الانتخابات الرئاسية إلى خطة الانتخابات البرلمانية، لكن الوضع يبدو أكثر تعقيداً حسب الباحث علي باكير، الذي استبعد أن تكون لدى المعارضة مثل هذه الخطط، "فهي تتحرك في إطار عشوائي".
أشار باكير إلى أن المعارضة كانت لديها فسحة من الوقت منذ خسارتها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية، وكذلك الاستفتاء الذي تم في عام 2017، للتفكير والعمل على ترتيب أوضاعها والتخطيط للمواجهة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، لكنها لم تفعل شيئاً.
ورأى أن عدم وجود معارضة حقيقية بناءة قادرة على تقديم رؤىً وبرامج، وعلى مخاطبة شريحة واسعة من المجتمع التركي، هو أحد أسباب الفوز المتكرر لحزب العدالة والتنمية بالانتخابات، لا سيما في الدورات الأخيرة، فالمعارضة لم تعد قادرة على مجاراة الواقع السياسي الحالي بالبلاد.