الأزمة مختلفة هذه المرة ومرشحة للتصاعد، بالرغم من أن مصالح القوى الدولية المعنية تحتم تطويقها. إنها الأزمة التي اعتادت وسائل الإعلام أن تصفها بالتصعيد بين المغرب من جهة، وجبهة البوليساريو التي تدعو لانفصال الصحراء عن المملكة.
خبراء سياسيون اعتبروا التصعيد الراهن "بوادر حرب"، كما تحدثت وسائل الإعلام المغربية عن اتخاذ خيارات "غير مسبوقة" من جانب المملكة تجاه الجبهة.
ورغم نفي جبهة البوليساريو من جانبها اتهامات المغرب، أصبحت الأحداث تمضي نحو احتمالات مفتوحة، لا سيما بعد رفض الأمم المتحدة لشكوى المغرب ضد البوليساريو، وقالت إن البعثة الدولية في الصحراء الغربية لم تلحظ أي تحرك لعناصر عسكرية في المنطقة الشمالية الشرقية.
الخيام: كيف وصلت الأزمة لهذا الوضع الحرج؟
الأزمة تصاعدت بعد أن استدعى وزيرا الداخلية والخارجية في الحكومة المغربية في 31 مارس/آذار 2018 لجنة الداخلية والدفاع الوطني بمجلس النواب ولجنة الداخلية والحدود والدفاع الوطني بمجلس المستشارين، لعقد اجتماع عاجل في اليوم التالي بمقر البرلمان للرد على ما اعتبره المغرب "استفزازات لجبهة البوليساريو التي قال إنها نصبت خياماً في المنطقة العازلة بالصحراء".
كما وجه رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني دعوة لرؤساء الأحزاب السياسية للاجتماع على عجل عشية اليوم ذاته.
وأعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الأحد 1 أبريل/نيسان 2018، أن المملكة أعلمت مجلس الأمن بما وصفه بـ"توغلات شديدة الخطورة للبوليساريو" في المنطقة العازلة في الصحراء الغربية.
في المقابل، اعتبر منسق جبهة البوليساريو مع بعثة "المينورسو"، محمد خداد، أن "المغرب يسعى للتملص من التزاماته وركوب ادعاءات جوفاء لا أساس لها وخلق هالة من الغوغاء".
وبدأت أزمة "الصحراء الغربية" تاريخياً منذ انسحاب الاستعمار الإسباني عام 1975، حيث طالب المغرب باسترجاع الصحراء التي وصفها بـ"أقاليمه الجنوبية" واعتبر أن الصحراء الغربية جزء من أراضيه، بينما سعت جبهة "البوليساريو" لإقامة دولة جديدة منفصلة في منطقة الصحراء الغربية.
التوقيت: لماذا قررت الأطراف التصعيد الآن؟
عناصر موالية لجبهة البوليساريو ظهروا في منطقة عازلة، تفصل الأقاليم الصحراوية عن مناطق مخيمات الجبهة، ونصبوا بعض الخيام.
معلومات جاءت من المصادر المغربية، بعد ثلاثة أسابيع من اجتماع مجلس الأمن السنوي الذي يخصصه لدراسة ملف قضية "الصحراء الغربية" والتصويت على تمديد مهمة بعثة "المينورسو" المكلفة بمراقبة اتفاق إطلاق النار.
فوفقاً للجانب المغربي "مثل هذه الاستفزازات أصبحت مألوفة لدى البوليساريو خصوصاً مع اقتراب إصدار مجلس الأمن لقراره المرتبط بقضية الأقاليم الجنوبية للمملكة"، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إدريس لكريني.
ولكن لكريني لا يكتفي بربط الأمر بجلسة مجلس الأمن إذ يقول لـ"بوست عربي": "خصوم المغرب، حسب تعبيره، يحاولون افتعال الأزمات للتشويش على ما حققته الرباط من مكتسبات على مستوى تمتين علاقاته الإفريقية، أو على مستوى الاقتناع الدولي بعدم نجاعة خيار الانفصال".
السبب في هذا التحرك الأخير من قبل البوليساريو، حسب خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية المغربي، عبد الرحمن مكاوي، هو أنه بعد ما وصفه بفشل البوليساريو في جميع الاستراتيجيات التي قامت بها منذ وقف إطلاق النار سنة 1991، وفشلها في معركته الدبلوماسية والإعلامية، فإنها تحاول الآن زعزعة الاستقرار الداخلي للمغرب بالتلويح إلى العودة للحرب على الحدود"، حسب قوله.
ولكن الأمر لايقتصر على البوليساريو حسب وجهة نظر بعض الخبراء المغاربة.
الجزائر والصحراء: إنها قضية تقرير مصير ولسنا طرفاً
وفقاً لعبدالرحمن مكاوي فإن الجزائر تقف وراء التحركات الأخيرة لجبهة البوليساريو، حسبما قال لـ"عربي بوست". إذ يرى أن "الظرف الحالي يستغل من قبل المؤسسة العسكرية الجزائرية في إطار صراع الأجنحة العسكرية على الحكم"، معتبراً أن ملف الصحراء والعلاقات مع المغرب باتت مسألة جزائرية جزائرية.
واتهم المغرب في أكثر من مناسبة الجزائر بالوقوف وراء تحركات جبهة البوليساريو، وهو ما كرره مكاوي، قائلاً إن "جبهة البوليساريو ليست بمنظمة تحريرية تملك قرار الحرب وقرار السلم، فهي مليشيا مسلحة تابعة لقيادة أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري"، حسب وصفه.
وتقليدياً يعتبر ملف الصحراء من ثوابت السياسة الخارجية الجزائرية، وهو محل إجماع بين السلطة والمعارضة إلى حد كبير باستثناءات قليلة، حيث تؤيد الجزائر ما تصفه بحق شعبها في تقرير مصيره.
وتقول الجزائر أنها ليست طرفاً في الصراع بل هي جزء من الحل وفِي الوقت ذاته استخدمت نفوذها لجلب الاعتراف بقضية الصحراء الغربية من طرف دول الاتحاد الإفريقي وهو ما جعل المغرب يخرج من هذا التكتل الإفريقي" قبل أن يعود إليه مؤخراً.
خطر يلوح في الأفق: حرب ليست كأي شيء سابق
احتمال اندلاع حرب مباشرة ما بين المغرب والجزائر قائم، هذا ما ذهب إليه عبدالرحمن مكاوي.
وقال مكاوي لـ"عربي بوست" إن مثل هذه الحرب ستختلف كلياً عن حرب الرمال سنة 1963 أو الحروب الخاطفة (أمكالة 1 وأمكالة 2 وأمكالة 3)".
فهذه المرة، حسب الخبير المغربي، ستكون حرباً مفتوحة بين الرباط والجزائر.. قد تكون على شاكلة الحرب العراقية الإيرانية التي دامت 8 سنوات".
وزير الداخلية المغربي، عبدالوافي لفتيت، كان قد قال في مؤتمر صحفي عقد مؤخراً: "إن المغرب لن يبقى مكتوف الأيدي في مواجهة الهجمات المستمرة، التي تسعى إلى تغيير وضع المناطق في الشرق"، فيما فهم على أنه تلميح إلى احتمال التدخل ميدانياً لإعادة الأمور إلى طبيعتها.
ونشرت وسائل إعلام مغربية أخباراً تتحدث عن تحرك عسكري مغربي في المناطق الجنوبية للمملكة.
وبالنسبة للخبير المغربي عبد الرحمن مكاوي فإن الرباط لن تقف عند حدود معينة بل سوف تنهي الصراع عسكرياً بشكل نهائي"، حسب قوله.
ولكن الدول الكبرى لن تسمح بوقوع حرب بين الجزائر والمغرب، حسبما يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مراكش، محمد الزهراوي،
فسيناريو الحرب بين الرباط والبوليساريو يعني من وجهة نظره"دخول المغرب والجزائر في مواجهة مباشرة، ما قد يؤدي إلى تقويض السلم والأمن الدوليين بالمنطقة، وهذا السيناريو لن تسمح بوقوعه القوى الدولية، خاصة فرنسا وأميركا، لاسيما في ظل تنامي وانتشار الجماعات المتطرفة في الساحل وجنوب الصحراء الجزائرية".
بين النكسة والحسم : لماذا تراجعت فرص الحل السياسي؟
وقعت المغرب والبوليساريو سنة 1991 على اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية من الأمم المتحدة بعد أن قبلا خطة أممية عام 1988 تتضمن إجراء استفتاء على مصير الصحراء، ولكن المغرب طرح خطة بعد ذلك للحكم الذاتي الصحراء .
وسبق أن تبنت الولايات المتحدة خطة الحكم الذاتي المغربية بينما استثنت محكمة العدل الأوروبية الصحراء من اتفاق الصيد مع المغرب وقبل ذلك اتفاق زراعي للسبب ذاته الأمر الذي اعتبرته البوليساريو انتصارا لقضيتها.
ويبدو أن الطرفين هذه المرة مصران على حسم الأمور، حسب أستاذ العلاقات الدولية، إدريس لكريني، الذي رأى أنه منذ استحالة تطبيق خيار الاستفتاء على مصير الصحراء، بدأت البوليساريو بالتهديد بالعودة إلى حمل السلاح".
واعتبر لكريني أن المغرب عندما وضع مقترح الحكم الذاتي سحب البساط من تحت أقدام البوليساريو"، كما أن الرباط أصبحت مقتنعة بأن البوليساريو تجاوزت الحدود "وفي حاجة إلى ردع هذه السلوكات المستفزة ، حسب قوله، خاصة في ظل المناورات التي شهدتها منطقة الكركارات الحدودية مع موريتانيا والتي اعتبرها المغرب خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.
"البوليساريو": ملتزمون ومتأهبون
فحسب منسق الجبهة مع بعثة "المينورسو" (بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء) محمد خداد، فإن الجبهة ملتزمة بالاتفاق العسكري رقم1 وكافة الاتفاقيات العسكرية التي تحكم وقف إطلاق النار.
وقال في تصريح نقلته وكالة الأنباء الصحراوية، إن البوليساريو "في منتهى الجاهزية والاستعداد والصرامة للرد وبقوة على أي تحرك مغربي"، وأن "جيش التحرير الشعبي الصحراوي" حسب تعبيره، سيكون بالمرصاد لأية محاولة من الجيش المغربي.
وفِيما اعتبر رداً على الاجتماعات التي عقدها المسئولين المغاربة، ترأس رئيس الجبهة والقائد الأعلى لقواتها المسلحة المسلحة إبراهيم غالي الإثنين 2 أبريل/نيسان 2018 ، اجتماعاً طارئاً لما يعرف بهيئة أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي.
وحسب وكالة الأنباء الصحراوية الرسمية، فقد أقرت هيئة أركان جيش "البوليساريو" عدة إجراءات عاجلة لمواجهة أي تحرك عسكري محتمل للمغرب، مؤكدة "جاهزية قوة البوليساريو المسلحة للرد بقوة على أي تصرف من الجانب المغربي".
فهل يبقى الأمر في نطاق الاجتماعات والتحركات أم تنزلق المنطقة إلى صراع جديد بعد أن اقتربا من حشر نفسيهما في زاوية الحسم؟.