تمر هذا الأسبوع مائةٌ وخمسون عاماً على اختفائه، ومازال الإثيوبيون يتساءلون عن موعد عودة الأمير أليمايهو Alemayehu إلى أرض الوطن.
كان طفلاً في السابعة عندما اجتاح جنود بريطانيا قلعة مگدلا Maqdala الإثيوبية، حيث كان يرافق والده الإمبراطور في محاولة دفاع يائسة. أيقن الإمبراطور بالهزيمة فانتحر بمسدس بريطاني، ونهب الجنود كنوز القلعة، وحملوا الطفل معهم في اتجاه مصر.
والأمير الذي غادر وطنه أسير حرب مخطوفاً من الجنود البريطانيين، كان موضوع احتفالات في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي تحيي ذكراه، وتطالب باستعادة رفاته والكنوز التي نهبها الجنود أثناء الحملة.
هذه حكاية الأمير المسروق، الذي تذكره العالم هذا الأسبوع.
كان ابن تيودور الثاني الإمبراطور المتشدد والمغامر
الإمبراطور تيودور الثاني، أو تواضروس، بدأ هذه الأحداث العاصفة قبل موعد المعركة بثلاثة أعوام.
تيودور سليل عائلة تقول إنها تحكم إثيوبيا منذ ثلاثة آلاف عام، وكان منليك الأول أول إمبراطور للحبشة يدين باليهودية، ويزعم أنه ابن النبي سليمان وملكة سبأ ماكيدا أو بلقيس، وصعد إلى العرش في 950 قبل الميلاد.
وبدأ تيودور خطط لتشكيل مملكة مسيحية عالمية، تنافس الإمبراطورية العثمانية، وتشن عليها حملات عسكرية تبيدها.
وتتوسع على حسابها. أرسل تيودور رسالة بهذا المعنى إلى الملكة فيكتوريا عام 1883، وانتظر مساعدات عسكرية من لندن، لكن دون جدوى، فبدأ في التصعيد.
اعتقل عدداً من الرعايا البريطانيين، ثم سجن بعض المبشرين وممثلي الحكومة البريطانية. هنا أرسل البريطانيون وفداً يرأسه البريطاني العراقي الآشوري هرمز رسام، وزاد غضب تيودور: الوفد جاء بعد 3 أعوام من الرسالة، وبدون المساعدات العسكرية، فأضاف أعضاء الوفد إلى رهائنه البريطانيين في السجون.
لم يعد أمام لندن سوى الحرب، فسار 13 ألف جندي من الهند بقيادة السير روبرت نابير إلى جبال الحبشة للاستيلاء على العاصمة الجبلية مگدلا، التي كانت تقع على فوهة بركانٍ خطِر. وقتلوا ما يقرب من 700 حبشي، وجرحوا المئات أثناء الحصار. وحين أيقن تيودرو أنَّه مهزومٌ لا محالة، أطلق النار على نفسه من مسدس كانت الملكة فيكتوريا قد أهدته إياه. نُهبت القلعة وسويت بالتراب. ويُقال إن حمل الغنائم المنهوبة منها استلزم 15 فيلاً و200 بغل.
ومع الغنائم، حملوا معهم الأمير اليتيم أليمايهو، ليواجه مصيراً غريباً.
وكان أول طفل إثيوبي يغادر بلاده قسراً لتتبناه أسرة غنية
مات الأمير في بريطانيا وهو ابن الثامنة عشرة، بعد أن قضى طفولةً غير سعيدة، ودُفِنَ في كنيسة سانت جورج في قلعة وندسور بناءً على طلب الملكة فيكتوريا.
وهناك مباحثات في الوقت الراهن مع متحف فيكتوريا وألبرت لاسترداد الكنوز الملكية التي نهبها الجنود البريطانيون إبان المعركة، وتبذل الحكومة الإثيوبية جهودها لاستعادة رفات الأمير أخيراً. وشهدت أديس أبابا احتفالاتٍ الأسبوع الماضي احتفالاً بذكرى والد الأمير، الإمبراطور تيودرو الثاني، لحلول الذكرى المائة والخمسين لمقتله في المعركة. وعُرضت مجموعة من مقتنياته التي في حوزة المتحف الأسبوع الماضي.
وانضم الشاعر والكاتب ليمن سيساي إلى الحملة المُطالِبة باستعادة رفات الأمير، ودعت الحكومة الإثيوبية في يونيو/حزيران الماضي سيساي المولود لأمٍ إثيوبية للحديث عن الأمير، حسب تقرير صحيفة The Guardian. وقال سيساي "من بين أهدافي وآمالي الصادقة أن أشهد في حياتي عودة رفات الأمير إلى إثيوبيا. ولن يهدأ لي بالٌ حتى أرى هذا الأمر يتحقق".
يشعر سيساي -الذي أُخِذَ رغماً عن أمه وأُودِعَ لدى أسرةٍ لتتبناه، ثم في دار رعاية في لانكشر- أنَّ هناك شيئاً مشتركاً بين حياة الأمير والحركة العالمية المنتشرة بتبني الأطفال الإثيوبيين، وهي ممارسةٌ منعتها الحكومة الإثيوبية في أوائل العام الجاري.
وقال سيساي: "أول سرقة فاسدة لطفلٍ إثيوبي كانت واقعة خطف الأمير عام 1868. لقد أُخِذَ من عائلته، ويستحق أن يعود رفاته إلى وطنه في إثيوبيا حيث سُرق".
وتم دفنه في مقبرة جماعية داخل قلعة بلا شاهد أو علامة
بدأت الجهود الحثيثة لإعادة رفات الأمير بحلول عام 2006، حين كتب الرئيس الإثيوبي إلى الملكة يطلب منها استخراج الرفات، غير أنَّ طلبه قوبل برفضٍ جاف. ووفقاً للسفارة الإثيوبية، رد اللورد تشامبرلين نيابةً عن الملكة، وقال: "لا مانع لدى صاحبة الجلالة من إعادة الرفات.. غير أنَّ التعرف على رفات الأمير الشاب أليمايهو ليس ممكناً". إذ وُضِعَ رفات الأمير في قبرٍ في كنيسة سانت جورج مع تسعة آخرين.
ويُوقن من يحشدون لحملة استعادته أنَّ مفتاح التعرف على بقايا الأمير يكمن في يد متحف الجيش الوطني، الذي يملك مجموعة مخصصة لمعركة مگدلا.
في أعقاب الحرب، غنمت القوات الإنكليزية تيجاناً ومخطوطات وملابس فخمة، وقطع أحد فناني الحرب قصاصةً من شعر رأس الإمبراطور تيودرو، وهي الآن في متحف الجيش الوطني في لندن. ويُوقن سيساي وآخرون أنَّ اختبار الحمض النووي يمكن أن يؤكد أن الرفات الموجود في القبر يماثل الحمض النووي لقصاصة الشعر. وقال سيساي: "ببطءٍ وثبات دُحِضَت كل المعاذير التي قُدمت إلينا، منها أنَّه لا يمكن العثور على رفات الأمير لعدم القدرة على التعرف على عظامه".
وصل إلى لندن بعد أن فقد والدته في الطريق
بعد نهب مگدلا، اصطحب جنديٌ بريطاني يُسمى تريسترام سبيدي الأمير وأمه الإمبراطورة تيروورك إلى بريطانيا. ماتت الإمبراطورة في الطريق قبل الصعود إلى سفينة في الإسكندرية بمصر، وطلب الضابط من كل الإثيوبيين الآخرين أن يعودوا من حيث أتوا.
اصطحب سبيدي الأمير إلى منزله في جزيرة وايت، وهناك قدمه إلى الملكة فيكتوريا. وتلقَّى مرتباً شهرياً نظير تعليم الأمير، الذي ذهب إلى مدرسة رغبي ثم التحق بأكاديمية ساندهيرست العسكرية.
وقال سيساي إنَّ الأمير "عانى من العنصرية وهو في المدرسة كما تظهر خطاباته. وكان عليه أن ينام على الأرض في بقعة واحدة. أيضاً أبعده سبيدي عن جميع أفراد أسرته، وكان عليه أن يعتاد معايشة هذا الرجل، الذي كان أحد المسؤولين عن قتل أبيه".
وكان سجين حرب تم اختطافه كرهينة
ويزداد اشتعال العواطف بين جوانح الإثيوبيين وفقاً لما قالته السفارة الإثيوبية. فقد ذكرت في بيان: "الإثيوبيون يُبجلون الأمير أليمايهو باعتباره سجين حرب صغيراً؛ فلم يكن سوى صبي في السابعة حين خُطف كرهينة. يبقى الأمير أليمايهو ابناً لبطل، اختار أن تنتهي حياته دون أن يستسلم لغزاة البلاد. والإثيوبيون ينظرون إلى الأمير بنفس القدر من التعاطف والاحترام الذي ينظرون به لوالده".
وتُصعِّد أديس أبابا الضغط لإعادة المقتنيات المنهوبة بعد معركة مگدلا، ومن بينها تاجٌ ذهبي منقوش بخيوط من الذهب والفضة، وفستان زفاف ملكي، ومئات المخطوطات المضاءة، من بينها ست مخطوطات محفوظة في المكتبة الشخصية للملكة في ويندسور.
وقالت مازا منجيست، الكاتبة الأميركية من أصول إثيوبية: "نحن نشهد تجدد الاهتمام العالمي بإعادة المقتنيات المنهوبة التي تسكن المتاحف البريطانية والمكتبة، وأنا آمل أن يصحب هذا كله فعل ما كان ينبغي فعله منذ زمن بالسماح لرفات الأمير إليمايهو بالعودة إلى وطنه".
وقالت السفارة في بيان لها: كان حرياً ببريطانيا العظمى ألا تقبل على نفسها هذه الكنوز التي وصلت إلى يديها بطريق النهب"، مضيفة أن هناك "رغبة قوية وعنيدة بتصحيح هذا الخطأ التاريخي.
وأضافت "حكومة إثيوبيا ملتزمة بالحصول على موافقة جلالة الملكة على الطلب المقدم عام 2017 باستعادة رفات الأمير أليمايهو. وعلى ذلك، ستسعى السفارة إلى مضاعفة جهودها لاستعادة رفات الأمير، وكذلك المقتنيات المنهوبة في معركة مگدلا".