قبل أقل من شهرين، استقبلت وزارة الخارجية الأميركية أعضاء من منظمة "الخوذ البيضاء" التي تُنقذ السوريين بالمناطق التي تتعرض لقصف من قوات نظام بشار الأسد وحلفائه، وفي تلك الفترة، تلقت المنظمة الإنسانية وابلاً من المديح لإنقاذها الأرواح في سوريا.
لكن هذه الحفاوة لا تعني شيئاً للمنظمة الآن؛ إذ إن الولايات المتحدة الأميركية جمدت تمويلها، حيث قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الدعم "يخضع للمراجعة الفعالة"، وفقاً لما ذكره موقع شبكة CBS News الأميركية، الخميس 3 مايو/أيار 2018.
وكانت الولايات المتحدة تقدم نحو ثلث التمويل الإجمالي للمنظمة، ونقلت الشبكة عن رائد الصالح، مدير المنظمة، قوله: "كان اجتماعنا في مارس/آذار 2018 إيجابياً للغاية. حتى إن هناك ملاحظات من المسؤولين الكبار عن التزامات على المدى الطويل حتى عام 2020. لا توجد اقتراحات على الإطلاق بإيقاف الدعم".
وعلَّق مسؤول من "الخوذ البيضاء" على تجميد الدعم، قائلاً: "هذا تطور مقلق للغاية، فإن هذا في النهاية سيؤثر سلبياً على قدرة عمال الإغاثة على إنقاذ الحياة".
وتتألف "الخوذ البيضاء" -المعروفة رسمياً بالدفاع المدني السوري- من 3 آلاف عامل إغاثة متطوع، وأنقذت حياة الآلاف منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011.
ويهرع أفراد المنظمة إلى المباني المنهارة؛ لدفع الأطفال والرجال والنساء بعيداً عن الخطر. ويقولون إنهم قد أنقذوا أكثر من 70.000 شخص.
ومع عدم تلقي "الخوذ البيضاء" التمويل من الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة، فإنهم يتساءلون عما يعني هذا مستقبلاً.
وأشارت الشبكة الأميركية إلى أن المنظمة لم تتلقَّ أي إخطار رسمي من حكومة الولايات المتحدة بإيقاف المساعدة المالية كلياً، ولكن أفراد المنظمة العاملين على الأرض في سوريا قد أبلغوا عن انقطاع تمويلهم.
خطة طوارئ محدودة
ولدى "الخوذ البيضاء" خطة للطوارئ في حالة توقف التمويل شهراً أو شهرين، ولكنهم قلقون بشأن التوقف طويل الأجل.
وقال الصالح: "إذا كان هذا توقفاً طويل الأجل أو مستمراً، فسوف يكون له تأثير خطير على قدرتنا على تقديم خدماتنا نفسها التي نقدمها حالياً للمدنيين بالكثافة والجودة نفسها".
وكشفت وثيقة داخلية بوزارة الخارجية عن احتياج مكتب الشرق الأدنى التابع لها لتأكيدٍ من الإدارة على منح الضوء الأخضر لتقديم التمويل لـ"الخوذ البيضاء" في سوريا قبل يوم 15 أبريل/نيسان 2018 أو ستقوم الوزارة ببدء إجراءات "التجميد".
وقالت الوثيقة أيضاً إن الوزارة احتاجت إلى إخطار قبل يوم السادس من أبريل/نيسان 2018، بأنها يمكنها الاستمرار في البرامج التي تركز على إزالة الألغام الأرضية، واستعادة الخدمات الأساسية، وتوفير الطعام للقوى المعتدلة وعائلاتهم أو يتم إيقاف هذه البرامج أيضاً.
ومع ذلك، لم يتحدث المسؤولون الحكوميون بالولايات المتحدة في بيان رسمي عن تاريخ الوقف الفعلي للتمويل بالنسبة لكل برنامج؛ وهو ما يؤدي إلى حالةٍ من الارتباك.
وفي وقت سابق، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هيذر نويرت، قد وصفت "الخوذ البيضاء" بـ"الرجال المضحين بأنفسهم"، ودعت الصحفيين إلى مشاهدة فيلم وثائقي عن عملهم.
ولكن وزارة الخارجية لم تستجب لتحقيق صحفي، أجرته قناة "CBS News" في وقت سابق من هذا الأسبوع، عن البرامج التي ما زالت تتلقى الدعم، والتوقيت الذي ستفقد فيه برامج معيَّنة دعمها.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، جمَّد تمويلاً بمبلغ 200 مليون دولار مخصصة لسوريا في شهر مارس/آذار 2018.
خطر يهدد مشاريع أخرى
ويعني هذا التجميد أن دعم الولايات المتحدة "الخوذ البيضاء" ليس الدعم الوحيد المهدَّد بالخطر. فهناك أيضاً العديد من جهود الاستقرار الأخرى المدعومة من الولايات المتحدة التي قد تتوقف قريباً، ومنها إزالة الأجهزة التفجيرية، واستعادة الكهرباء، وإعادة بناء المدارس، وتوصيل المياه.
ويعمل مسؤولو الولايات المتحدة على الوصول لطريقة لتعديل التمويل الحالي، بحيث يغطي نفقات هذه المشروعات. وهم كذلك يعملون على حث دول أخرى، مثل ألمانيا، على تغطية بعض هذه النفقات.
وفي وقت سابق من هذا العام (2018)، بمؤتمر مانحي سوريا المنعقد في بروكسل، تعهد وزير الخارجية الألماني بتقديم أكثر من 1.1 مليار دولار لتوفير العون للمحتاجين للمساعدة في سوريا. ولكن حتى الآن، لم تلتزم ألمانيا رسمياً باتخاذ خطوة تالية لهذا الالتزام المبدئي.
يقلق المراقبون كذلك، بصورة متزايدة، بشأن الشباب السوري، الأكثر عرضة للتحول للتطرف في حالة عدم حصولهم على الأمن والدعم الذي يحتاجونه.
وقال مسؤول بمجلس مدينة دير الزور: "إن مقدار مساعدة الولايات المتحدة ضئيل للغاية، ولكنه أفضل من عدمه، فإذا توقفت هذه المساعدة، فستحل كارثة. فقد بدأ تنظيم داعش في فتح المدارس، وإذا توقف المال، فسينتهي الأمر". وأضاف: "من دون التعليم، فلن يتلقى الناس إلا أفكار داعش".
في الوقت نفسه، فإن الكثير من المناطق السورية التي تم إخلاؤها من داعش -مثل الرقة التي أعلنها داعش عاصمة له- ما زالت أنقاضاً، ومن المستحيل تقريباً الإقامة فيها.
وقال عبد الله العريان، وهو محامٍ في الرقة يعمل مستشاراً للمجلس المدني الحاكم: "الرقة مثل شخص مريض بغرفة الطوارئ. يجب إذن أن يأتي المال أو العلاج بشكل أسرع من المعتاد. فهو ليس مريضاً عادياً".
وقال: "إن الحماسة والقوة اللتين حرَّرت بهما الولايات المتحدة الرقة لا يعادلان على الإطلاق حماستها وقوتها في إعادة بناء الرقة. فهما مختلفان كثيراً جداً، أقل كثيراً، وأبطأ كثيراً"، وأضاف: "إنهم يعطوننا كلمات ووعوداً رائعة للغاية، ولكن لا يقدمون الكثير غير ذلك".