تبعد العاصمة السعودية الرياض، أكثر من 500 ميل عن الحدود اليمنية، التي تستعر الحرب فيها منذ سنوات.
على الرغم من ذلك، يبدو الخطر بعيداً، وتتحول "المذبحة"؟ إلى مجرد فكرة حينما تصل أخبارها إلى مدينة الرياض، التي تنشغل بأحوالها الخاصة مثل التغيرات الاجتماعية، وحملات فرض النظام، والتحولات الاقتصادية، وأحداث القصر الملكي. بحسب ما نشرته صحيفة Washingtonpost الأميركية.
السعوديون لا يبالون بالصواريخ.. فالمباريات أهم
ونادراً ما تسقط الصواريخ التي يُطلقها الحوثيون على الرياض، حتى إنه لم يبال أحد بإطلاق صافرات إنذار الغارات الجوية أثناء إحدى الهجمات الأخيرة.
وتعد المناقشات حول الحرب، بخلاف الضربات الصاروخية قليلة أيضاً، رغم الدور القيادي الذي يلعبه الجيش السعودي في حملة القصف الجوي باليمن.
أدى وابل القصف الصاروخي، خلال الشهر الماضي، إلى تغيير إيقاع المدينة، ولكن بصورة ضئيلة. واخترق أحد الصواريخ غرفة نوم عامل مصري يُدعى عبدالمطلب علي، ما أدَّى إلى مصرعه وإصابة 3 من أقاربه.
وكانت أولى حالات الوفاة الناجمة عن القصف الصاروخي بالمدينة، ما اجتذب تعاطفاً جمّاً من جانب العديد من السعوديين، ومع ذلك، لم يغير ذلك من إيقاع حياتهم.
وذكر رجل الأعمال عبدالله اليوسف، بينما كان يستقبل زواراً خلال إحدى الأمسيات "الأمر لا يؤثر علينا" وتحولت المناقشة إلى إحدى مباريات كرة القدم بالتلفزيون. وقال إن الناس شعروا بالحزن على ما حدث لعبدالمطلب. وأضاف أنه فيما يتعلق بالحرب "لا أحد يتحدث عنها"، بحسب الصحيفة الأميركية.
في اليمن، لا سبيل للفرار من الحرب. ويطارد القتل والضربات الجوية ونيران المدفعية الأهالي بالمدن الكبرى. وتندر المواد الغذائية في الريف ويصعب الوصول إلى المستشفيات المكدسة بالفقراء. ولا يكاد أعداد القتلى جراء أعمال العنف -أكثر من 10 آلاف قتيل- يصف حجم الأزمة التي تركت 8 ملايين يمني، أو نحو ثلث السكان، يواجهون المجاعة، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وكاريزما ولي العهد طاغية في الرياض
ومع ذلك، ففي الرياض، تتنافس الحرب كي تجذب الانتباه في مدينة مفتونة بأمور أخرى، من بينها تحركات ولي العهد الكاريزمي محمد بن سلمان. وحينما يسافر إلى الخارج، تتعقب مواقع تويتر كلَّ لقاء له مع قادة ومشاهير العالم وكل صفقة يبرمها لصالح بلاده.
ويتم قياس حجم طموحات الرياض الهائلة حسب المشروعات التنموية اللانهائية التي يتم تنفيذها، والفنادق التي تمتلئ أسبوعياً برجال الأعمال الأجانب القادمين للحصول على فرص اقتصادية وفيرة، كما لو كانوا يواجهون سيلاً من الذهب. ويجوب رجال هيئة الأمر بالمعروف التي كانت مهيبة ذات يوم، لكن تم تجريدها من سلطة فرض القواعد الأخلاقية، أنحاء المدينة وعلى وجوههم مشاعر "الذنب" ربما، ولكن "الحزن" بكل تأكيد، في إشارة إلى التغيير.
لكنهم أيضاً لا يهتمون بالحرب
فحينما يتعلق الأمر بالحرب، لا يجد أحد ما يقوله. ويتفق العديد من الأشخاص مع رأي الحكومة بشأن ضرورة التدخل السعودي باليمن منذ ثلاث سنوات للدفاع عن حدود الدولة ضد جماعة الحوثي.
وفيما يتعلق بالسعوديين الذين ينتقدون التدخل الذي أدى إلى تعرُّض البلاد لانتقادات دولية، جراء آلاف الضحايا المدنيين خلال الضربات الجوية، فلا يكاد يكون هناك منافذ عامة يستطيعون من خلالها التعبير عن آرائهم.
فالشعور الوطني طاغ واستعراض القوة قناعة لدى الكثيرين
إذ إن احتدام المنافسة مع إيران، أشعل القادة السعوديين شعوراً وطنياً غير معتاد بالبلاد، وغرسوا قناعة لدى الكثيرين بأن القوات المسلحة تستطيع حماية البلاد واستعراض قوتها خارج نطاق حدودها.
ويؤكد القادة العسكريون السعوديون للعامة، أنه يتم اعتراض الصواريخ الموجهة إليهم، وأنه لو أمكن تجاهل الأضرار المحتملة التي لحقت بالمدنيين اليمنيين، يستطيع الجيش السعودي القضاء على أعدائه في غضون أسابيع.
وقد أدت مثل هذه التصريحات، سواء كانت صحيحة أو غير صحيحة، إلى تهدئة الرأي العام.
ويتذكر يويل حبطوم، الذي يقيم عبر الشارع من منزل المصري عبدالمطلب، ويبلغ من العمر 19 عاماً، تلك الليلة المروعة المفعمة بالدخان والنار حينما سقط الصاروخ ومنظر جثة جاره المروع، حينما تم سحبه من داخل المنزل. وبعد انقضاء يومين من الضربة الصاروخية، استعاد الشاب هدوء أعصابه.
وقال "لا نشعر بهذه الحرب. إننا مرتاحون هنا".
أقوياء ولا يبالون بالصغائر
في الليلة التي سقط بها الصاروخ، وقف الأهالي يلتقطون الصور مع جزء من الصاروخ كان قد سقط وسط الشارع. وفي منطقة أخرى، تجمَّع الناس بحثاً عن موقع الاصطدام، حيثما خرج معترض الصواريخ عن مساره، حيث سقط في كومة رملية، بالقرب من أحد مواقع البناء دون أن يؤذي أحداً.
وبعد يومين، امتلأ مقهى بالقرب من المكان، وكانت قائمة الانتظار طويلة. واسترجع الناس ضربة الصاروخ، في مشهد يثير العصبية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وذكر مشاري العسيري، معلم الصف الأول البالغ من العمر 36 عاماً، الذي حضر إلى المقهى أن الضربة جعلته لا يشعر بالقلق بشأن مجريات الحرب في اليمن. وقال "إنها بلادي. ولو كنت أشعر بالخطر، لكنت أول من يذهب ليشارك في القتال".
ليس هناك حاجة لذلك، وقال "إننا أقوياء وحينما تكون قوياً لا تقلق بشأن الأمور الصغيرة".
وفي المنزل الذي لقي به العامل المصري مصرعه، ذكر أكثر من 10 من العمال المصريين الذين يقيمون معه بالمنزل، أنهم لا يبالون إلى حدٍّ كبير أيضاً بالحرب لأنهم لا يحظون برفاهية التفكير بها.
كانت سياسات التحديث الشاملة بالمملكة بالغة الصعوبة على العمال المهاجرين. وبينما يتم تشجيع المواطنين السعوديين بالانضمام إلى القوى العاملة، فقد ارتفعت التكاليف كثيراً على الأجانب. ويُذكر أن مئات الآلاف قد غادروا البلاد.
وتساءل المصريون عن مدى قدرتهم على البقاء بالمملكة. وقال أحد العمال إن زميلهم علي كان "طيباً للغاية". ولا تزال ملابسه، ومن بينها معطف وسروال من الجينز، معلقة على الجدار في غرفته المحطمة.
وأضاف العامل "سمعنا شيئاً عن وجود حرب في اليمن. إننا لا نعرف الكثير".
رسالة قوة واعتماد على الذات
في المرة الأخيرة التي أُطلقت بها الصواريخ على المملكة من العراق عام 1991، كانوا يطلقون صافرات الإنذار بالغارات الجوية في العاصمة السعودية الخاوية من سكانها كل ليلة تقريباً.
قام سعود البيشي بتحويل سيارة من طراز دودج إلى مأوى متنقل للوقاية من القنابل وكان يملأها بالمؤن، ويغلق الأبواب لتجنب التعرض لأي هجوم كيماوي محتمل. وكانت السيارات الحكومية تجوب الشوارع، وتحذر المواطنين كي يختبئوا، حيث كانت إعلانات الخدمة العامة تطلق إنذارات حمراء اللون، يَظهر وميضها بالتلفزيون.
قال البيشي "كان الأمر مروعاً".
كانت المملكة العربية السعودية -التي تعتمد على الولايات المتحدة للدفاع عنها رغم ثرواتها النفطية- ضعيفة وعرضة للمخاطر.
وبحسب الصحيفة الأميركية، يستهدف الغزو السعودي لليمن إرسال رسالة مختلفة، رسالة قوة واعتماد على الذات. وتستمر الولايات المتحدة في تقديم الدعم إلى المملكة، بما في ذلك تزويد الطائرات بالوقود جواً.
وكانت الرسالة تستهدف إيران، المنافس الإقليمي للمملكة العربية السعودية، التي تتحالف مع المتمردين الحوثيين. ومع ذلك، فإنها تعد جزءاً من محاولة أوسع نطاقاً لدعم شعور الوطنية الجديد، الذي يترسخ بالالتزام بالجيش، وفقاً لما ذكرته كريستين سميث ديوان، الباحثة بمعهد بلدان الخليج العربي في واشنطن.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
وذكرت أن الجهود السعودية كانت أقل تقدماً من جهود جارتها وشريكتها بالتحالف، دولة الإمارات العربية المتحدة، التي استحدثت نظام التجنيد الإجباري وحشدت المواطنين حول روح التضحية المشتركة، بما في ذلك إقامة نصب تذكاري للحرب مترامية الأطراف.
وسلط القادة السعوديون الضوءَ أيضاً على الجهود الحربية، ولكن بأساليب محدودة للغاية. وفرضت الدولتان حظراً على أي مناقشات نقدية للحرب.
وقالت ديوان "لا تريد أن تبدو ضعيفاً مطلقاً، على الأقل أمام شعبك". وكان من المتوقع أن تسعى الحكومة السعودية وراء فرض رقابة مشددة على الحديث عن الحرب. وأضافت قائلة إنه بدون صحافة حرة، يمتلكون أدوات أخرى تمكنهم من القيام بذلك".
وبعيداً عن المملكة، كان من الصعب للغاية توجيه أسلوب الحديث عن الحرب. ففي اليمن، أقر القادة السعوديون بالفعل أن النزاع كان أكثر تعقيداً مما كانوا يتوقعونه.
وبدأ ولي العهد خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة يتخذ موقفاً معادياً تجاه تساؤل حول الحرب، خلال لقاء له مع مجلة أتلانتيك. وقال "نريد أن يتم سؤالنا عن الاقتصاد وعن شراكاتنا واستثماراتنا في أميركا والمملكة، بحسب ما ورد في نص اللقاء، بحسب الصحيفة الأميركية.
"لا نريد أن نقضي حياتنا في جدل حول اليمن. ليس أمامنا خيار في ذلك، بل يتعلق بأمننا وحياتنا".