قبل نحو 3 أسابيع من انتخابات برلمانية، هي الأولى منذ نحو عقد من الزمن، يغرق لبنان في حمى السباق وتضيق الشوارع بصور المرشحين، على وقع تحالفات غير مألوفة بين القوى السياسية التي تخوض الاستحقاق وفق قانون انتخاب جديد.
وبعدما مدد المجلس الحالي ولايته 3 مرات منذ انتخابه في عام 2009؛ بسبب الانقسامات السياسية الداخلية وعلى وقع الأزمة السورية، يُنظر الى هذه الانتخابات بوصفها محطة مهمة من شأنها أن ترسم معالم السنوات الأربع المقبلة سياسياً، لناحية شكل التوازنات بين مختلف الفرقاء وكذلك على الصعيد الاقتصادي.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت عماد سلامة، لوكالة الصحافة الفرنسية: "إنها تجربة انتخابية جديدة للبنان".
وتجري الانتخابات، المقررة في السادس من مايو/أيار 2018، وفق قانون انتخاب جديد يقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، ويقوم على أساس لوائح مغلقة، ويعتمد النظام النسبي، للمرة الأولى بعد اعتماد صيغة الأكثرية على مدى عقود.
ويرى سلامة أن "الرهانات على هذه الانتخابات عالية جداً؛ نظراً إلى توازن القوى الدقيق بين مختلف المجموعات الطائفية في البلاد".
تتوزع مقاعد البرلمان في لبنان، الذي ينتمي سكانه إلى 18 طائفة، مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين. ويتولى مسيحي ماروني رئاسة الجمهورية، ومسلم سنّي رئاسة الحكومة، فيما يرأس مسلم شيعي البرلمان.
ويأتي إجراء الانتخابات، بعد تسوية سياسية أعقبت فراغاً في سدة الرئاسة وشللاً في عمل المؤسسات لمدة عامين ونصف العام، أدت في أكتوبر/تشرين الأول 2016 إلى انتخاب ميشال عون رئيساً جديداً للبلاد وتشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري.
"الحاجة للتغيير"
توافقت القوى السياسية على قانون الانتخاب بعد سجالات ومشاورات دامت سنوات؛ خشية من أن يحرمها القانون الجديد من مقاعدها في البرلمان.
وقُدِّم القانون الحالي بوصفه يتضمن الكثير من الإصلاحات، لا سيما اعتماد النظام النسبي، الذي يتيح لمرشحين مستقلين وأحزاب صغيرة التمثيل في البرلمان إذا نالت عدداً محدداً من الأصوات. كما يسمح باقتراع اللبنانيين في الخارج شرط أن يكونوا قد سجلوا أسماءهم مسبقاً والبالغ عددهم 82 ألفاً.
وتقول انغريد الحاج، (25 عاماً)، التي ستقترع للمرة الأولى الشهر المقبل (مايو/أيار 2018)، وتعمل مستشارة إ'علامية: "هذا البلد يحتاج إلى تغيير. أتذمر منذ سنوات من الوضع القائم. البقاء مكتوفي الأيدي ليس حلاً".
ويشهد لبنان وضعاً اقتصادياً متردِّياً وتعاني بناه التحتية ترهلاً وتحتاج إلى إعادة تأهيل. كما يستضيف نحو مليون لاجئ سوري يرتبون أعباء اقتصادية واجتماعية على البلد ذي الإمكانات الهشة.
ويتنافس 597 مرشحاً، بينهم 86 امرأة، موزعين على 77 لائحة للفوز بـ128 مقعداً نيابياً. وكثفت الماكينات الانتخابية التابعة للوائح عملها في الأسابيع الأخيرة.
وتضيق الشوارع في المناطق كافة بصور المرشحين ولوحات إعلانية ضخمة، وخصصت وسائل الإعلام برمجة خاصة للانتخابات، وتتنافس فيما بينها على استضافة المرشحين مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وبعدما كان بإمكان الناخبين، وفق القانون الأكثري السابق، اختيار مرشحين من لوائح عدة أو منفردين، بات الأمر يقتصر اليوم على لوائح مغلقة محددة مسبقاً.
ويمنح القانون الجديد الناخبين ما يُعرف بـ"الصوت التفضيلي"، يحددون عبره المرشح الذي يعطونه الأولوية من اللائحة التي اختاروها.
ورغم أن القانون الجديد اعتمد النسبية، فإنه لن يغير من شكل الحكم في لبنان، والقائم على توزيع الحصص السياسية بين الطوائف؛ لكونه يحدد عدد مرشحي تلك الطوائف في كل دائرة.
تحالفات "واقعية"
أجبر القانون الجديد الأحزاب التقليدية على التحالف مع قوى أخرى لم تعتد خوض الاستحقاق معها، بهدف كسب النسبة الأكبر من الأصوات لضمان فوزها أولاً بالعدد الأكبر من المقاعد، ومنع لوائح منافسة من تخطي الحاصل الانتخابي الذي يمكنها من الحصول على مقاعد في البرلمان وفقاً لنسبة الأصوات.
وتُظهر اللوائح الراهنة زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ عام 2005، لجهة انقسام القوى بين فريقي "8 آذار" الذي يعد حزب الله المدعوم من إيران أبرز أركانه، و"14 آذار" بقيادة رئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة الحالية سعد الحريري القريب من السعودية.
ويبدو حزب الله القوة الوحيدة التي لم تتحالف مع أي من خصومها على امتداد لبنان، فيما تحالفت بقية القوى الرئيسية فيما بينها وفق مصالحها ببعض الدوائر وتخاصمت في أخرى.
ويرى سلامة أن الأحزاب أصبحت راهناً "أكثر واقعية" في تحالفاتها؛ إذ باتت "تحتسب عدد الأصوات التي يمكن أن يأتي بها كل مرشح أو مرشحة وبناءً عليه تُرسم اللوائح".
ويرجح محللون أن يحظى حزب الله مع حلفائه بالعدد الأكبر من المقاعد، ما قد يمكنه من التحكم في صيغة الحكومة المقبلة.
ويقول سلامة: "من وجهة نظر غربية، هناك قلق من أن يحصد حزب الله المقاعد الانتخابية ويحوّل ميزان القوى لصالحه، ليجعل من الحكومة التي ستُشكَّل بعد الانتخابات (حكومة حزب لله)".
وفي خضم تلك التحالفات، يأمل مرشحون مستقلون من المجتمع المدني أن يمكّنهم النظام النسبي من الوصول إلى البرلمان.
وتقول المرشحة على إحدى لوائح المجتمع المدني في بيروت الكاتبة جومانا حداد، لـ"فرانس برس": "رغم الثغرات في قانون الانتخاب الجديد، فإنه يتيح لفئة ضئيلة من المستقلين الوصول إلى البرلمان، ونحن نعمل على إيصال هذه الفئة".