الأزمة الخليجية دخلت شهرها العاشر، فهل هي مرشحة للحل قريبا؟
هل اشتعلت الأزمة حقا بسبب خلافات مالية؟
وأين مصر وسط خيوط الخلافات المتشابكة؟
وهل تغيير وزير الخارجية الأمريكي يعني تغيير المعادلة الخليجية؟
"عربي بوست" حاور اثنين من مثقفي الخليج البارزين، هما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور شفيق الغبرا، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات الدكتور عبدالخالق عبدالله، بحثا عن "الجواب المختصر والصريح".
طرحنا نفس الأسئلة التسعة في محاولة لاستكشاف وجهتي النظر، ورغم هذه الاختلافات، فقد اتفقا تقريباً على شيء واحد هو تصورهما لمستقبل مجلس التعاون الخليجي.
إمكانية نزع فتيل الأزمة
-
أوشكت الأزمة الخليجية على دخول شهرها العاشر.. هل هناك إمكانية للتراجع خطوة للخلف لنزع فتيل الأزمة؟
عبد الخالق عبد الله:
الجواب المختصر والصريح لا.
ما زلنا في بداية الأزمة وليس نهايتها، نرى قطر تزيد يوماً بعد يوم مكابرة وإصراراً على نهجها، وترفض الاستجابة لأي مطلب. وفي نفس الوقت تقول دول الرباعي العربي: نحن أدرنا ظهرنا لقطر فلتتحمل هي مسؤولية وتبعات المقاطعة.
هذه الأزمة ستستمر، البعض يتوقع لها سنوات والبعض يتوقع لها شهوراً ولكني أتوقع أنها ستستمر طويلاً.
شفيق الغبرا:
أزمة الخليج للأسف تتميز بلاعقلانيتها وتطرف إجراءاتها، وإن كان هناك مجال للتراجع فهو التراجع الذي يمس المدنيين والخليجيين من كل الأطراف، ما يسمح لهم بالتحرك والطيران والسفر والإقامة والحياة الطبيعية.
لا مانع من استمرار الخلافات في السياسة، ولكن لنبعد الشعوب والمدنيين والطيران والبضائع والمأكل والمشرب والملبس عن هذا النزاع. على الأقل نعقلن الاختلاف وتصبح الأمور الأخرى أكثر يسراً.
الأسباب الحقيقية للأزمة
-
تعتبر قطر إن مطالب دول الحصار تدخلٌ في شؤونها.. ما هي الأسباب الواقعية برأيك؟
عبد الخالق عبد الله:
لا توجد اتهامات متبادلة، هناك اتهام واضح وصريح من دول الرباعي العربي على مستويين رئيسيين:
الأول هو أن قطر تمول جماعات ومنظمات مصنفة على أنها إرهابية لدى دول الرباعي، وعلى قطر أن توقف تمويل ودعم واحتضان قيادات هذه الجماعة، وأنا أتحدث عن الإخوان المسلمين. ليس مطلوباً من قطر أن تصنف الإخوان بأنها جماعة إرهابية، لكن مطلوب وبكل حزم أن توقف تمويل جماعة تعتبرها السعودية والإمارات والبحرين ومصر جماعة إرهابية، وهذا هو أول وأهم مطلب ويأتي على رأس كل المطالب.
المطلب الثاني أن توقف قطر تحريضها ضد مصر ودوّل الخليج عبر قناة الجزيرة ومنابرها الإعلامية، وهذا التحريض لم يتوقف بل ازداد خلال العشرة أشهر الماضية.
بدون الاستجابة لهذين المطلبين ستستمر المقاطعة.
شفيق الغبرا:
سنبقى نتحدث عن التكهنات وماذا كان في عقل صانع القرار عندما تفجرت هذه الأزمة.
هل مشروع السعودية والإمارات في اجتثاث كل الرؤى المختلفة معهم هو جزء من هذه الأزمة؟ هل الجوانب المالية لها دور؟ هل هو السعي لغلق المساحات العامة المتاحة لكل وجهات النظر؟ هل هو ضبط حركة جميع الدول في منطقة الخليج؟ هل هي سياسة الرئيس الأميركي ترمب وسعيه لجمع الأموال على مستويات مختلفة في اطار لقائه الشهير في الرياض؟ هل هي صفقة القرن؟.
وربما تكون كل هذه الأسباب أو بعضها. الأزمة في إطار ما ليست تعبيراً عن حالة شفافة ولا حالة بها احترام للشعوب ورأيها.
هذا جزء من مشكلة المنطقة العربية التي هي من أقل المناطق في العالم احتمالاً للرأي الآخر، ومن أقل المناطق في العالم استمتاعا بحريات حقيقية يعبر فيها المثقف والكاتب وصاحب الرأي عن آرائه سواء كانت هذه الآراء باتجاه اليمين واليسار أو الإسلامي والعلماني.
وعندما نتحدث عن أزمة الخليج لا نستطيع عزلها عن أزمة الحرية والتعبير، فقد كان جزء من المطالب إغلاق قناة الجزيرة، ولو طبق هذا القرار سيأتي من يطالب بإغلاق قناة العربية ونصف القنوات العربية وإغلاق فيسبوك وتويتر، وهذا منطق لا يستوي مع العصر الذي نعيشه.
وأجد الكثير من المطالب الثلاثة عشر التي تم طرحها مطالب غير واقعية وتدخل بالسيادة، ومن الصعب أن توافق عليها دولة قطر.
الغاز القطري في قائمة الأسباب؟
-
البعض يعتبر الغاز القطري ورغبة السعودية في الوصاية على الدوحة هو السبب في هذا الخلاف؟
عبد الخالق عبد الله:
مطلقاً، ليس صحيحاً.
السعودية ليست بحاجة لأن تضع قطر تحت وصايتها، وليس هذا هو طبع السعودية، فقطر كانت دائماً مستقلة في شأنها والرياض لم يكن لديها أي غضاضة، رغم أن السعودية كانت بين أكثر المتضررين من التحريض القطري خلال العشرين سنة الماضية.
وهناك دول أخرى تُمارس استقلاليتها في قرارها السياسي والسعودية متعايشة معها وتختلف أو تتفق معها لكنها لا تود أن تفرض وصايتها على قطر أو أي دولة أخرى تُمارس سياستها.
شفيق الغبرا:
رأيي أن هذا قد يكون أحد المسببات في الأزمة، وهذا يأخذنا مرة أخرى لعلاقة الدول الكبرى بالصغرى في الإقليم، دفع بالدوحة لتحالف مع تركيا واستضافة قاعدة عسكرية تركية، وحالة جديدة للعلاقة مع إيران بخصوص البضائع.
عندما تخاف الدول الصغرى تلجأ لأن تحمي نفسها، مما يزيد من التفتت ويضعف من إمكانية الإتفاق، العقلنة هي الطريق لحل أي خلاف اقتصادي ووضعه في إطار القانون الدولي والعادل.
قصة الوصاية وغيرها، شاهدناها بين العراق والكويت، وشاهدناها بين سوريا ولبنان، ورأينا أين انتهت الأمور. هذه المدرسة في الساحة العربية لم تستطع أن تحقق مبتغاها، وعادة ما تنتهي بتدمير المنطقة، وهذا ينطبق أيضاً على حرب اليمن.
الموقف الأمريكي بعد تغيير تيلرسون
-
دول الرباعي قد تعول على الموقف الأميركي وخاصة بعد إطاحة ترمب بوزير خارجيته تيلرسون.. ما رأيك بذلك؟
عبد الخالق عبد الله:
الدول المقاطعة لقطر لا تعول على أميركا، فأميركا تكون معك اليوم وستكون ضدك غداً وهذا أمر لا يمكن توقعه وخاصة في ظل وجود رئيس أميركي يعرف الكل بأنه من الصعب التوقع بما سيفعله. واضح أن تيلرسون عندما كان وزيراً للخارجية كان منحازاً لقطر، وقطر أكبر الخاسرين بغيابه، وربما على قطر الآن أن تقوم بترتيب أوراقها في ظل والوزير الجديد.
شفيق الغبرا:
الولايات المتحدة استوعبت جانباً مما وقع بين قطر والدول التي تحاصرها، ووصلت لحالة من الإشباع في التعامل مع الأزمة. هناك أزمات أخرى في العالم، وأميركا حققت أهدافها في منطقة الخليج نسبياً من خلال اتفاقيات تعاون في مكافحة الإرهاب واتفاقيات مالية وشراء للطائرات.
أميركا الآن ليست كأميركا قبل عشر أو عشرين سنة فهي قوة أضعف نسبياً، وفقدت الكثير من هيبتها ومتورطة في أفغانستان ولا تعرف كيف تنهي الحرب هناك، وفي حرب العراق أنهتها لغير صالحها ولصالح إيران.
لديها القوة والتأثير لكنها ليس بنفس الدرجة السابقة، ما يعني أنه إذا أخطأت أميركا في التعامل مع قضية الحصار على قطر فستكون هي الخاسر. ربما الكل سيخسر لكنها ستكون هي أكبر الخاسرين.
وهذا يفرض على أكثر من دولة في منطقة الخليج أن تفكر بخيارات أخرى، فالأمور ليست في ملعب مغلق بلا بدائل. هناك الصين وروسيا وتركيا وجزئياً إيران والمنظومة الأوربية، وهذا يأخذنا للأزمة مع إيران والحدود التي تقبل بها أوروبا في طريقة التعامل الخليجي مع قطر.
مستقبل التعايش بين دول الخليج
-
كيف يمكن قراءة مستقبل الخليج العربي إذا ظلت الأزمة على وضعها الراهن لفترة مفتوحة؟
عبد الخالق عبد الله:
هناك توتر في البيت الخليجي، ومجلس التعاون ليس في أحسن حالاته ولكن الخليج ليس متوقفاً على قطر والعلاقة مع قطر وليس متوقفاً على مرور مجلس التعاون بلحظات صعبة.
الاتحادات العالمية بما فيها الاتحاد الأوروبي تمر بأزمات فقد انسحبت منه بريطانيا. دول الخليج الرئيسيّة والكبرى على وفاق مع بعضها البعض ( الإمارات والسعودية والكويت وحتى عمان). هذه الأزمات مرت سابقاً وتمر حالياً وأتوقع أن تمر في المستقبل، وهذا لا يعني أن الخليج في أزمة.
شفيق الغبرا:
مستقبل الخليج العربي مرتبط ببعض العوامل غير الواضحة والمتغيرة. لا يوجد ضمان أن الأوضاع العربية ستستمر على ما هو عليه ولا يوجد تأكيد بأن الحالة العربية من مصر للمملكة العربية السعودية إلى حرب اليمن إلى حصار قطر ستستمر بنفس هذه الوتيرة.
هذه الأزمة خلقت أزمة ثقة بين الدول الأصغر والأكبر، مجلس التعاون يمر بأزمة هي الأعمق منذ تأسيسه لأنها في داخل المجلس وليست مع أطراف خارج المجلس كما كان الأمر في السابق مع إيران أو العراق.
لا يوجد مخرج من هذا إلا بإتباع سياسة مختلفة في الإقتصاد والمشاركة والعلاقة بين الدول الأصغر والأكبر، وفي التعامل مع المنظور العربي كحرب اليمن. المستقبل يحتمل أكثر من سيناريو ولا يشترط أن كل السيناريوهات سلبية.
ومستقبل مجلس التعاون نفسه
-
هل نشهد افول مجل التعاون الخليجي الذي كان يوماً ما فعالاً؟
عبد الخالق عبد الله:
أبداً، من يراهن على أن مجلس التعاون الخليجي انتهى وأنه مات فهذا كله رهان في غير محله. المجلس كأي مشروع آخر يمر بفترات صعبة، والحديث عن وفاة هذا المجلس سابق لأوانه وينم عن جهل.
الروابط والارتباطات التي تربط هذه الدول كانت قائمة قبل قيام مجلس التعاون، وستبقى رغم مرور المجلس بهذا التصدع بسبب أزمة قطر.
شفيق الغبرا:
حتماً الأوضاع الأخيرة أثرت على مجلس التعاون ولكن وجود قوى ودول داخل المجلس تريد استمراره هو عنصر مقاومة لعملية التفتيت.
وأهم هذه الدول هي دولة الكويت وهو ما تجسده السياسة الكويتية التي تتوسط في الأزمة.
بقاء موقف الكويت رغم كونها دولة صغيرة يسعى للالتزام باستمرار مجلس التعاون، ووجود أفق ولو جزئي في بقية الأطراف سيسمح لمجلس التعاون أن يستمر ربما بصورة متوترة نسبياً أو أضعف من السابق، لكن استمراره في حال تجاوز الأزمة سيسمح بإعادة بنائه على أسس جديدة إذا توفرت هذه النية والأوضاع السياسية التي تسمح بذلك.
موقع إيران في خارطة الأزمة
-
هل من مصلحة دول مجلس التعاون الآن إدارة حوار مع طهران أم الصراع واعتبار الاقتراب منها يستوجب العقاب؟
عبد الخالق عبد الله:
إيران جار لدول الخليج لكن هذا الجار صعب. وهي حالياً أصعب من أي وقت آخر في التعامل معها بسبب تمددها ودعمها للمليشيات وتدخلها في الشأن العربي والخليجي.
أعتقد أن إيران اليوم هي التي عليها أن تعيد النظر في سياساتها ونهجها ومواقفها، وأتوقع انه لا يوجد حوار مع إيران بل المزيد من التصعيد خاصة مع وجود إدارة أميركية متشددة.
شفيق الغبرا:
هناك في دول الخليج وجهات نظر مختلفة، وهناك من يعتبر إيران العدو الأول ومن يعتبر الحوار مع إيران واجباً. والحقيقة قد تكون بين الاثنين، فهناك صراع واختلاف مع إيران في عدد من الملفات والقضايا مثل العراق وسوريا.
لكن إيران بنفس الوقت دولة رئيسية ومهمة لا بد من الحوار معها والتأثير عليها من خلال الأدوات لنصل معها لنقطة اتفاق حول القضايا التي تمزقنا وتفرقنا، وبالإمكان خلق توافق معها على بعض الأمور المتعلقة بمنطقة الخليج وإبقاء الجسور الاقتصادية والسياسية.
وهناك عدد من دول الخليج لديها تجارة كبيرة مع إيران بما فيها الدول التي تطرح علناً مواقف قوية ضدها.
أما السياسة القائلة بأن الدول العربية يمكن أن تتحالف مع إسرائيل لمواجهة طهران فهي سياسة خاطئة وستنتهي بنا إلى أننا لن نواجه ايران وستصبح إسرائيل قادرة على السيطرة على أكثر من ملف من ملفات المنطقة العربية وهذا سيضعنا في مهب الريح كعرب ومسلمين.
وهل كان الربيع العربي سببا للخلاف
-
هل التباين في الموقف من الربيع العربي داخل مجلس التعاون الخليجي ساهم في تعميق الخلافات؟
عبد الخالق عبد الله:
الربيع العربي مر عليه الآن أكثر من سبع سنوات، وبالتالي الموقف من الربيع العربي لا علاقة له بهذا الخلاف مع قطر. الخلاف العلني قائم على موضوعين رئيسيين لا ثالث لهما؛ أولاً العلاقة مع الإخوان المسلمين ودعم قطر لهذه الجماعة، ثانياً: العلاقة مع مصر وتحريض قطر عبر قنواتها وفي المقدمة الجزيرة ضد أمن واستقرار مصر.
الربيع العربي ليس قضية من القضايا الخلافية.
شفيق الغبرا:
من الصعب قول ذلك، الربيع العربي أتى في 2011 ونحن الآن في 2018 فهل يعقل أن تكون ردة الفعل متأخرة سبع سنوات.
الموضوع الأساسي أنه ربما الثورة المضادة التي جاءت، وعودة النظام العربي القديم بأرجل منهارة والذي لم يحقق النتائج المرجوة منه، فقد تمت الثورات العربية لكن النظام العربي الجديد لم يحل المشكلة التي جاء من أجلها الربيع العربي فقد استمرت البطالة والفساد والقمع واللاديموقراطية وحالة منع الحريات وسجن أعداد كبيرة من الناس والمثقفين والكتاب والمفكرين بتهم متنوعة.
وهذا يعني أن هناك ربيعاً عربياً قادماً بغض النظر عما إذا كانت قطر محاصرة أم غير محاصرة، الإخوان محاصرين أو غير محاصرين موجودين أو غير موجودين، ستأتي هبة أخرى في العالم العربي ليس بسبب الإسلام السياسي وليس بسبب قطر وليس بسبب أوباما وإنما بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ستأتي هبات أخرى بعد خمس سنوات أو سبع سنوات أو بعد عام لا أحد يعرف متى لكن العالم العربي يعيش الآن على فوهة بركان.
العلاقة بين الاستقطاب وغياب الديموقراطية
-
هل غياب الديموقراطية أحد العوامل المغذية لحالة الاستقطاب في المنطقة؟
عبد الخالق عبد الله:
ولا هذا مطروح لا من قريب ولا من بعيد، فلا قطر أكثر ديموقراطية من الإمارات أو البحرين، ولا دول الخليج كانت في يوم من الأيام ضد إرادة شعوب عربية تود الديموقراطية.
الديموقراطية كما اكتشفنا في تونس وفِي محطات أخرى مسارها طويل ولا تتحقق بين ليلة وضحاها، وبالتالي لا توجد أي خشية من دول الخليج إن ذهبت دول عربية لهذا المسار، فهي مطمئنة من نجاحاتها وسجلها وعلاقتها بشعوبها. وستأتي إلى المشاركة والديموقراطية بخصوصيتها وعبر تاريخها وتطورها الطبيعي.
لا أعتقد أن ثمة خوفاً يسكن صانع القرار الخليجي عموماً من الديموقراطية.
شفيق الغبرا:
هذا صحيح، غياب الديمقراطية هو أحد أسوأ الأسباب المغذية للاستقطاب والنزاعات في المنطقة العربية. غياب الديمقراطيات يجعل الصراعات أبدية وطويلة الأمد.