تروج وزارة الداخلية المصرية لسلسلة من الرسوم الكاريكاتورية، التي تشجع القُصَّر على التعاون مع رجال الشرطة، من خلال عملهم كمخبرين، والتبليغ فوراً عن أي شخص يرونه خالف القانون.
وخلال الليل، وفي إحدى المدن المصرية، يستيقظ أحد الأطفال المصريين من أجل أن يتخذ مكاناً له في الشرفة، أو وراء الباب والنظر إلى الخارج عبر ثقب الباب، بهدف التجسس على أحد الجيران الذين يصدرون ضجيجاً صاخباً. عموماً، يجسد هذا المشهد أحد المخططات التي تصورها سلسلة من الصور المتحركة المثيرة للجدل، بقيادة وزارة الداخلية المصرية، لتشجيع القصر على التعاون مع جهاز الشرطة، المتهم بدوره بارتكاب انتهاكات حادة ضد حقوق الإنسان، بحسب تقرير لصحيفة el mundo الإسبانية.
بعد إنتاج هذه السلسلة، تم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لوزارة الداخلية، كما بثت في القنوات الرئيسية للتلفزيون المحلي المصري. أما أبطال هذه السلسلة، فاتن وبلبل، فهما طفلان مهذبان للغاية، يتعاونان مع قوات الأمن، ويكنان لها كل الولاء.
وحتى خلال الحملة الانتخابية، تم نشر شعارات مثيرة للجدل حول الأطفال، تحمل عبارات على غرار "معاً من أجل حماية عقول أطفالنا". وقد انتهت هذه الانتخابات بفوز عبدالفتاح السيسي بحوالي 97.08% من الأصوات، بحسب الصحيفة الإسبانية.
التشجيع على تحول الأطفال كمخبرين
ويكمن الجانب الأكثر إثارة للجدل بحسب el mundo في هذه الحملة، تحت شعار "لحماية عقول الأطفال"، حيث تشجع هؤلاء القصر على التحول إلى جواسيس ومخبرين لرجال الشرطة. وتصور هذه المشاهد فاتن وبلبل وهما يراقبان تحركات بعض الجيران خلال إحدى الليالي، من وراء ثقب الباب، ومتستران بالظلمة من أجل الإخبار عنهم. وغالباً ما يتم الإبلاغ عن جميع التحركات المشبوهة التي تستوجب إعلام رجال الشرطة، بشكل فوري.
في أحد المكاتب، يتلقى الشرطي نبيل هذه المعلومات. وبعد وقت وجيز، تم إلقاء القبض على المشتبه بهما على خلفية ارتكابهما لتجاوزات، بعد شن رجال الشرطة لعملية مداهمة لمنزلهما. وفي وقت لاحق، يشكر ضابط الشرطة الطفلين قائلاً: "جيد جداً شباب، لقد أحسنتما التصرف عند الإبلاغ عن بعض الحالات المشبوهة". وفي نهاية الحوار، يحذر الشرطي الطفلين، محيلاً إلى أن المسؤولين هم الذين سيتكفلون بالتحقيق في الأمر.
عبر رجل الشرطة عن فرحه بقدوم الصديقين مباشرة إلى مركز الشرطة. ومن جهته، حثَّهم على عدم إخبار أي طرف ثالث بما حدث، أو حول الشكاية التي تقدما بها. وفي أحد هذه المشاهد، عبَّر أحد الأولياء عن فخره بإنجاز ابنه. وبعد أن أفاد أحد الأولياء: "سنقدم لكم يد المساعدة من أجل القبض على الأشرار"، ردد أحد أبطال الرسوم المتحركة، قائلاً: "أين المكافأة التي ستقدم لنا؟ وأين الشوكولاتة؟".
التوعية
وفقاً لوزارة الداخلية، تسعى هذه السلسلة إلى توعية الأطفال حول الخدمة التي يقدمها جهاز الشرطة للمجتمع، ودوره في إنقاذ المواطنين. وفي غمرة حملة الصور الفعالة، ينعكس الحس الوطني الذي يبثه عبدالفتاح السيسي، الذي يحاول التخلص من حالة الرفض التي شابت حكمه. وتعزى هذه الحالة، التي طالت بعض الأوساط الاجتماعية في البلاد، بالأساس إلى ممارسات الجهاز الأمني. ومنذ إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013، تم اعتقال الآلاف من جميع الأطياف السياسية بسبب مشاركتهم في الحياة السياسية، كما اختفى مئات المصريين الآخرين، بحسب الصحيفة الإسبانية.
واعتبرت إحدى المواقع الإلكترونية هذه الحملة بمثابة "دعاية"، مندِّدة بأن "وزارة الداخلية ترغب في زرع قيمة التجسس في صفوف المواطنين. وبعد أن فشلت في هذه المهمة مع البالغين، تسعى الوزارة حالياً إلى استهداف الفئة التي يمكن التأثير فيها بسهولة أكبر". ومن الجهات الأخرى التي ندَّدت بهذه الحملة، نذكر المواطنين المصريين، الذين لجؤوا إلى التعبير عن غضبهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وهو آخر معقل لحرية التعبير، التي تتعرض لحملة تضييق كبيرة في مصر.
عبَّرت الصحف الموالية للحكومة المصرية عن تأييدها لسلسلة الرسوم المتحركة. واعتبرت أن هذه المبادرة تهدف إلى توعية الأطفال "بمخاطر التطرف، ودور الشرطة في حمايتهم". وفي هذا المعنى، أشارت صحيفة اليوم السابع إلى أن "دور هذه السلسلة يتمثل في تعزيز مفهوم الشرطة المجتمعية، التي تعزز الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية".
وأوردت الصحيفة اليومية، أن "الحملة التي أشرف على إنتاجها القسم الإعلامي لرجال الشرطة، تتزامن وتتوافق مع هدف السيسي، المتمثل في تعزيز قيم المجتمع والأسرة". وتأتي هذه المبادرة على خلفية انتخابات أهدت "للرئيس" ولاية ثانية، سبقتها حملة من المضايقات والاعتقالات والتهديدات التي لحقت بمنافسي السيسي المحتملين.
"المواطن المخبر"
ولا يعد هاجس الدولة المصرية بشخص "المواطن المخبر" أمراً جديداً. فعلى سبيل المثال، حثَّ أحد الإعلانات التلفزيونية المواطنين، في خضم الانتقال السياسي خلال سنة 2012، على عدم الدخول في حوارات مع الأجانب، محذراً بأن مثل هؤلاء الأشخاص قد يكونون في الواقع جواسيس. وقد تم عرض هذا المشهد في أحد المقاهي الشعبية، الذي صوَّره أحد الغربيين.
خلال هذا المشهد التلفزيوني، قال المتحدث إن "هذا الشخص يمكن أن يتودد إليك وتشعر بأنك تعرفه منذ وقت طويل"، مضيفاً "لا تفتح قلبك لأحد دون معرفة هويته، ومن يقف وراءه. كما أن لكل كلمة ثمنها. لذلك، يمكن أن تنقذ كلمة الأمة". وفي وقت لاحق، ندد العديد من النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان بهذه الحملة، واتهموا السلطات بتأجيج الكراهية تجاه الأجانب.
في أيلول/سبتمبر الماضي، وصفت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، الانتهاكات ضد حقوق الإنسان في مصر، التي تشنها جميع أجهزة الأمن على أنها "ممارسات روتينية". وبعد إجراء بحث ركز على العقد الأخير في مصر، ندد التقرير الصادر في وقت سابق عن هذه الهيئة "بعمليات الإفلات من العقاب على نطاق واسع في مصر"، محيلاً إلى "غياب سلطة مستقلة للتحقيق في حالات التعذيب"، فضلاً عن "الاستعمال المفرط للمحاكم العسكرية"، وغياب جهاز يراقب أماكن الاعتقال.